الحكـومة والمسـؤوليـة المزدوجة

الفاجعة ليست في انهيار ثلاث عمارات وإنما في المركزية المفرطة وغياب التنسيق و تأخر الإسعاف لا شك أن الحكومة تتحمل المسؤولية في ما أصبح يعرف بـ”فاجعة بوركون” على اعتبار أنها تمارس إشرافا مباشرا على القطاع المعني في شخص وزارة السكنى وسياسة المدينة، وقبل ذلك تثار مسؤولية الحكومة مجتمعة، وذلك تنزيلا لأول مهامها: وهي إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية من خلال المؤسسات الحكومية، والمصالح الإدارية المختلفة وتوفير الخدمات الأساسية (السكن، الشغل الخدمات الصحية، الماء والكهرباء...).في أول رد فعل رسمي لحكومة بنكيران على حادث انهيار ثلاث عمارات وسط البيضاء، الذي أودى بحياة 23 مواطنا، أعلن محمد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة عن “تحمل الحكومة مسؤولياتها بشكل جماعي”، مطالبا بعدم “السقوط في تغليط الرأي العام”.ويبدو أن تأخر الحكومة في الإعلان عن موقفها من الواقعة يرجع إلى سيادة منطق التخصص في العمل وفي المسؤولية بين مكوناتها، لكن تداركت الأمر، وفطن أعضاؤها إلى أن المسؤولية الحكومية يجب أن تكون تضامنية في الزمان والمكان، أي بين وزراء الحكومة نفسها وبين الحكومات المتعاقبة، الأمر الذي جعل وزير السكنى وسياسة المدينة، محمد نبيل بنعبد الله، يوضح في إجابة عن سؤال في مجلس المستشارين الثلاثاء الماضي، أن “السلطات تبحث عن تحديد المسؤوليات” في الحادث الذي هز المدينة فجر الجمعة الماضي، مع “القيام بخبرة في العمارات المجاورة، لتجنب تكرار مثل هذه الفاجعة”.لن نتكلم عن إعلان الحداد الوطني ولا عن تدخل صندوق إعادة البناء والترميم، كما يقع في الدول التي تتحمل حكوماتها المسؤولية، ولكن كان يقتضي من أصدقاء بنكيران بعض الليونة، لأن المسألة تتعلق بحياة مواطنين مغاربة تحت الركام، ولا يمكن الانتظار حتى تأتي الأوامر من فوق، ولم نسمع عن خلية عملية تم إحداثها على مستوى موقع الحادث كما يقع في كل دول العالم وبقي واحد ينتظر الإشارات الآتية من العاصمة. رفض وزير السكنى الاستقالة نزولا عند طلبات مغاربة مواقع التواصل الاجتماعي، وهو محق في ذلك على اعتبار أن الكارثة ليست في انهيار العمارات الثلاث، بل في تأخر المسعفين، وهو ما يثير مسؤولية قطاعات حكومية أخرى في مقدمتها وزارة الداخلية صاحبة الوصاية على وحدات الوقاية المدنية، وعلى الإدارة الترابية المكلفة بتطبيق قوانين التعمير والبناء.الأكيد أن أولى الإشارات المتسربة من دائرة التحقيق، الذي أعلن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء فتحه إعمالا لطلب النيابة العامة إجراء تحقيق في أسباب حدوث الانهيار، بدأت تتجه نحو تحميل المسؤولية لمسؤول محلي، خاصة أن أصابع الاتهام تشير إلى تواطؤ في الفساد بين أعوان السلطة المحلية ومضاربين عقاريين. وحتى إذا اتسعت دائرة التحقيق فإنها لن تبارح الدائرة الترابية الأصغر مقاطعة أو قيادة، على اعتبار أن المسؤولية تقع على القائد ورئيس الجماعة أو المقاطعة، وما دام الوزير المعني أكد أن "عملية البناء لم تحترم شروط السلامة"، وأنه عوضا عن "هدم البناء السابق لتشييد البناء الجديد، تم البناء على الطابق القديم"، كاشفا عن وجود أحياء في مدينة الدار البيضاء فيها "مساكن قابلة للانهيار بسبب تراخيص بناء مايفرض بحسبه تكثيف المراقبة".وكيفما كان الحال تتحمل الحكومة المسؤولية السياسية على اعتبار أنها أعطت لمجال السكنى حيزا مهما في برنامج بتحسين ظروف إقامة المواطنين عبر إحداث منتوج سكني للفئات المتوسطة حددت ثمنه في 80 مليونا للشقة، وكذا الالتزام بتقليص العجز السكني من 840 ألف وحدة سكنية إلى 400 ألف وحدة سكنية، مع تسريع وتيرة مشاريع مغرب بدون صفيح ومواصلة تعبئة العقار العمومي في حدود 20 ألف هكتار على مدى خمس سنوات. ياسين قُطيب

الحكـومة والمسـؤوليـة المزدوجة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فاجعة بوركون... البطء القاتل

مأساة بوركون...الإنقاذ اللغز!

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات