سوق الذهب… أزمة ومعاناة

ركود يهدد مهنيين بالإفلاس ومهربون اخترقوا المجال وارتباك بين السوق الوطني والبورصة العالمية «جزار ومعشي باللفت" مثل ينطبق على تجار وصانعي الذهب بالمغرب، فرغم الصورة التي يحظى بها هؤلاء في المخيال الشعبي بأنهم أثرياء و"دايرين لاباس" بحكم أنهم يتاجرون في معدن نفيس، خاضت دول كبرى حروبا من أجله، إلا أن الواقع يكذب ذلك، كساد تجاري وغياب رؤية مستقبلية للقطاع، تسببا في مشاكل مادية للعديد منهم، تهددهم بالإفلاس، ساهم فيها غياب رقابة صارمة من الدولة، ما فتح الباب أمام الغرباء ليتلاعبوا فيه سواء بالتهرب أو القيام بعمليات مشبوهة، أدت إلى ارتفاع أسعاره مقارنة بالسوق الدولية. إنجاز: مصطفى لطفي رغم هذه الإكراهات، يبذل المهنيون مجهودات كبرى للنهوض به، سواء بشكل فردي أو في إطار جمعيات، إذ عقدت لقاءات مع مسؤولين وزاريين وفي الجمارك من أجل النهوض بتجارة الذهب بالمغرب وإعادة الاعتبار للصناع أو تجار الذهب، عبر وضع مساطر جديدة والاستفادة من امتيازات، لمنافسة دول رائدة في المجال. تحقق جزء من هذه الأماني، في حين ما زالت الطموحات الأبرز في طور الانتظار، لكن أملهم كبير في تحقيقها في أسرع وقت. مناجم وغياب الذهب الخام رغم توفر المغرب على مناجم للذهب والفضة، يشتكي الفاعلون من غياب الذهب الخام باعتباره مادة أولية في هذا القطاع، هذا الأمر تسبب في ارتباك كبير في السوق الوطنية، ما استغله غرباء عن القطاع في أنشطة مجرمة قانونا من قبيل التهريب، عبر إدخاله بطرق سرية من تركيا وإيطاليا، حارمين الدولة من رسوم جمركية تقدر بالملايير. يوضح هذا الإشكال بشكل مفصل، محمد مجيد لحريشي، الكاتب العام للفدرالية المغربية للصياغين، إذ أبرز في لقاء مع "الصباح"، أن مصادر السوق الوطنية من المواد الأولية لا تخرج عن عملية تدوير الحلي والمجوهرات الذهبية القديمة، ونسبة من الذهب المهرب، بحكم أن الشركات المشرفة على استخراج هذا المعدن النفيس من المناجم المغربية تصدره كاملا إلى الخارج. وبنوع من الحسرة، أفاد لحريشي أن عملية تدوير الذهب إن كانت تحقق نسبة مهمة من الذهب الخام للعاملين في القطاع، إلا أنها تنتهي بكوارث، أبرزها، حسب قوله، إعدام تحف ذهبية أثرية نادرة عن جهل، سيما بمحلات الذهب بالقرى والبوادي، بعضها قد يعود إلى قرون، على نقيض المدن الكبرى حيث ينتشر مختصون يميزون بينها وبين الحلي العادية. ولوقف هذه المأساة في حق تاريخ المغرب، وأيضا للضرب بيد من حديد في حق المهربين، ناشد الكاتب العام للفدرالية المغربية للصياغين، الدولة بتخصيص جزء من الذهب الخام المستخرج من المناجم للسوق الوطنية، إذ حسب قوله ستكون له آثار إيجابية على القطاع عبر ضبط أسعاره والشفافية في التعاملات بين التجار والصناع، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي أيضا حتى على المواطنين. ارتباك السوق المغربية من أكثر الأمور المثيرة للغرابة في سوق الذهب بالمغرب، عدم توافق أسعاره مع سعر البورصة الدولية، تشعر كأنه يغرد وحيدا خارج السرب، إذ في الوقت الذي تشهد فيه أسعار الذهب انخفاضا دوليا، يرتفع ثمنه بالمغرب والعكس صحيح. الأمر لا يتعلق باستقلال تام عن بورصة الذهب العالمية، وإنما يعود لأسباب مجهولة، يؤكد رئيس الفدرالية المغربية للصياغين، مازالت لغزا إلى اليوم، ورغم محاولته وباقي الفاعلين في القطاع التنسيق مع الدولة لتصحيح هذا الخلل، لا شيء تحقق. البحث في أسباب هذه الهوة بين السوق الوطنية والبورصة العالمية، أشبه بالبحث عن إبرة وسط أكوام من القش، كلما طرق الباحث بابا، وجد نفسه يخرج من باب آخر دون نتيجة. إلا أن كل هذه العراقيل لا تعني أن أصابع الاتهام موجهة إلى "أشباح"، بل هناك جهات خفية تتلاعب في أسعاره، والهدف طبعا تحقيق أرباح خارج القانون في عمليات التهريب. وكشف فاعلون في القطاع أن أكبر المستفيدين من غياب تنسيق في أسعار الذهب وطنيا ودوليا، هم المهربون، ففي حال كانت أسعاره أقل من السوق الدولي يسارعون بطرقهم الخاصة إلى تهريبه للخارج، وبيعه هناك محققين أرباحا بالملايين، وفي حال كان سعره الدولي أقل من السعر الوطني، يدخلونه سرا ويعيدون بيعه للمتواطئين معهم. وبعبارة أخرى، وصف الفاعلون هذه الفئة بـ"المنشار .. طالع واكل نازل واكل». تنضاف إلى فئة المهربين، أطراف أخرى تحترف الاحتكار، إذ بحكم توفرها على رأسمال بمئات الملايين نجحت بتنسيق مع وسطاء في احتكار حصص كبيرة من الذهب بالسوق الوطنية، وتعيد بيعه بأسعار تتجاوز سعر السوق الدولية، مستغلة حاجة صناع الذهب للمواد الأولية من أجل مواصلة نشاطهم الصناعي والتجاري، لهذا يجد الصناع أنفسهم مجبرين بعد صنع الحلي والمجوهرات على رفع ثمنها لتعويض الزيادة، التي أدوا قيمتها للمحتكر، والتي قد تناهز 20 درهما في الغرام الواحد. أمل رغم الكبوات رغم الأزمات والركود، نجح قطاع الذهب بالمغرب في الصمود، وقدم العاملون فيه تضحيات من أجل الحفاظ على هذه المهنة، التي تعد رمزا لتراث مغربي ضارب في التاريخ. مشاريع عديدة تم الإعلان عنها لتحقيق هذا المبتغى، أبرزها الخطوة الشجاعة التي تحسب للفدرالية المغربية للصياغين من أجل الحفاظ على هذا الإرث، إذ تحت إشراف منظمة الألفية الأمريكية، وبتنسيق مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية وفدرالية المقاولات، تم إنشاء مدرسة خاصة في قطاع الحلي والمجوهرات بفاس، وبالضبط بطريق سيدي حرازم، والتي سوف تفتح أبوابها في السنة الدراسة المقبلة. مدرسة اعتبرت سابقة في المغرب، ويراهن عليها الجميع للنهوض بهذا القطاع، ومنافسة دول عريقة في هذا المجال. كما استفاد صناع وتجار الذهب من المشروع الملكي للتغطية الصحية، وهي مبادرة ثمنها الجميع، بحكم أنه ستحل إشكالات عديدة، عاناها المهنيون، سيما في ما يتعلق بالتقاعد أو العجز عن العمل. ورغم الاحتفاء بهذه المبادرة، هناك مؤاخذات أخرى، سيما من قبل الفدرالية المغربية للصياغين، إذ حسب رئيسها محمد مجيد لحريشي، تم إقصاؤهم من قبل مسؤولي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خلال إنزال هذا المشروع، وتفادي استشارتهم في معطيات عديدة، بحكم أنهم أدرى بالقطاع لإنجاح هذه المبادرة. ومن بين الملاحظات التي أثيرت حول هذا الموضوع، يؤكد لحريشي، عدم إلمام مسؤولي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بخصوصية القطاع، والنتيجة فرض واجبات انخراط شهرية تتراوح ما بين 600 درهم و2000، وهي مبالغ اعتبرها تعجيزية، بحكم أن العديد من المهنيين بسبب الركود والأزمة سيجدون أنفسهم عاجزين عن الوفاء بها، لهذا، يواصل لحريشي حديثه، كان على هؤلاء المسؤولين استشارة المهنيين لوضعهم في الصورة الصحيحة وتقديم معطيات ملموسة عن واقع القطاع، وعلى ضوئها يمكن تحديد واجبات الانخراط. وبعيدا عن جدل التغطية الصحية والاجتماعية لمهنيي القطاع، يشهد قطاع الذهب ركودا تجاريا لم يشهده من قبل لاعتبارات دولية، منها ارتفاع أسعاره في بورصة العالمية، إضافة إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، منذ جائحة كورونا. ولهذا تقترح الفدرالية المغربية للصياغين تنزيل الإستراتيجية التي قامت بها بتنسيق مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية في 2019، عبر اعتماد التصنيع والمكننة في القطاع، لمنافسة دول رائدة من قبيل تركيا وإيطاليا. الضريبة ... صداع في الرأس من بين أكبر المواضيع إثارة للجدل في قطاع الذهب والمجوهرات، أداء الضريبة، والسبب حسب رئيس الفدرالية المغربية للصياغين، أن القطاع يصنف ضمن خانة المهن الحرة، على غرار المهندسين وأطباء القطاع الخاص والمحامين والموثقين، وهذا يعني أنه يعتمد على المحاسبة المدققة، لكن في ظل الواقع الحالي يصعب اعتمادها، لأسباب عديدة منها عدم التوفر على المواد الأولية، كما أن أغلب المعاملات التجارية تتم دون فواتير، ما يصعب من تحديد رقم معاملات صحيح في قطاع الذهب. وأكد لحريشي أن أداء الحد الأدنى من المساهمة الضريبية، لا يمكن اعتماده من قبل إدارة الضرائب، لأن قطاع الذهب يختلف عن باقي القطاعات الصناعية والتجارية، إذ يتطلب رأسمالا كبيرا جدا، دون تحقيق هامش كبير من الربح، وبالتالي يجب أن يستفيد القطاع من الامتيازات، التي استفادت منها قطاعات أخرى، من بينها المحروقات، خاصة في ما يخص الحد الأدنى من المساهمة الضريبية، من خلال تخفيض الحد الأدنى للضريبة من 0.5 في المائة إلى أقل من 0.15.

سوق الذهب… أزمة ومعاناة

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كمين بـ 400 درهم لمسؤول دركي

تحت الدف

مقالات ذات صلة