أصوات يهودية من الذاكرة : رينيت الوهرانية… السلطانة

اختزل صوتها وأسلوب أدائها أكثر من مدرسة غنائية تجاورت فيها أنغام الجزائر والمغرب، يتعلق الأمر بالفنانة الجزائرية سلطانة داود الشهيرة باسم "رينيت الوهرانية" التي تعد واحدة من أشهر الأصوات التي جسدت التعايش الفني اليهودي مع بقية المكونات الدينية والفنية بالمنطقة المغاربية. لم تحل الإعاقة البصرية التي عانتها رينيت منذ طفولتها وجعلتها تعيش في الظلام، من أن تقتحم عالم الغناء وتفجر فيه طاقتها ومواهبها وتعوض عقدة النقص التي لازمتها لسنوات قبل أن تتحول تلك العقدة إلى عامل قوة وتألق، بصمت من خلالها حضورها في المشهد الغنائي.ولدت سلطانة داود سنة 1915 بمنطقة "تاهرت" (جنوب غرب الجزائر) وسط أسرة يهودية يتحدر فيها الوالد من أصول مغربية، أما الأم فجزائرية تحمل الجنسية الفرنسية. أصيبت سلطانة في سنوات عمرها الأولى بداء الجدري الشيء الذي عجل بفقدانها نعمة البصر وهي لم تتجاوز بعد سنتها الثانية، فاضطرت أسرتها إلى إلحاقها بإحدى المدارس الخاصة حيث تلقت تعليمها على طريقة "برايل".لاحظت أسرة سلطانة أنها كانت منطوية على نفسها، ففكرت في إخراجها من هذه العزلة من خلال تعليمها الموسيقى والغناء اللذين لوحظ أنها كانت تميل لهما، فأوكلت هذه المهمة للفنان والمطرب اليهودي الجزائري مسعود المديوني الشهير باسم "سعود الوهراني"، الذي تولى تلقين سلطانة مبادئ الموسيقى والغناء، خاصة النمط الحوزي الذي اشتهر به المديوني في المقهى الذي كان يملكه بحارة اليهود بوهران.نبغت سلطانة في العزف على الآلات الإيقاعية، ثم انتقلت إلى العزف على "الموندولين" وآلة العود، الشيء الذي أكسب أسلوبها في الغناء دربة خاصة، وجعل صوتها ينطلق بكل ثقة مرددا كل ما تلتقطه أذناها من أنغام وأهازيج وأغان، جعل نجمها يسطع بسرعة في الأوساط الوهرانية، لدرجة لقبت ب"الملكة الصغيرة" أو "رينيت الوهرانية".شكلت سلطانة رفقة مسعود المديوني ثنائيا فنيا ناجحا، إذ قاما بجولات عديدة في مختلف المناطق والمدن الجزائرية وسجلا أسطوانات غنائية معا، كما رافقته إلى باريس، نهاية الثلاثينات، حيث أنشأ مسعود مقهى خاصا به لتقديم الأغاني المغاربية، لكن في تلك المرحلة كانت فرنسا خاضعة للحكم النازي، الشيء الذي جعل مسعود يقع ضحية، اختطاف نتيجة الحملات التي كانت موجهة ضد اليهود من قبل النازيين، فانقطعت أخباره بعد نقله إلى أحد معسكرات الاعتقال ومن المرجح أن يكون قد اغتيل هناك.عادت "رينيت الوهرانية" إلى الجزائر خلال مطلع الأربعينات، وواصلت مسيرتها الفنية فانفتحت على تجارب غنائية مختلفة، إذ تعاملت مع كل من الحاج أحمد العنقا وعازف البيانو مصطفى السكندراني إضافة إلى موريس المديوني ودحمان بن عاشور وغيرهم.وتواصل تألق "رينيت الوهرانية" طيلة فترة الخمسينات والستينات، قبل أن تنتقل خلال هذه المرحلة إلى فرنسا وأقامت رفقة زوجها الموسيقي "جورج لياني" بضواحي باريس، بعد أن استشعرت أن الوجود اليهودي بالجزائر لم يعد مرغوبا فيه كما كان الأمر من قبل، بفعل تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين.وظلت رينيت الوهرانية بفرنسا طيلة سنوات، في عزلة عن الناس، وكانت تكتفي بين الفينة والأخرى بإحياء حفلات معدودة لفائدة بعض العائلات اليهودية بفرنسا، قبل أن يطويها النسيان خلال فترات السبعينات بشكل شبه كلي، قبل أن تبعثها من جديد سلسلة مقالات صحافية بجريدة "ليبيراسيون" الفرنسية كتبت عنها، أعادتها إلى الواجهة وجعلت بعض الأوساط الفنية تحاول إعادة الاعتبار لها، فانطلقت تحيي سهرات في مختلف المسارح الأوربية.خلال أواسط التسعينات ستحصل رينيت على جائزة "شارل كرو" عن ألبومها الغنائي "ميموار" الذي استعادت فيه مجموعة أنماط غنائية أصيلة تنتمي إلى التراث اليهودي والعربي، قبل أن تغادر هذا العالم يوم 17 نونبر 1998 تاركة رصيدا مهما من الأغاني التي خلدت اسمها واحدة من رموز الفن اليهودي المغاربي. عزيز المجدوب

أصوات يهودية من الذاكرة : رينيت الوهرانية… السلطانة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نفائس فاس العتيقة : أسوار فاس حصن عسكري منيع

صراعات "قشلة" الحي المحمدي تصل القضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات