نفائس فاس العتيقة : أسوار فاس حصن عسكري منيع

آثر يوسف بن تاشفين إنهاء حالة الصراع بين عدوتي الأندلس والقرويين بهدم الأسوار الفاصلة بينهما تشكل الأسوار المتراصة المحيطة بفاس العتيقة، نفائس تستحق وقفة تأمل وإلقاء الضوء عليها وعلى المراحل التاريخية لبنائها على مراحل قبل أن تعرف إضافات إلى أن سارت على ما هي عليه من شموخ. وتبقى شاهدا حضاريا حيا على المجد العسكري لهذه المدينة وحاكميها خلال فترات تاريخية مختلفة شكلت خلالها حصنا منيعا ضد غزوات الخصوم والأعداء المتلهفين على حكم فاس. ومهما اختلفت الروايات التاريخية حول تأسيس مدينة فاس، فإن الثابت أن الأسوار كانت من أهم المعالم التي شيدها إدريس الثاني منذ حل بجبل زلاغ في 806 ميلادية، إذ أورد ابن أبي زرع الفاسي، أنه بلغ في بناء الأسوار ثلثها، لكن السيل حل من أعلى الجبل في يوم عاصف ممطر فكانت الكارثة، وأن هدم ما بني وفسدت الأغراس، وحمل السيل كل ذلك ورمى به في نهر سبو المجاور. وكان للأحداث والاضطرابات التي تركت بصماتها على فاس منذ ثورة عبد الرزاق الفهري أحد الخوارج الصفرية على الإمام علي بن عمر بن إدريس وما ترتب عنها من فتن وقلاقل، دور في تكثيف تحصين المدينة بالأسوار التي توحي بنشاط عسكري متميز في أزمنة ماضية وتعتبر آثار أمم جيشت جيوشها وقذفت بها في أتون المعارك لتصنع مجد المدينة العسكري ومعه عظمة حاكميها.وتذكر المصادر التاريخية أن بناء الأسوار بدأ مع بداية تأسيس عدوة الأندلس على يد الإمام إدريس الثاني في 192 للهجرة. ويؤكد الجزنائي في كتابه "جني زهرة الآس" واحد من الكتب المهتمة بتاريخ المدينة أيام الأدارسة والمرابطين والموحدين والمرينيين، أن هذا الإمام أقام بـ"جرواوة"، وبدأ في بناء سورها من جهة القبلة، حيث فتح باب القبلة، قبل أن يمر لموقعي "فوارة" وزيتون بن عطية.وضمن أول الأسوار المبنية ذاك بالمخفية إلى الوادي الكبير، وأسوار الشيبوية وحجر الفرج وجرواوة، وغيرها من الأسوار المبنية على عهده التي حرص على تأثيثها بأبواب تاريخية ما زالت قائمة إلى الآن، وعرفت إضافات وزيادات، رغم أن بعضها طالها الهدم والتخريب في فترات تاريخية لاحقة كان فيها لفاس دور ريادي في تحديد المصير السياسي لأنظمة حكم خاصة في الأندلس. وتؤكد المصادر ذاتها أن بناء أسوار عدوة الأندلس سبق تلك بالقرويين بسنة، مؤكدة أنه تم بناء سور عدوة القرويين بدأ من رأس عقبة عين علون حيث فتح باب إفريقيا، قبل بناء سور عين دوردور إلى عقبة الزعتر، وأغلان قبل أن يمر السور بعيون ابن الصادي وعقبة الجرف قبل أن يكتمل بناؤه لتصبح العدوتان مستقلتين عن بعضهما، قبل أن يرمم دوناس بن حمامة المغراوي تلك الأسوار. وزاد تصحين المدينة بالأسوار في مراحل تاريخية أعقبت التأسيس والنزاع لبسط النفوذ على عهد الفاطميين والأمويين والأدارسة ومغراوة، فيما ذكر مؤلفو كتاب "تاريخ مدينة فاس من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين"، أن فاس عظم شأنها على عهد حمامة بن المعز بن عطية المتزامنة ولايته مع تداعي الدولة الأموية، إذ "عمرت أحياؤها وحصنت أبوابها وأحيطت على أرباضها الأسوار".ولما دخل المرابطون فاس آثر يوسف بن تاشفين إنهاء حالة الصراع بين عدوتي الأندلس والقرويين، بهدم الأسوار الفاصلة بينهما قبل أن يحول المدينة إلى قاعدة لعملياته العسكرية، بعدما كان دوناس حصن أرباض فاس من كل جهاتها، بأسوار جددها بعده ولداه الفتوح وعجيسة بعد استقلال كل واحد منهما بعدوته وتحصينها وبناء قصبات بها بموقعي الكدان وعقبة الزعتر التي بها باب عجيسة.وتروي المصادر التاريخية أن الفتوح لما ظفر بعجيسة وقتله، كره أن يبقى الباب يحمل اسمه، إذ عمد إلى إسقاط حرف "العين" وعوضه بالألف واللام، فقال الناس "باب الجيسة" عوض "باب عجيسة"، كاسم ما زال متداولا إلى الآن، ويخفي حقيقة صراع حول عدوتين حصنتا بأسوار لم تشكل تحصينا عسكريا لهما، بل أضفت طابعا جماليا على المدينة الشاهدة أسوارها على عراقة تاريخها.وتؤكد تلك المصادر أن المرابطين أضافوا إلى تحصينات فاس وأسوارها بما في ذلك تلك التي بناها الأدارسة الذين كان فاس في عهدهم وما بعدهم "نطقة لانطلاق الجيوش نحو تازة وتلمسان"، لمسات مرابطية شاهدة على مرور دولتهم بهذه المدينة، خاصة أنهم أصلحوا سور الوادي الكبير قرب حوض السفرجل، وسور الرميلة، كما أورد ذلك الجزنائي وزميله ابن القاضي في كتابه "جذوة الاقتباس".وإن كان غالبية من حكموا فاس اهتموا بتحصينها بالأسوار، فإن العكس حدث مع عهد الموحدين خاصة إبان حكم عبد المومن الذي عرف بقولته الشهيرة "إننا لا نحتاج إلى أسوار، إنما أسوارنا أسيافنا وعدلنا"، قبل أن يشرع في هدم تلك الأسوار القائمة في 542 هـ، وهو الذي عرف عنه مواجهته للفتن الداخلية بالعدل في الأحكام وسياسة الرعية بالحسنى، وشدة بأسه في مواجهة العدو الخارجي.لكن مع انقضاء عهد عبد المومن، ارتأى يعقوب المنصور إعادة بناء تلك الأسوار، قبل أن يتم ذلك ابنه الناصر الموحدي الذي يؤكد المؤرخون أن حال الأسوار حاليا تتطابق كثيرا مع الأسوار التي بناها، ما يعزز فرضية أن تكون هذه الأسوار امتدادا لأسوار الناصر الذي حافظ عليها كل من تولى حكم فاس بعده من بني مرين، إلى الآن حيث ما تزال تلك الأسوار شاهدة على عظمة تاريخ ولى. حميد الأبيض (فاس)

نفائس فاس العتيقة : أسوار فاس حصن عسكري منيع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصب الإلكتروني : خليجي بالصوت والصورة...

أصوات يهودية من الذاكرة : رينيت الوهرانية... السلطانة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات