الذهب… معيار التباهي و”فكاك الوحايل”

اهتمام الشابات لم يعد ينصب على الذهب الأصفر ولكل فئة اجتماعية "ذهبها" الذهب بالنسبة إلى المغربيات ليس مجرد قطع حلي تتزين بها في المناسبات، بل هو أيضا معيار من معايير الانتماء الطبقي، ووسيلة للتفاخر والتباهي أمام حضور هذه المناسبة، وهو كذلك "فكاك الوحايل" عندما تضرب أزمة مالية الأسرة، فتهب الزوجة بصندوقها الصغير لتعيد إلى ميزانية أسرتها التوازن، لذلك كثيرا ما نسمع في شهادات نساء معنفات عبارات من قبيل "بعت عليه ذهبي"، لأن الذهب في ذهن هذه المرأة لا يضحى به من أجل أي شخص ولا من أجل أي طارئ، بل هو تضحية كبيرة تقدم عليها هؤلاء الزوجات تعبيرا عن حبهن وحضورهن في الشدة والمحن. وإن اعتقد الجميع أن للذهب وجها واحدا، فإنه حتما يخطئ، لأن للذهب وجوها متعددة بتعدد الطبقات الاجتماعية، فقطعة الذهب التي تقتنيها امرأة من بائع مجوهرات وحلي ذهبية بدرب السلطان أو المدينة القديمة أو الحي الحسني بالبيضاء ، ليست هي نفسها التي قد تشتريها امرأة أخرى من طبقة أكثر "رقيا" (بالمفهوم الطبقي) من محل فاخر بالمعاريف، والسعر طبعا ليس هو نفسه حتى لو كانت كمية الذهب في هذه القطعة هي نفسها في تلك. وهو ما يفسره سائغ مجوهرات بالقول "هناك حلي تصمم بشكل حصري لهذه الزبونة أو تلك، وبناء على طلبها، ولا مجال لإعادة التصميم نفسه لشخص آخر مهما كان". ويضيف "القطع تختلف ليس من حيث كمية الذهب، بل من حيث النقوش والأشكال والوقت الذي تكلفه كل واحدة، فهذه الصناعة تختلف كثيرا عن أي صناعة أخرى، وحرفيوها قليلون جدا، فالنقش على الذهب ليس شيئا يستهان به".للأطفال نصيبيرى السائغ نفسه أن المرأة هي الزبون الأول للذهب، "لكن هذا لا يعني أن الرجال لا يقتنون قطعا ذهبية، بالعكس، في السنوات الأخيرة أصبحت شريحة الرجال الذين يقبلون على الذهب تتسع، فمنهم من يأتي طلبا لسلسلة ذهبية رفيعة كخيط، ومنهم من يطلبها أكثر سمكا للتفاخر، ومنهم أيضا من يطلب سلسلة لليد، يمتزج فيها الذهب بالجلد الأسود لمنحها شيئا من الرجولة، كما أن هناك فئة تطلب الخواتم بأشكال ذكورية، ومنهم وهذا هو الجديد من يطلب قطعة يختار هو الشكل الذي يجب أن تكون عليها، فيحضر معه مسبقا رسما ويطلب تصميمها له، ويمكن آنذاك للسائغ أن يضيف إليها لمسته إذا وافق على ذلك الزبون، كما يمكنه ألا يطبق الرسم كما طلبه الزبون، لكن هنا يرتفع الثمن، لأنه ليس من حق كل زبون أن يطلب تنفيذ رغباته دون مقابل وبثمن القطع الأخرى المعروضة. فئة الأطفال أيضا حاضرة في سوق الذهب، "طبعا، فمواسم العقيقة في بيوت العائلات تكون مناسبة جيدة لتجار الحلي والذهب، إذ تقبل النساء على اقتناء هدايا للمواليد الجدد، ومنهن من يطلبن نقش اسم المولود على القطعة المطلوبة وهي في الغالب عبارة عن خاتم أو سلسلة يد، أو منهن اللواتي تنتقي من بين المعروضات ما يناسبها من حيث الثمن والشكل دون أن تضيف إليها شيئا خاصا، كما أن للطفلات اللواتي يتجاوزن سن الرضاعة نصيبا من هدايا الذهب، إذ تطلب الأمهات سلاسل رفيعة لهن أو "حلقات" للأذنين". ورغم ذلك ففئة النساء هي الأكثر طلبا للحلي الذهبية كانت فقيرة أو غنية أو ثرية، "ليس هناك شريحة واحدة، كلهن يأتين طلبا للذهب، بعضهن يستفدن من عروض وتسهيلات خاصة، كما هو حال نساء الأحياء الشعبية، اللواتي يضطررن إلى تخفيض مصاريف البيت وجمع مبالغ مالية لاقتناء حليهن، لذلك قد تستغرق إحداهن سنة وهي تؤدي ثمن قطعة ذهبية يحتفظ بها السائغ إلى أن تكمل آخر قسط من ثمنها، "لكن من كانت منهن تتوفر على ضمانات فإنها تحصل على القطعة الذهبية وتؤدي ثمنها على أقساط مقسمة إلى ستة أو حتى ثمانية أشهر، وهناك موظفات ومسخدمات يضعن شيكات مقابل القطع التي يردنها، ويصرف السائغ كل واحد منها حسب الاتفاق المسبق، إذ منهن من تسمح أجرتها الشهرية بأداء ثمن القطعة في ظرف ثلاثة أشهر، ومنهن اللواتي يشترطن صرف الشيكات على ست دفعات".ذهب وبلاتيناهتمام الشابات العاملات في أفخر الشركات لم يعد ينصب على الذهب الأصفر، "إنهن متطلبات أحيانا، لا يغريهن بريق الذهب الأصفر ويشترطن تصميم قطع يمتزج فيها الذهب الأصفر بالأبيض أو ما نسميه البلاتين، ومنهن التي ترفض أساسا الذهب الأصفر وتعتبر أن الموضة تجاوزته، فلا تقبل إلا بالقطع البيضاء الناصعة، وتعتبر هذا النوع تعبيرا عن الرقي وحسن الذوق، لكن ثمن هذا النوع أغلى طبعا" يقول السائغ ويضيف مستدركا، "اللهم إلا إذا ختارت الزبونة البلاتين المغربي، وهو نوع لا يدوم بياضه طويلا، بل سريعا ما يكشف لونه الحقيقي الأشبه بالنحاس، لذلك تعيد الزبونات القطع بعد بضعة أشهر لإعادة طلائها بلون البلاتين، ومنهن التي تطلب البلاتين البريطاني وهو نوع غال جدا، وتصنعه شركات خاصة، وهذا النوع ليس في متناول جميع الزبونات، لذلك تجدهن يقتنين النوع المغربي ويعدنه دون كلل أو ملل كل بضعة أشهر لإعادة طلائه"."اللويز" قطعة ذهبية عريقة الاسم والصنع، وهو النوع الوحيد الذي لا يخسر سعره، ولا يفقد قيمته كما قد ينطلي على قطع أخرى، "اللويز لا يفقد سعره، ولا يمكن مثلا للسائغ أن يبيعه بثمن ويقتنيه بثمن أقل بكثير، فمثلا هناك حلي يمكن للزبونة أن تقنيها بثمن سبعة آلاف درهم على سبيل المثال، ثم تعيدها بعد شهرين أو ثلاثة من أجل إعادة بيعها للسائغ نفسه الذي باعها إياها، في هذه الحالة لن يقتنيها منها بالثمن نفسه، بل يمكن أن يخفض السعر إلى خمسة آلاف درهم، وسيرجع ذلك إلى أن هذا الشكل بالذات فقد قيمته مع ظهور أشكال جديدة، وأن سعر الذهب انخفض في هذه المدة، لكن عندما يتعلق الأمر باللويز فلا مجال للمناقشة لأنه يباع ويشترى تقريبا بالثمن نفسه". ضحى زين الدين

الذهب… معيار التباهي و”فكاك الوحايل”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

26 عضوا قاطعوا دورة غرفة الصناعة التقليدية بمراكش

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تستعيد ذاكرة أحداث 1984

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات