مسرحية تستعيد زمن الاستعمار وقيم التسامح والتعايش بين الديانات تقدم فرقة "صوطوفوتشي"، بعد غد (السبت) بتازة، عرضا لمسرحيتها "غَشية"، الثاني من نوعه بالجهة، بعد تقديمها، الأحد الماضي عرضا أول بالمركب الثقافي محمد المنوني بمكناس، في إطار جولة ضمن الجولات الفنية المدعمة من قطاع الثقافة بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، تقودها بعد رمضان إلى ورزازات لتختتم في ماي بعرضين أخيرين بالبيضاء والرباط. وتعتبر المسرحية التي ألفها ويخرجها الفنان الشاب رضى التسولي وصممت إنارتها رميساء الشراشر ويديرها فنيا إبراهيم بن خدة، الرابعة من إبداع الفرقة التابعة لجمعية "كوريو سپيريت" للإبداع الحركي وفنون الشارع التي تأسست قبل 5 سنوات، بعد تقديمها مسرحيات "أرض مجهولة" و"ليمبو" و"أوكولوس" وعروضا كوريغرافية في تظاهرات جهوية ووطنية ودولية مختلفة. وتسترجع المسرحية التي أنجز لها الكوريغرافيا سعيد الودغيري، فيما صمم لها مخرجها تقنيات الفيديو ذات الصلة بالعرض، أحداثا وقعت في فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب، على لسان الراوية المسماة "ليلى" امرأة ثلاثينية تعيش وحيدة ظروفا صعبة وعانت كثيرا بسبب المرض في مراحله الأخيرة، في انتظار المصير المحتوم إلى أن توافيها المنية. ورثت "ليلى" حب الأدب والكتابة من والدتها المتوفاة منذ زمن طويل، بعدما رسخت قصصا كثيرة في ذاكرتها سيما عن جدها الذي لم تلتق به من قبل، لكنها أحبته وصار رفيقها الروحي وبطلها في هذه القصة، دون أن تنسى أمها التي أوصتها بكتابة القصص وخلق الشخصيات لأنه "سيخفف من شعورها بالوحدة القاتلة وعبثية الحياة". «الهداوي" جد "ليلى" في هذا النص، هو الشخص المحوري الناشر للسكينة والذي يخلص الناس العبيد والمضطهدين من آلامهم، عن طريق كلماته وإيقاعاته الكناوية. يقع الرجل في حب فتاة يهودية الأصل عاشت بفاس خلال عشرينات القرن الماضي، فيسكن الحب روحه ويسلب قوته وعقله دون أن يفرمل طموحه لتكسير كل قيود المجتمع. شخصية "الهداوي" أعطت مثالا حيا للتسامح والتعايش وقيم الإنسانية، بعدما خفق قلبان من ديانتين مختلفتين لبعضهما، متفقين على الحب الطاهر وغير المشروط، ومنها استمدت "ليلى" قوتها وعزيمتها قبل أن تتخلص من معاناتها مع المرض، مودعة عالما ماديا لتنتقل إلى عالم آخر للقاء هذا الجد الشخص المثالي في عينها وقلبها. وقبل ذلك تتطور أحداث المسرحية ويشخصها الممثلون، كنزة فركاك وسعيد الودغيري وسهام لحلو وزينب فركاك وعبد الخالق السعدي وعبد العالي بلالي ومصطفى الزاهير، بشكل مسترسل. وتنتهي حياة ليلى بانتهاء وموت بطلها الجد "الهداوي" الذي كانت ترى فيه صورة النقاء والصفاء وعنوانا لاستعادة السعادة التي خلقتها مع أفراد هذه الحكاية الذين نسجتهم من وحي خيالها. حميد الأبيض (فاس)