الزواج لم يعد قائما على الرجل وحده

مرفوق: طلاق الاتفاق مؤشر على أن أغلب الأزواج متعلمون ومرتاحون اقتصاديا قال محمد مرفوق، دكتور باحث في علم الاجتماع، إن المؤشرات والأرقام الرسمية حول الطلاق، تدل على أن أغلب الأزواج من فئة ذات تعليم عال، أو ذات وضعية اقتصادية مريحة، وهم أشخاص يبحثون عن الاستقرار وعن الشريك المثالي لإدارة الحياة. كما تدل على أن لكل طرف مشروعه الحياتي الصرف، والطلاق هو فشل في إقناع الطرف الثاني بتبني مشروع الطرف الأول، وهذا يعني أيضا أن مؤسسة الزواج لم تعد قائمة على الرجل وحده. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عصام الناصري كيف تقرأ ظاهرة ارتفاع أرقام الطلاق في السنوات الأخيرة؟ > يصعب أن نصف ارتفاع الطلاق بالظاهرة، على اعتبار أن الظاهرة لها محدداتها السوسيولوجية، إلا أنه يمكن القول إن حالات الطلاق في ارتفاع مطرد بين حديثي الزواج، وبين من أمضوا عقودا فيه. قراءة هذا الارتفاع من منظور سوسيولوجي تحيلنا إلى التغيرات والتحولات القيمية، التي عرفها المجتمع المغربي منذ الاستقلال، فمن جهة اتسع هامش حرية وحقوق المرأة بمفهومها المعاصر، ومن جهة ثانية نستحضر التحول من العائلة الممتدة نحو الأسرة النووية، الذي عمق الشعور بالفردانية لدى الأشخاص، وأخيرا بروز صيغ جديدة للعلاقة بين المرأة والرجل أساسها اقتصادي. رغم هذه التحولات إلا أن الطلاق لازال يمتح من ثلاثة سجلات اجتماعية بشكل مركب، أولا باعتباره أبغض الحلال عند الله، ثانيا باعتباره وضعية قانونية تستند على فصول مدونة الأسرة، وثالثا باعتباره توافقا اجتماعيا في ظل وضع قانوني. ولفهم أكثر رصانة للموضوع، علينا أن نطرح السؤال حول الزواج نفسه، إذ كيف يتم تمثل الزواج في المجتمع المغربي؟ بمعنى لماذا يتخذ الفرد قرار الزواج؟ وأيضا ماهي حيثيات هذا القرار؟ ومقارنة التمثل بين الحاضر والماضي، ستكشف لنا بشكل دقيق أسباب ارتفاع حالات الطلاق، القانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والجسدية والطبية والغرائزية وغيرها. ما تعليقك على رقم ورد في جواب كتابي لوزير العدل مفاده أن 20 ألف حالة طلاق من أصل 27 ألفا عبارة عن طلاق توافقي بين الطرفين؟ > إنه رقم مثير للدهشة، أن 75 في المائة من حالات الطلاق توافقيا، وهذا إن دل على خلاصة ما، فإنه يدل على أن أغلب الأزواج هم من فئة ذات تعليم عال، أو ذات وضعية اقتصادية مريحة، بمعنى أنهم أشخاص يبحثون عن الاستقرار وعن الشريك المثالي لإدارة الحياة، كما يدل على أن لكل طرف مشروعه الحياتي الصرف، وفشل في إقناع الطرف الثاني بتبنيه معه، وهذا يعني أيضا أن مؤسسة الزواج لم تعد قائمة على الرجل وحده كما في التصور التقليدي، الذي تمثله 25 في المائة المتبقية، والتي تلجأ لأنواع الطلاق الأخرى. ويبقى طلاق الاتفاق الحل الأمثل لمن يتبنون تمثلا معاصرا لمؤسسة الزواج، أنها بنية علائقية تفترض المساواة في المسؤولية والإقناع والمشاركة والمناصفة... ، رغم أن المدونة واضحة في مسألة القوامة . وبالتالي فطلاق الاتفاق والمقتضيات التي يتطلبها يعفي الأزواج والمحاكم من تداول أسرار بيت الزوجية أمام الملأ، ومن جهة أخرى يضمن السلامة النفسية للأطفال إذا ما وجدوا. كما يمكنه أيضا أن يتضمن الترتيبات المالية دونما اللجوء إلى الخبرة القضائية، وفي الأخير يمكن الأزواج من الخروج من وضعيتهم بشكل سلس. هل تعبر حالات الطلاق المتزايدة عن أزمة اجتماعية أم أنها جواب طبيعي عن تحسن أوضاع النساء اقتصاديا وقانونيا وبالتالي تحررهن من القيود القضائية؟ > لا أعتقد أن الأمر يمكن فهمه بهذا التصور الثنائي، كما أسلفت فهي نتيجة التحولات والتغيرات الاجتماعية، فالطلاق يعبر وينتج عن أزمة في العلاقة داخل مؤسسة الزواج، وليس عن أزمة اجتماعية عامة، بمعنى أن اختيار الشريك قبل الزواج لم يكن صائبا، وبشكل أكثر دقة لم تتوافق قيم الشريكين ونظرتهما للزواج وتمثلهما عن بعضهما البعض، و هذا راجع للإكراهات الاجتماعية التي تفرضها الأسر، خصوصا المحافظة منها . وأن تتحرر المرأة والرجل أو أن يختارا البقاء تقليديين، فهذه حرية شخصية لا نسائلها، بقدر ما نسائل ملاءمة بعضهما للبعض. من الصعب أن يكون الزواج هدفا في حد ذاته، أو أن يكون حلا لمشكلة أخرى، أو تورية لشيء ما لدى أحد الشريكين، فالطلاق في هذه الحالات يكون بديهيا، أو التعدد باعتباره نتيجة أقل ضررا اجتماعيا. أما مسألة تحسن أوضاع المرأة اقتصاديا وقانونيا فتساعد المرأة فقط في تجاوز حاجتها المادية النقدية من الرجل، وثانيا عدم رضوخها للسلطة الذكورية سواء داخل مؤسسة الزواج أو عائلتها أو سلطة القيم التقليدية، فبالتالي فالطلاق معادلة تصعب موازنتها في ظل التفسير والفهم و أنماط وآليات الحلول التقليدية. يوصف ارتفاع نسب الطلاق في الأوساط الإعلامية والأكاديمية على أنه مشكلة، هل الأمر كذلك بالفعل بالنسبة إليك؟ > لا أعتقد أنني سأحكم هكذا من خلفية سوسيولوجية، في اعتقادي أن هذه الأوساط هي من تمثل نسبة 75 في المائة من طلاق الاتفاق، بمعنى أن الأسباب المادية غير واردة لحصوله، بقدر ما يحدث تصادم بين طرفي نقيض العقليات، الأولى ذكورية تسعى لفرض الهيمنة التقليدية للرجل داخل مؤسسة الزواج، والثانية نسوية تسعى إلى استبدال هيمنة الرجل بهيمنة المرأة، مما يؤدي في الأخير إلى انفلات في تدبير العلاقة، أي أن هناك سوء فهم كبير على مستوى بناء العلاقات داخل الأسرة، وهو الأمر الذي يصعب احتواؤه مع مرور الزمن، وتبدأ التصدعات داخل العلاقة في الظهور، إلا أن هذا لا يلغي وجود أسباب أخرى منها ما هو عاطفي وجنسي وجسدي ونماذج التواصل الاجتماعي ... وكلها عوامل مساعدة تغذي صراع السلطة داخل مؤسسة الزواج، ناهيك عن إشراك الغير في هذا الصراع. فالطلاق داخل هذه الأوساط لا يخلف حالات اجتماعية للأطفال، بقدر ما يجعلهم يلعبون على الحبلين بين الزوجين لمن سيكسب ودهم أكثر، وفي حالات الطلاق التقليدية يكون دوما الأطفال هم الضحايا، خصوصا إذا ما تعقدت الترتيبات المادية للطلاق. بماذا تفسر غياب الحديث عن مسألة الطلاق في النقاشات الفكرية والسياسية الأخيرة التي أثيرت حول مراجعة مدونة الأسرة؟ > أعتقد أنها أثيرت في ما يتعلق بجعل جلسات الطلاق سرية، إلا أنني لم أحضر هذه النقاشات حتى أجزم وأتبين أسباب عدم طرح مسألة الطلاق للنقاش، فمسألة مراجعة مدونة الأسرة يتقاسمها العديد من المتدخلين، منهم الفقهاء والسياسيون والحقوقيون والحركات النسوية، والمشتغلون في العمل الاجتماعي كل من موقعه وكل بحسب مصالحه. وموقعنا كسوسيولوجيين من هذا النقاش، يغلب عليه طابع رصد التغيير الذي يفترض المراجعة، وفهم الوضعيات الجديدة التي أنتجتها المدونة وتفسير هذه التغييرات من جهة، ومن جهة أخرى فإن أبعد ما يمكن للسوسيولوجي القيام به، هو بسط الصورة الاجتماعية لكافة المتدخلين وتوضيحها، واقتراح آليات لردم اختلاف وجهات النظر بين كافة المتدخلين لما فيه مصلحة للنواة الأولى للمجتمع. في سطور: + من مواليد خريبكة + دكتور باحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط + خبير في مجال البحوث والدراسات الاجتماعية + سفير شرفي للشباب من أجل السلام والحوار الثقافي لدى اليونيسكو + خبير في مجال التنمية وإنجاز المشاريع والبرامج التنموية

الزواج لم يعد قائما على الرجل وحده

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإسلام شرعه مضطرا

"أوطو سطوب" للنصب باسم الشرطة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات