أسئلة بريئة لمحاولة فهم ما وقع للمنتخب الذي تمكن من هزم فرق كبرى في "مونديال" قطر بقلم: رحال لحسيني الأمر لا يتعلق هنا بنظرية المؤامرة، التي يمكن أن تذهب إليها بعض التفسيرات في ختام مقابلة نصف النهاية الثانية لكرة القدم بين منتخبي فرنسا والمغرب، وذلك لعدة اعتبارات أهمها، وصول المنتخب المغربي إلى نصف نهاية كأس العالم قطر 2022 والذي يعد إنجازا كبيرا، وغير متوقع، باعتباره أول فريق إفريقي (وعربي) يصل إلى هذه المرحلة من مراحل التنافس، وروح التحدي التي نفضت الغبار عن هذا المنتخب الشاب، والتي مكنته من هزم عدة فرق كبرى، واعتبارات أخرى... رئيس وعلم لكن ذلك لم يمنع من حضور بعض "الأسئلة البريئة" أحيانا في مثل هذه المناسبات الفريدة، حين تختلط البهجة بما تحقق من إنجاز تاريخي، بخيبة الإقصاء غير المستحق، والتي "أزهرت" كالتالي: هل كان يمكن رياضيا وسياسيا، السماح بهزيمة فرنسا في حضور رئيسها؟ هل كان متوقعا تأهل فريق ما لنهاية أكبر تظاهرة رياضية في العالم لمنتخب تحمل عناصره العلم الفلسطيني؟ (تم الحديث قبل هذه المباراة عن استياء واحتجاج محتمل تم إبلاغه للمغرب الرسمي ضد رفع هذا العلم الشهير الذي يرمز لاستمرار التعاطف والتبني لقضية يعتبرها البعض مركزية والآخر وطنية وغيرهم أممية عادلة). هل كان من الممكن قبول حشد همم العرب والأمازيغ والأفارقة والمسلمين في كل مكان، والمسيحيين العرب، حتى داخل فرنسا، وتلاحمهم على استفزاز فكرة ملهمة تتجلى في متمنيات تحقيق هذه الشعوب لوحدتها الرمزية وشغفها بتجسيد أحلام، حتى وإن كان يصعب تحقيقها لعدم وضوحها التام، وبنفس القدرة والنظرة والمصلحة والموقع الاجتماعي والسياسي والعرقي والعقائدي واللغوي والطبقي والجغرافي أيضا، وبنفس الدرجة لكل جزء من هذه المكونات مجتمعة، لكنها حاضرة في الذهنية الجماعية، ولو بصيغ هلامية وطموحات متنوعة، تبحث عن وجودها الغامض.. الآن! إمبراطورية "فيفا" هل يعتبر وصول المنتخب المغربي لنهاية كأس العالم منتوجا تسويقيا جيدا ل"الفيفا" ولإمبراطوريتها الإعلامية والمالية؟ على الأقل في هذه الحقبة الزمنية المحددة، أمام الوقع المزلزل لهذا الصعود غير المنتظر. هل كان سيكون متاحا للفريق المغربي، أو ما يمكن وصفه بمنتخب "مغاربة العالم" (أبناء الجالية والمحترفون) في ظل إصابة أغلب أعمدته الدفاعية أمام فريق "منتخب العالم" لفرنسا، أو ما يمكن وصفه عموما ب "المنتخب الإفريقي" الذي يلعب أغلب لاعبيه أفارقة الأصل بقميص فرنسا، بلدهم الثاني أو الأول (ليس مهما ترتيب الجنسيات هنا)، هذا الفريق الذي استعاد لاعبوه في عدة أحيان من مباراتهم ضد المغرب بوعي جيني أو بدونه، "ملامح رياضية افريقية" بدأ يتم تجاوزها بشكل متواتر في الأداء الكروي لفرق القارة، منذ سنوات، مبنية على العنف ضد الخصم والسقوط المصطنع (التباكي) ليكمل التحكيم (الموجه أحيانا) ما يبدؤه اللاعبون المشمولون بالحماية. ماذا كان سيكون مصير مغاربة فرنسا في المنتخب المغربي، مدربا ولاعبين، فرنسيي الجنسية أو محترفين؟ هل كانت الجاليات المغربية والمغاربية والإفريقية وغيرها ستكون مطمئنة، ولو في حقبة عابرة، ناتجة عن هزيمة كانت محتملة جدا لفرنسا (وليس الفريق الفرنسي فقط) أمام منتخب "قومي عروبي إسلامي" اشتط البعض إعلاميا وإيديولوجيا في تقديمه كأنه يخوض حربا وجودية ضد قوى استعمارية (غربية) ومن ضمنها بلد إقامتهم؟ وإشكالية الولاء للبلد الأم أو البلد المحتضن خصوصا لحاملي جنسيته! ناهيك عن إطلاق البعض ل"هاشتاكات" و"نداءات" يدعو فيها الجمهور لرفع الدعاء داخل ملعب المباراة ضد الرئيس الفرنسي. فوضى التذاكر هل كانت ملامح رئيس جامعة الكرة المغربية عند ظهوره الأول الخاطف في منصة الملعب تدل على نتيجة متوقعة، تمت ترجمتها في المباراة؟ هل كانت الفوضى التي أحدثها التلاعب بالتذاكر والأشخاص المتمتعين بامتيازات الحضور على حساب الفريق (الوطن) والتي لا زالت مثل هذه الممارسات المسيئة متوقعة مغربيا، ضرورية في هذه الملحمة الجميلة التي سطرها المنتخب؟ وهل كان الهدف منها التشويش على ما قام الفريق بنثره من قيم جمالية، حتى تبدأ العودة للواقع الحقيقي عبر الاستئناس التدريجي بالفوضى المنظمة المسموح بها لضرب طموح العموم في الرقي نحو الافضل؟ جمهور كثيف ورائع تابع وشجع المنتخب المغربي، حتى الذين لم يتمكنوا من الوجود في المدرجات، استمروا في ذلك حتى بعد توقف حلم المنافسة على الفوز بكأس العالم؟ (مجرد تخيل مرور هذا الحلم في الأذهان سابقا، لم يكن ممكنا). وكذلك عائلات اللاعبين وطاقم المنتخب، والجماهير العربية والمتعاطفة، فضلا عن الجماهير الرياضية (وغير الرياضية أيضا) داخل وخارج الوطن في كافة الدول التي يوجد فيها مغاربة ومناصرون لهم، والتي اصبحت تشكل النساء جزءا مهما منها، لم يتوقفوا جميعا عن التشجيع. أداء جيد للفريق الوطني المغربي لكرة القدم على امتداد زمن هذه المباراة، وإن لم يسعفه الحظ، فضلا عن عدم التركيز وغياب لاعب مؤهل للتهديف خصوصا بعد مغادرة رأس حربته لرقعة الملعب. ضربات الجزاء قيم إنسانية رائقة وراقية جسدها هذا الفريق الاستثنائي إلى جانب انتصاراته الكروية، والتي استمدها من الروح الجماعية نفسها المبنية على الطموح المنفلت من الرقابة النفسية (الجماعية) للماضي المثقل بالخيبات وعدم القدرة على تجاوز المشاركة الرمزية والهزيمة المشرفة في نهاية المطاف، حتى حين يتم تسجيل تقدم معين "عربي" أو إفريقي أكثر. هل كان سيتم احتساب ضربات جزاء للمنتخب المغربي، إثر تعرض لاعبيه للعرقلة والإسقاط من قبل الفريق الخصم في مربع العمليات؟ وليس تحميلهم مسؤولية ذلك ومعاقبتهم على عدم التحمل والصمود أمام ضربات اللاعبين الآخرين؟ لماذا لم يتم تفعيل "تقنية الفار" في هذه المباراة الهامة، خصوصا أمام بعض الأخطاء أو الالتباسات التحكيمية المثيرة؟ ولماذا .....؟ وعلى غرار السؤال المتردد في المدى، حول أبطال رواية "رجال في الشمس" للأديب والروائي الفلسطيني القائد الشهيد غسان كنفاني: لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم يحتج اللاعبون؟ هنيئا مرة أخرى بما تم تحقيقه من نتائج مشرفة جدا، جدا.. من قبل "أسود الأطلس" رياضيا ونفسيا واجتماعيا... والقادم أجمل! (*) كاتب