“دونور”… في انتظار مأساة أخرى

إقبار تقارير وملاحظات والتغطية على فضائح وتماطل في تحديد المسؤوليات وبحث دؤوب عن صيغة جديدة للتدبير عادت "فضائح" المركب الرياضي محمد الخامس بالبيضاء إلى طي النسيان، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على وفاة مشجعة تنتمي إلى الرجاء الرياضي، وما رافق هذه المأساة من ضجة وسط الرأي العام الوطني، بادرت النيابة العامة إثرها إلى فتح بحث عن الأسباب، ونشر نتائجه، مع ترتيب الجزاءات. وتمر الأيام، ويظل هذا الصرح الرياضي، القابع وسط منطقة المعاريف، شامخا باختلالاته وأخطاء فادحة في التجهيز والتنظيم والإدارة والتدبير، دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منه، أو قول الحقيقة، بسبب تشعب المسؤوليات وكثرة المتدخلين، وأساسا بسبب أشكال الريع والفساد، وسيادة العلاقات المشبوهة التي تدر أموالا على أصحابها. إعداد: يوسف الساكت لم تعقد لجنة التتبع للمركب الرياضي محمد الخامس اجتماعها الثاني، كما تقرر بعد انتهاء الاجتماع الأول الذي خصص للاستماع إلى مبررات شركة البيضاء للتنشيط والتظاهرات، عقب الأحداث المأساوية التي رافقت مباراة الأهلي والرجاء، ضمن نهائيات عصبة أبطال إفريقيا. وتعهد مسؤولو المدينة، الممثلون في لجنة التتبع، باستدعاء المدير العام لشركة البيضاء للتهيئة والمدير العام لشركة البيضاء للتراث للاستماع إلى إفادتهما في الموضوع، سيما في ظل استمرار حديث يتهم الشركتين بالإخلال بالتزاماتهما، ما ترتبت عنه أخطاء في التدبير والتنظيم أدت إلى وقوع كوارث، وصلت حد وفاة مشجعة. في انتظار ذلك، قال عبد اللطيف الناصري، نائب عمدة البيضاء ورئيس لجنة الشؤون الثقافية والرياضية والمكلف بتدبير أشغال لجنة "دونور"، إن نمط التدبير أصبح متجاوزا ووجب تغييره بشكل جذري في أقرب وقت سيما أن المغرب مقبل على عدة استحقاقات قارية ودولية. وأكد المسؤول أن مجلس جماعة البيضاء يعمل منذ أربعة أسابيع على عقد عدة اجتماعات رسمية مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ومع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وحول ملف تدبير المركب. تدبير خارج "إفنت" بموازاة مع التحركات للبحث عن صيغة جديدة لتدبير المركب، وهل ستستمر الجماعة في التعاقد مع شركة البيضاء للتنشيط والتظاهرات؟ أم تبحث عن شركاء آخرين من خارج المدينة؟ مازال قضاة المجلس الجهوي للحسابات يضعون اللمسات الأخيرة على التقرير المنجز حول "دونور"، كما يلحون على الجماعة والولاية وشركات التنمية المحلية بإرسال أجوبتها عن الملاحظات في موعد زمني محدد. وهمت الاختلالات والتجاوزات التي وقف عليها قضاة المجلس الجهوي، على وجه التحديد، أشغال البنية التحتية والتجهيزات المدرجة في إطار صفقة-إطار مجزأة على عدة مراحل، كلفت وزارة الداخلية والجماعة والوزارة الوصية على الرياضة والجامعة الملكية لكرة القدم 220 مليون درهم. وسجل المجلس الجهوي ملاحظات على أشغال الترميم والإصلاح، سواء تعلق الأمر بترميم البنية الإسمنتية ومساكة المدرجات، أو تركيب مقاعد جديدة ووضع لوحتين إعلانيتين ضخمتين، أو تعلق بنظام لمراقبة الولوج إلى الملعب والمراقبة بالفيديو ووضعية التجهيزات الكهربائية والسمعية البصرية وتهيئة وتجهيز قاعة للندوات والمستودعات. وفحص قضاة المجلس الجهوي عددا من الوثائق والبيانات الخاصة بطلبيات عمومية، ومدى احترامها للمساطر القانونية، إذ انصب العمل حول عمليات توجيه مسطرة إسناد طلبيات عمومية بشكل قد يخالف مبادئ المساواة والمنافسة في ولوج هذه الطلبيات، أو المبالغة في أثمان الطلبيات العمومية، أو أداء نفقات في غياب العمل المنجز، أو تقديم حسابات غير صحيحة. وفي المرحلة الثانية من المشروع، فحص قضاة المجلس إمكانية اقتناء معدات في غياب حاجة حقيقية، خصوصا في الجزء المتعلق بتركيب الإضاءة الخاصة بالملعب وتهيئة الجنبات الخارجية، ووضع النظام الصوتي، ثم وجود أعطاب في النظام المعلوماتي، ونظام الولوج والمغادرة باستعمال الأبواب الدوارة، ما يتسبب في عدة مشاكل. توصيات في خبر كان من جانبها، أعدت لجنة التتبع بمجلس جماعة البيضاء تقريرا حول المرفق العمومي نفسه، جرى "إقباره" دون أن تفعل توصياته إلى حدود الساعة. وسجلت لجنة التتبع الخاصة عددا من الملاحظات والتوصيات، كما وقفت على عدد من الاختلالات التنظيمية، وتأخر في مجموعة من الإصلاحات والأشغال في بعض المرافق التابعة لهذا المركب الرياضي. وأفاد كريم الكلايبي، عضو لجنة التتبع الخاصة بالمركب الرياضي محمد الخامس، بأن المجلس الجماعي، بدأ العمل على بعض الخلاصات التي توصلت إليها اللجنة سالفة الذكر، لافتا في الآن ذاته إلى أنه يلزمها وقت للتفعيل. وشدد الكلايبي، في تصريح صحافي، على أن ما وقفت عليه اللجنة يتطلب التفعيل من لدن المجلس، سيما اتفاقية انتداب شركة البيضاء للتظاهرات والتنشيط، لتفادي ما جرى في مباريات سابقة من سوء تدبير الولوج إلى المرفق الرياضي. ووقفت لجنة التتبع، خلال زيارة للمركب بتاريخ 30 أبريل 2022، على ما أسمته "الوضعية الكارثية للمسبح وقاعة الرياضة ومجموعة من المرافق المستغلة من قبل مجموعة من الأطراف الخارجية، كما وقفت على التأخر الحاصل في أشغال إنجاز متحف الذاكرة الرياضية". وشددت اللجنة، وفق محضر لها اطلعت عليه "الصباح"، على ضرورة مراجعة وتطوير اتفاقية انتداب شركة التنمية المحلية "كازا إفنت" لتدبير المركب والمرافق التابعة له، مع تحديد كافة المسؤوليات ومختلف الالتزامات المتبادلة بين الأطراف المتعاقدة، سيما ما يتعلق بالتنظيم والصيانة والنظافة والتأهيل والتأمين وتنمية المداخيل وضبط المصاريف المتعلقة بالمركب. كما حملت اللجنة الشركة المذكورة مسؤولية الأحداث الناجمة عن تغيير نمط بيع التذاكر دون إخبار الجماعة، عقب الفوضى التي عرفتها المدينة في مباريات سابقة. في هذا السياق، حثت لجنة التتبع، حسب محضرها، على ضرورة دعوة الشركة إلى إيجاد صيغة متطورة ونمط حديث لبيع التذاكر يراعى فيه عدم التزوير، مع ضرورة التنسيق مع الجماعة والسلطات وناديي الرجاء والوداد البيضاويين. وأكدت اللجنة، وفق المصدر نفسه، على الإسراع بإيجاد صيغة لإخلاء مختلف المرافق التابعة للمركب من الأطراف الخارجية التي تستغلها، مع مطالبة شركة الدار البيضاء للتهيئة بتقديم عرض مفصل أمام لجنة التتبع حول الأشغال المنجزة بالمركب الرياضي. ويظل من أهم توصيات اللجنة التأكيد على ضرورة إخراج مشروع الملعب الكبير للبيضاء، بالنظر إلى أن الملعب التابع للمركب الرياضي محمد الخامس لم يعد قادرا على استيعاب الجماهير، ناهيك عما تعرفه المدينة من فوضى وازدحام خلال إجراء المباريات الكبرى. طابق الجحيم لازالت دار لقمان على حالها بالطابق السفلي للمركب الرياضي، مع بعض "الروتوشات" القليلة التي اقتضاها الشروع في بناء متحف للرياضة في المكان نفسه. ومازال الرأي العام يحفظ صور "العار" الملتقطة من هذا المكان، وتعكس الدمار الكبير الذي لحق ملاعب كرة اليد والكرة الطائرة وكرة السلة وكرة القدم المصغرة التي احتضنت، في ما سبق، عددا من المقابلات وتظاهرات رياضية من المغرب وخارجه، كما تظهر الوضعية المأساوية للمراحيض والمستودعات التي تعرضت إلى التدهور الكلي، وطالتها الرطوبة والأوساخ وتحولت أرضيتها إلى بركة مائية عائمة. وطال الدمار أيضا الأسقف والنوافذ والمدرجات ودعامات الإسمنت المسلح التي اقتلعت صباغتها وظهرت القضبان الحديدية، وهي الدعامات التي تقع مباشرة تحت المدرجات الرسمية للمركب والفضاءات المخصصة للمنصة الشرفية والضيوف الكبار. وفي الجانب الآخر من الطابق السفلي من الجهة القريبة من إدارة المركب، يوجد المسبح النصف أولمبي الذي غطته بركة آسنة، علتها طبقة من "الخز" الأخضر، وتتصاعد منها روائح كريهة، تعافها الكلاب. وحسب معلومات توصلت بها "الصباح" يوجد المسبح مباشرة تحت عيون مائية نشيطة، إذ كلما أفرغ من المياه، عاد إلى الامتلاء من جديد في ظرف أقل من 48 ساعة، وهي وضعية اطلع عليها مسؤولون في الجماعة الحضرية ومهندسو الشركة المكلفة بالإصلاح، دون أن يقدموا أي حل بخصوصها. وتحول مدخل المسبح إلى مطرح عشوائي صغير، يتخلص فيه عمال الشركات المكلفة بالأشغال من مواد البناء والأسلاك والحاويات والصناديق. وتوجد هذه الكوارث أيضا غير بعيد عن مشروع المتحف الرياضي للبيضاء الذي تتكلف به شركات للتنمية المحلية، ويقام على مساحة كبيرة في المكان نفسه المسمى "الدار"، أو المستطيل الزجاجي الذي كان مخصصا للصحافة، ثم استعمل، في ما بعد، مطبخا لإعداد وجبات ضيوف المؤتمرات الدولية الكبرى المنظمة بالمدينة. وتنصل أغلب مسؤولي البيضاء من فضائح الطابق السفلي لمركب محمد الخامس، وشرعوا في إبعاد المسؤولية عنهم، بينهم مدير شركة البيضاء للتهيئة، الذي قال في تصريح صحافي "إن هذا الطابق لا يندرج في المشروع الأول للإصلاح، وهو موضوع دراسة ضمن شطر ثالث، وعدت وزارة الشباب بتعبئة 88 مليون درهم لفائدته، دون أن يتحقق شيء على أرض الواقع، إلى حد الآن". "من سيردان إلى دونور" انطلقت أشغال بناء ملعب "مارسيل سيردان" في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، بغاية التخفيف من الضغط الذي يعرفه ملعب "فيليب"، الذي لم تعد طاقته الاستيعابية تسمح بالفرجة، بحكم أن مدرجاته لم تتجاوز سعتها 500 متفرج، فيما يبقى باقي المتابعين واقفين ومتصلبين ومزدحمين في ملعب يستقبل مواجهات مغاربية ودولية. وظل بناء ملعب كبير بمواصفات عالمية (في تلك الحقبة الزمنية) مطلبا للمغاربة وللسلطات الاستعمارية أيضا، لكن هذه الأخيرة لم تكن تعلم أن فرقها لن تنعم بهذه المعلمة، بعد أن بزغ فجر الاستقلال. في 6 مارس 1955، دشن الملعب في منطقة المعاريف، واختارت له الحماية الاستعمارية بإيعاز من المندوب الرياضي للحكومة الفرنسية، اسم "مارسيل سيردان"، تكريما لهذا الملاكم الذي توفي في حادث جوي، حين تحطمت طائرته على صخرة جبل طارق. لكن سنة بعد التدشين سيحمل الملعب اسم "الملعب الشرفي"، بعدما تشرف الملك محمد الخامس بحضور نهائيات كأس العرش فيه، حيث كان يجلس في مدرجاته العادية، قبل أن يتم التفكير في بناء مقصورة رسمية. بعد خضوع الملعب للترميم والإصلاح والتوسعة أيضا، استعدادا لاستضافة المغرب لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في 1983، سينتهي العمل باسم "الشرفي" وسيحمل اسم "المركب الرياضي محمد الخامس"، بعدما ضم قاعة مغطاة ومسبحا أولمبيا وملعبا ملحقا وفندقا ومرافق رياضية، حولته من مجرد ملعب للكرة إلى مجمع رياضي. ظل الملعب يخضع لوصاية قطاع الشباب والرياضة، قبل أن تسحب المجموعة الحضرية في صيغتها السابقة البساط من تحت أقدام القطاع الرياضي، ليتحول الإشراف إلى مجلس المدينة. وظلت صيانته جزءا من التزامات الجماعة الترابية، قبل أن يحمل "البلوكاج" السياسي في المجلس الجماعي وصفة تفويت تدبيره إلى شركة من شركات التنمية في عهد خالد سفير، الوالي الأسبق، وأصبح المركب الرياضي تابعا في تدبيره لشركة البيضاء للتنشيط والتظاهرات إلى حدود الساعة.

“دونور”… في انتظار مأساة أخرى

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحشرة القرمزية تتلف محاصيل الريف

"التروتينيت" الكهربائية... فراغ قانوني

مقالات ذات صلة