علــى غـفـلة : قسم الولادة بمستشفى ابن رشد “يقهر” شهر الصيام

حيوية القسم وسخونته تكسران نسبيا رتابة مؤسسة صحية ترفل في الانتظار و"الترمضين" كان لابد من رمضان حتى ندخل مستشفى ابن رشد بالبيضاء «آمنين» عبر بوابته الرئيسية المفتوحة، على امتداد ساعات النهار، على فوضى أكشاك المأكولات الخفيفة والمواد الغذائية، ومجموعات مواطنين محملين بالقفف والأكياس البلاستيكية، وهم يتحينون الفرصة للدخول خارج مواعد الزيارة . في الجهة امرأة عجوز أنهكها الصيام تلقي بجسدها المعقوف تحت ظل سيارة إسعاف خاصة، من السيارات الكثيرة التي ترابط في الساحة المقابلة لقسم المستعجلات، وقد استسلم سائقوها إلى غفوة صغيرة بقمرة القيادة في انتظار مكالمة عاجلة.الجو قائظ زوال اليوم الثاني من شهر الصيام، وأعمدة شمس حارقة تقف فوق الرؤوس، وتتواطأ مع الجوع والعطش اللذين بدآ يزحفان، رويدا، على الأجساد التي تصلبت أمام باب صغير لا يبعد إلا خطوات عن مكتب التسجيل الخاص بحاملي بطاقة «راميد».العيون تتابع في خشوع حركات وسكنات رجلي الحراسة اللذين حسما الموقف لصالحهما، ولم يكتفيا فقط بإحكام إغلاق الباب الصغير، بل وضعا كرسيين وجلسا يتبادلان حديثا هامسا، ولسان حالهما يقول إنه لا زيارة رسمية إلا في المواعد المخصصة لها، تنفيذا لتعليمات الإدارة العامة للمستشفى، ودرءا للفوضى التي تحدثها الزيارات العشوائية وسط الأقسام الطبية.وعكس الباب المخصص للزيارات وطالبي الاستشارات الطبية، تبدو الإجراءات أقل تعقيدا عن مدخل الباب الرئيسي، إذ يكفيك بعض ملامح جدية وإيماءة واثقة من الرأس، حتى يترجل حارس الأمن عن مقعده، ويسارع إلى رفع الحاجز الحديدي ويسمح لك بالدخول مع «بونيس» في شكل تحية ودعوات بالتوفيق.على اليمين من المشهد، مازال حارسا الأمن عند الباب الصغير يتبادلان أطراف الحديث، تراقبهما عيون مثقلة بالنوم، وأجساد منهكة تنتظر ساعة الصفر للانطلاق مثل سهام إلى حيث يوجد ذووهم من المرضى والحوامل اللواتي وضعن على التو.ورغم الحراسة المشددة على الأبواب الرئيسية، سواء عند مدخل المستعجلات، أو البوابة الأخرى المفتوحة على زنقة سبتة، هناك مواطنون لهم طريقتهم «الخاصة» في الوصول إلى الحديقة الكبيرة وسط المستشفى، حيث يفترش بعضهم قطعا من الكارتون على العشب الذي تآكل من فرط الاستعمال وغياب الصيانة.هدوء نسبي يعم المكان هذا الزوال، ربما لأن «سكان» المستشفى قرروا الاقتصاد كثيرا من طاقتهم الذاتية وتخزينها لمواجهة ساعات طويلة من الصيام تصل إلى 17 ساعة يوميا. تسير الممرضة الشابة بخطى سريعة واضعة يدها على جبينها اتقاء لفحات شمس حارقة، وحين يسألها الرجل الخمسيني بجلبابه الصوفي عن وجهة جناح طبي، تشير بأصبعها إلى زاوية في الجهة اليسرى، دون أن تتوقف عن المشي. يلتقط الرجل كيسه البلاستيكي من الأرض، ثم يهرول في الاتجاه نفسه، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة. عادة يتوقف جزء كبير من العمل في النصف الثاني من اليوم، إذ يفضل أغلب الأطباء والجراحين إجراء استشاراتهم الطبية والعمليات الجراحية المبرمجة في النصف الأول منه، إلى حدود الساعة الثانية بعد الزوال، إذ يتفرغ عدد كبير منهم إلى عمله الإضافي في المصحات الخاصة، بينما تسهر فرق المداومة والحراسة، مكونة من ممرضين وأطباء وتقنيين، على تأمين الفترة الزوالية والليلية.أمام قسم التوليد وأمراض النساء، أشهر أقسام مستشفى ابن رشد، بسبب "كثافته السكانية" المرتفعة طوال أيام الأسبوع، نودع نسبيا أجواء الخمول والانتظار، ونستقبل فضاء حيويا "ينغل" بالزائرين (وحده الله يعلم كيف وصلوا إلى هذا المكان خارج أوقات الزيارة)، وعددا من الممرضين والأطباء وبعض الطلبة المتدربين الذين يتباهون بوضع "الصناطة" فوق صدورهم. لا يعترف قسم الولادة وأمراض النساء بالمناسبات الدينية والأعياد وشهر رمضان، ولا تعرف أطره طريقا إلى التقاط الأنفاس، بسبب الاكتظاظ الذي يعرفه، إذ يستقبل يوميا عشرات الحالات القادمة، ليس فقط من الدار البيضاء، بل من مدن المجاورة، وحتى من مدن يعيدة مثل مراكش ومكناس وميدلت، ووارزازات. الممرضون والأعوان هنا يبذلون جهدا إضافيا لتنظيم طوابير الأسر والمرافقين الذين جاؤوا للاطمئان على النساء الحوامل وتذكيرهم للمرة الألف أن الزيارات ممنوعة إلا بمواعد محددة.يوسف الساكت

علــى غـفـلة : قسم الولادة بمستشفى ابن رشد “يقهر” شهر الصيام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نصف مليون مغربي ممنوعون من تحرير الشيكات

مغاربة يثيرون أزمة بالمونديال بسبب العلم الوطني

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات