“مافيا البال” تغرق الناظور

أسواق لاستيراد أطنان من الملابس المستعملة وأثرياء يجنون الملايير من عائداتها كثفت شبكات تهريب الملابس القديمة أنشطتها لإغراق الأسواق بأطنان من الملابس المستعملة، المعروفة باسم "البال"، وسعت إلى التمويه على أنشطتها بتواطؤ مع شبكات دولية لإلحاق خسائر بالاقتصاد الوطني تقدر بالملايير، بل إن مصادر "الصباح" تتحدث عن صفقات تعقد بملايين الأوروات بأوربا، لاقتناء أطنان من الملابس القديمة وتهريبها بطرق مختلفة، استغل أصحابها بعض «الهفوات" أو علاقتهم ببعض المعامل، التي يسمح لها باستيراد الملابس القديمة. خالد العطاوي (موفد الصباح إلى الناظور) ليس سهلا الوصول إلى السوق "الفوقاني" بالناظور، فالطريق المتربة والحفر تجعل المهمة صعبة، لكن ذلك لا يمنع الشاحنات والسيارات المحملة ب "البال" من التوجه إليه، لأنه أحد أهم الأسواق الوطنية في بيع الملابس والأحذية المستعملة. باعة بالجملة والتقسيط يوجد السوق "الفوقاني" بحي أولاد بوطيب بالناظور، ويقع على مساحة كبيرة، وصمم ليحتضن " الجوطية" الأولى، التي توجد بها 1350 محلا تجاريا، والثانية التي تضم 154 محلا، ويعد من أكبر الأسواق لتجارة "البال" بالمغرب، ولا يرتاده، كما عاينت "الصباح"، الفقراء، كما يشاع، بل يزاحمهم أغنياء يبحثون عن أحذية وملابس من صنع «ماركات عالمية». أمام أبواب السوق تعثر على سيارات فارهة، يقول أحد المتسوقين، إنها في ملكية التجار الذين يكسبون من تجارة "البال" المحظورة الملايين، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن بعضهم أصبح من الباعة بالجملة، إذ يتم تصدير ما يحصلون عليه من السلع إلى مدن أخرى، بدليل المستودعات الكبيرة، التي لا تبعد كثيرا عن السوق، وهي مخصصة للتخزين وتسويق أو استيراد "البال» بالجملة. وقفت "الصباح" على معطيات دقيقة كشف خلالها بعض المهنيين بالناظور أن مدينتهم أصبحت المزود الأول للأسواق الوطنية ب"البال"، تليها طنجة، فأباطرة الملابس المستعملة يبيعون "السلع" تحت الطلب، لأن جلها مصدره إسبانيا وبعض الدول الأوربية الأخرى، كما أنها تتميز بالجودة العالية، وأحيانا هي عبارة عن ملابس جديدة من "ماركات" عالمية. ليس السوق وحده المسؤول عن "بورصة" الملابس المستعملة، فالمستودعات المحيطة به تمتلئ ب"البال"، وهي عبارة عن أحذية وملابس وجدت طريقها إلى الأسواق المغربية، بعد تهريبها بالتدليس، خاصة أن الأرباح الخيالية التي تدرها تغري كبار التجار "المحميين"، حسب مصادر مطلعة، واستغلال شركات "التدوير" في جل المناطق من أجل الحصول على "البال» من مصدره. معامل خارج القانون وفي الوقت الذي كانت أغلب الملابس المستعملة تهرب، قبل منع التهريب من مليلية وسبتة المحتلتين، في شاحنات خاصة أو عن طريق صغار المهربين، لجأ أباطرة "البال" إلى استغلال بعض المعامل التي يسمح لها بمعالجة نفايات النسيج والقماش وتحويلها إلى ألياف النسيج، في تسويق كميات كبيرة من الملابس المستعملة، علما أن القانون ينص على أن هذه المعامل يسمح لها «بعد عملية معالجة "البال" إعادة توزيع منتوجها داخل السوق المحلي، وليس الوطني، لإعادة استعماله بنسب مائوية محددة. وصرح أحد التجار، الذي اضطر إلى التخلي عن بيع الملابس والاتجاه إلى «البال"، أن أباطرة الملابس المستعملة المغاربة في أوربا يسعون إلى إغراق الأسواق المغربية، باعتبارها بوابة إفريقيا، علما أن تقارير السلطات الأوربية تشير إلى أن شبكات الملابس المستعملة توزع المهام بينها، مقابل مبالغ مالية كبيرة. كما ينسج مهربون علاقات مع مزودين لهم في البلدان التي يتم منها تهريب هذه الملابس، خاصة بإسبانيا والجزائر، حيث تقتني هذه الملابس بأثمنة زهيدة، علما أن السلطات الأوربية تراقب تحركات أباطرة "البال» بدقة، خاصة بعد أن امتدت تحقيقاتها إلى تحديد قيمة الصفقات الكبرى، والعمليات المالية بحسابات بنكية، فتهريب الملابس المستعملة تجارة مربحة للعديد من المهربين، في ظل وجود شريحة كبيرة من الزبناء الذين يفضلون هذا النوع من الملابس لرخص ثمنها وجودتها التي تفوق جودة الكثير من الملابس المصنعة محليا أو المستوردة من الصين. المنافسة غير المتكافئة رغم حرص عدد من أصحاب المحلات التجارية بالناظور على تزيين واجهات محلاتهم التجارية وعرض الملابس الجاهزة الجديدة المحلية الصنع في الواجهات، في محاولة لإثارة انتباه المتبضعين، إلا أنهم لا يخفون أن الملابس المستعملة منافس قوي لهم، إذ تراجع عدد من الزبناء عن اقتناء المنتوج المحلي الصنع، بسبب قلة وفرة العرض المغري، إضافة إلى أن جودة ملابس الخارج تستقطب الزبناء، مقارنة بالسلع المعروضة بالمحلات، إذ هناك من يقتني منتوجا محليا بثمن مرتفع وخلال مدة استعماله يتفاجأ بتعرضه للتلف في حين أن ملابس "البال" تبقى صالحة للاستعمال، الأمر الذي جعل أسرا تحول الوجهة إلى الأسواق الشعبية ومحلات «الجوطية». ولعل إقبال عدد من الباعة على تحويل أنشطتهم إلى بيع الملابس القديمة، وظهور أسواق جديدة لهذه التجارة، يكشفان، حسب التاجر نفسه، كيف تحول إلى قطاع مربح سواء للتجار أو الزبناء. "البال" وكورونا ازدهرت محلات الملابس المستعملة في فترة جائحة كورونا، ويرجع ذلك جزئيا لأن أرباح البيع فيها كبيرة، إضافة إلى أن الأسعار اعتبرت مناسبة للمستهلك الذي تأثر دخله بشدة بسبب الجائحة، رغم إغلاق الحدود مع مليلية المحتلة. وكشف أحد المهنيين في قطاع النسيج بالناظور، أنه في ظل توقعات متزايدة بارتفاع ملحوظ في أسعار البضائع عالميا نتيجة الصعوبات التي تواجه قطاع الشحن البحري، وتأثير ذلك على سلاسل الإمداد، إضافة إلى استمرار بطء التعافي الاقتصادي من آثار الجائحة، فإن أسواق "البال" مرشحة للنمو واكتساب شريحة أوسع من الزبناء، ربما لم يكونوا ليفكروا في اللجوء إليه في الظروف العادية. وتسببت جائحة "كوفيد 19" بشكل ملحوظ في الحد من إنتاج الملابس، خاصة أن الأزمة أظهرت العديد من المشكلات في بعض نقاط البضائع العالمية، وامتدت إلى سلاسل التوريد الأولية، ما تسبب في إغلاق المتاجر على نطاق واسع وتراكم فائض المخزون. وتأثرت الأسواق المغربية بالأوضاع العالمية، في فترة الجائحة، ما دفع شركات عالمية إلى التخلص من مخزونها، وهو ما استغلته شبكات تهريب الملابس المستعملة، التي صنفتها تقارير عالمية ضمن "أغنياء الأزمة». نفوذ أثرياء الملابس المستعملة کشفت مصادر "الصباح" أن مافيا الملابس المستعملة تتوصل بأطنان منها في طنجة، التي أصبحت نقطة جذب لأثرياء "البال"، قبل توزيعها على الأسواق المغربية بصفقات بالملايير، إذ يكتفي زعماء الشبكات باقتناء أطنان من الملابس القديمة وتهريبها بطرق مختلفة، مستغلين بعض الوثائق التي تشير إلى أنها ملابس من صنع محلي، موضحة، في الوقت نفسه، أن عددا من التجار وجدوا أنفسهم على حافة الإفلاس، إذ تستغل الشبكات نفسها الوثائق المشبوهة في نقل البضائع من طنجة إلى جل الأسواق، علما أن تحقيقات سابقة أشارت إلى خطورة هذه الشبكات على الاقتصاد المغربي، خاصة أن نفوذها وصل إلى عدة مدن، بعد تهريب الملابس المستعملة في شاحنات خاصة أو عن طريق صغار المهربين. شرامطي: التحايل على القانون قال سعيد شرامطي، رئيس جمعية الريف الكبير لحقوق الإنسان، إن تجارة الملابس المستعملة تتحكم فيها مافيا دولية، من بين أعضائها مغاربة، وتجعل من اسبانيا، خصوصا مدينتي "إليكاني و فالينسا"، مقرا لانطلاق نشاطها، قبل أن تصل إلى طنجة وميناء الناظور، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن شبكات "البال" تتلاعب بالقانون لتهريب أطنان منها إلى المغرب عن طريق بعض الشركات التي تستعمل هذه الملابس المصنوعة من القماش مواد أولية في صناعاتها. وأوضح شرامطي، أن قوانين وزارة الصناعة والتجارة الرقمية و الاستثمار والاقتصاد الرقمي، تمنع تجارة "البال" في الأسواق الوطنية، إلا تلك التي يتم استيرادها باعتبارها مواد أولية، بعد تحويلها لألياف تستعمل في الصناعة، موضحا أن مافيا "البال" استطاعت النفاذ إلى أسواق المغرب، بسبب عدم التزام بعض الشركات بما هو مسطر لها في دفاتر التحملات المتفق عليها والمتعلقة باستيراد الملابس المصنوعة من النسيج والقماش فقط ، إذ أصبحت تستورد، تحت غطاء الملابس المستعملة، جميع أنواع الملابس من أحذية وملابس جلدية وبلاستيكية تباع مباشرة في الأسواق الوطنية.

“مافيا البال” تغرق الناظور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شكاية تفضح سرقة 800 مليون

السياحة تستعيد عافيتها

مقالات ذات صلة