جحيم السير بالبيضاء… مواطنون يختنقون

ارتباك أشغال عمومية حول شوارع وأزقة المدينة وضواحيها إلى سجن وتعذيب لمستعمليها «إلى بغيتي توصل بكري خاصك تخرج من الدار مع 6 ونص صباح، إلى فتي 7 وربع مشيتي فيها"، «ماكينش فين تحرك فهاد كازا الطريق اللي دزتي منها مبلوكية"، "كازا عمرات وكملوا عليها بهاد الأشغال كيبان ليا نمشيو برجلينا حسن مانعولوا على الركوب"...من بين العبارات التي أصبحت لازمة يرددها سكان العاصمة الاقتصادية وزوارها لوصف الجحيم اليومي الذي يعيشونه جراء الاختناق المروري دون احتساب تضييع الوقت والجهد المترتب عن صعوبة السير في الطريق العام. إنجاز : محمد بها / تصوير : (عبد اللطيف مفيق) «الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود"، مثل يصلح استخدامه لإعطاء صورة ملخصة عن واقع أزمة التنقل داخل العاصمة الاقتصادية، التي عمقتها الأشغال العمومية المنتشرة كالفطر في مختلف أنحاء المدينة، فعلى مدى سنوات وأشهر متواصلة شهدت مختلف أحياء وشوارع البيضاء، حالة من الاختناق المروري تسبب في معاناة كبيرة لمواطنين لا ذنب لهم سوى أنهم يقطنون أو يعملون أو يتوافدون على مدينة يسيرها مسؤولون يتميزون بالارتجالية والعشوائية في اتخاذ القرارات. وصف البيضاء بمدينة الاختناق المروري لم يكن عبثا أو حكم قيمة ولكن نتيجة للجحيم اليومي الذي يعيشه السائقون والركاب على حد سواء، في ظل استمرار الأشغال العمومية التي عمرت طويلا بالملتقيات الطرقية والشوارع الرئيسية تزامنا والدخول المدرسي والعودة من العطلة الصيفية. وعلى إيقاع التخبط في الأشغال إلى درجة تحولها إلى أوراش مفتوحة والانتقال إلى أخرى أو إعادة الإصلاحات بعد اكتمال البناء، وفي ظل موقف المتفرج لمسؤولي المدينة ومدبري الشأن العام بالبيضاء، تجمعت مختلف شوارع وأحياء "كازانيكرا" في صورة واحدة، مضمونها «كازا واقفة». تأزيم الوضع «للا زينة وزادها نور الحمام»، قولة مغربية تصلح للتعليق على الوضع الكارثي الذي أصبحت عليه الشوارع والطرق بالعاصمة الاقتصادية، بعد تأزيم الوضع بسبب إطلاق أوراش أخرى من بينها أشغال إنجاز خطوط جديدة لعربات "الطرامواي" وخطي الحافلات عالية الجودة "الباصواي"، ومشروع تهيئة نفق شارع الزرقطوني الذي يعد ممرا حيويا لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما أدى إلى اختناق عدد كبير من الشوارع والأزقة بمختلف أنحاء المدينة المليونية. وبسبب أن القائمين على تسيير شؤون البيضاويين، لا يعرفون ما يرغبون فيه بالضبط ويشتغلون بدون استحضار الصعوبات والمشاكل والحلول الممكنة، يضطر العاملون في الأوراش إلى إعادة العمل في أماكن سبق إغلاقها، وهو ما علق عليه المتضررون "ماعرفناش علاش مسؤولي البيضاء عزيز عليهم الخدمة المعاودة تا كنقولو سالينا وكيعاودو الحاجة مرة أخرى، ولكن هادي هي ضريبة الخدمة الناقصة". جحيم يومي تسببت العشوائية في إنجاز الأشغال العمومية وتحولها إلى أوراش مفتوحة في تكرار مشاهد الاختناق المروري بمختلف منافذ العاصمة الاقتصادية ومخارجها، وبأهم طرقاتها وشوارعها الرئيسية، خاصة أوقات الذروة، وهو ما حول تنقل سكان البيضاء وزوارها إلى مناسبة يقضون فيها ساعات من الجحيم. «في طريقي من العمل وإليه، أعاني يوميا مع الاختناق المروري، إذ أجد صعوبة بالغة في التحرر من الازدحام، خشية وقوع حوادث خطيرة بالدوس على أحد المارة أو الاصطدام بسيارة ما أو سائقي الدراجات النارية التي يخترق أصحابها الممرات المتبقية"، يحكي حسن، صاحب محل تجاري يوجد بشارع محمد السادس. نقاط سوداء "جوج طرقان متمشيش فيهم البلية وطريق الرحمة".... بهذه العبارة يحاول عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" السخرية من الواقع المزري لطريق مدينة الرحمة تعبيرا عن سخطهم الكبير من الاختناق المروري الذي تتسبب فيه هذه الطريق لمستعمليها، بعدما أصبحت ضيقة نتيجة مشروع "الباصواي" والأشغال المرتبطة به. طريق الرحمة أضحت سببا رئيسيا في تأخر وصول السائقين والركاب من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية إلى وجهاتهم المختلفة، سواء كانوا تلاميذ أو طلبة أو موظفين أو عاملين وكل من يرغب في قضاء مصالح إدارية أو الاستشفاء. وليست طريق الرحمة وحدها التي تعتبر بؤرة للاختناق المروري، فمدارة "عزبان" بطريق الجديدة بليساسفة وبشارع أم الربيع بالألفة، إلى جانب شارع ابن سينا بمقاطعة الحي الحسني، وسيدي معروف، إضافة إلى الأحياء الراقية، من بينها أنفا والمعاريف و2 مارس، أماكن تحولت إلى نقطة سوداء. ويكفي القيام بجولة صغيرة بشوارع البيضاء، لاكتشاف كيف تحولت شوارعها الرئيسية وأزقتها إلى "سطوب" معطل من كثرة عدد السيارات والناقلات والدراجات النارية أمام ضيق الطريق المستعملة. ووجد مستعملو السيارات بالبيضاء أنفسهم في ضغط كبير وحالة من التيه، بعدما جرى إغلاق مجموعة من المحاور بسبب الأشغال الجارية، سيما بشارع محمد السادس، ليضطروا إلى البحث عن ممرات وسط الأحياء قصد المرور صوب وجهاتهم، إلا أنهم اصطدموا بتحولها إلى نقطة تجمع الراغبين في اختصار الوقت، ما أثار تذمر كثيرين منهم. ودفعت الأشغال الخاصة بإنجاز خطوط الطرامواي الجديدة، وكذا تشييد جسر على مستوى شارع محمد السادس، إلى إغلاق متكرر بالشارع المذكور الذي يعتبر نقطة عبور مهمة لا يمكن الاستغناء عنها. أما في ما يخص طريق أولاد زيان، فإن المرور بها أصبح يستغرق وقتا طويلا نظرا لتحولها إلى ورش مفتوح، وهو الوضع نفسه بشارع محمد السادس قرب قيساريات «كراج علال» ودرب عمر، التي أصبحت تحمل اسم طريق "الجحيم" بسبب الأشغال الجارية لتمديد الخطوط الجديدة لوسيلة «الطرامواي». "المسؤولون آوت" أمام استمرار مسلسل معاناة المواطنين، من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية، مع "تخبط تدبير الأشغال"، وجه عدد من المتضررين سهام النقد لـ»المسؤولين" المشرفين على العاصمة الاقتصادية من مجلس المدينة والجهة والولاية، لعدم تفاعلهم مع أزمة الاختناق المروري التي عرتها كثرة الأشغال العمومية التي أصبحت شبحا يقض مضجع سكان البيضاء وزوارها. وطالب المتضررون مسؤولي البيضاء بحل معضلة أزمة التنقل بشوارع وأحياء العاصمة الاقتصادية، التي جعلت من البيضاء مدينة "الستريس" وسببا للمشاكل الناتجة عن الخلافات بين السائقين في ما بينهم، رغبة في تجاوز طوابير العالقين بالشارع أو الزقاق المختنق. "رياضة الجري" الساعة الثامنة إلا ربعا صباحا. نساء ورجال، شيب وشباب ، يجرون لاهثين، ليس لممارسة رياضة الجري، وإنما محاولة للصعود إلى "الطوبيس" تفاديا للتأخر عن موعد الالتحاق بوجهاتهم المختلفة خاصة العاملين والموظفين والتلاميذ والطلبة الذين يعيشون شبح "التعطال" وتبعات تعرضهم للتوبيخ من قبل رؤسائهم في العمل أو المؤسسة التعليمية. وإذا كانت الفئة الأولى تجري تفاديا لمرور حافلة النقل العمومي أو للتسابق لحجز مكان في الطوابير المنتظرة لـ"الطاكسيات الكبار"، فإن هناك أشخاصا يركضون لملاحقة سيارات أجرة صغيرة يرفض سائقوها نقل الركاب إلى وجهاتهم التي يعتبرونها موضعا لمشاكل الاختناق المروري. وتسبب مشكل الاختناق المروري في استغلال بعض سائقي "الطاكسيات" الصغيرة، الوضع واعتماد شروط تعجيزية لنقل الراغب في الالتحاق بوجهته، من بينها التحكم في تحديد الوجهات وطلب أثمنة خيالية. "كلها يلغي بلغاه" حال طريق الجديدة بليساسفة الذي يعتبر نقطة عبور مهمة ومنفذا لعدد من المدن والأقاليم لا تسر، فإن الأشغال المنجزة به جعلته من أسوأ الشوارع نظرا للازدحام المروري الكبير، انضاف إليها عطب الإشارة الضوئية التي جعلت العبور من طريق الجديدة حلبة للسباق تهدد السائقين والمارة الراغبين في قضاء أغراضهم المختلفة. وفي ما يخص تراب مقاطعة عين الشق، فإن الجسر المعلق بالطريق الوطنية رقم 11 بسيدي معروف تحول إلى نقطة سوداء نتيجة بعض أشغال "الترقيع" التي تتضمنها الطرق المؤدية إليه من كافة المنافذ. وليس هذا فحسب فإنه بالمنطقة نفسها تسبب مشروع الحافلات ذات الجودة العالية "الباصواي" في اختناق مروري كبير، امتدت تداعياته إلى شوارع أخرى. وأصبح المرور من شارع القدس بتراب مقاطعة عين الشق مسألة معقدة جدا، بسبب بداية إنجاز مشروع الحافلات ذات الجودة العالية. وفي الوقت الذي كان ينتظر أن يخفف هذا المشروع من حدة أزمة المواصلات في هذه المنطقة، تحول نتيجة تضييق الطرق التي يخترقها إلى سبب لتأزيم حركة المرور في واحد من أهم الشوارع التي تربط بين مجموعة من الأحياء الآهلة بالسكان في العاصمة الاقتصادية وعاملا ل"الستريس" اليومي.

جحيم السير بالبيضاء… مواطنون يختنقون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إيقاف "بطلي" الفيديو الجنسي بالشرق

إنصاف بعد سنوات من المعاناة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات