آسفي… رواج سياحي وسط التهميش

تدفق استثنائي للسياح قوبل بتسويق سلبي لصورة المدينة من قبل السلطات والمنتخبين ووزارة السياحة في عداد المفقودين شهدت آسفي، على غير عادتها، حركة سياحية دؤوبة، خلال عطلة الصيف التي نودعها، وانعكس على ذلك على الرواج الاقتصادي بها، إذ انتعشت العديد من الحرف التي كانت قريبة من الاندثار كصناعة الخزف... لكن السؤال المؤرق برأي مهنيين بقطاع السياحة ومعهم العديد من المتتبعين هو هل وفرت السلطات والمؤسسات المعنية بنية سياحية تليق بحاضرة المحيط؟ وهل وضعية المدينة التي توجد كورش مفتوح يكاد لا ينتهي، سيغري من زاروا آسفي، بتجديد اللقاء بها ومعانقة فضاءاتها ومآثرها السياحية وشواطئها التي تغري حقا بالسباحة... حينما تستهويك عاصمة عبدة يطرح الكثير من المهتمين بالشأن المحلي بآسفي، سؤال الهوية، عند الحديث عن مدينة أُريد لها أن تظل خارج الزمن... “لا توجد أي مؤشرات تدل على هوية المدينة، عندما نتوجه نحو مدن في الشمال أو الجنوب أو الوسط، نعرف إن كانت سياحية أو صناعية، إلا آسفي، إذ يروجون لها محليا على أنها وجهة سياحية، في حين تروج لها الحكومات منطقة صناعية، فلا هي من هذا ولا من ذاك... تلك أزمة المدينة”، يقول مهتم بالشأن المحلي في حديث لـ "الصباح". لكن رغم كل ذلك، تظل آسفي مدينة تجذب الزائر وتستهويه فضاءاتها ومآثرها التاريخية التي طالها الإهمال والتهميش، وصارت قاب قوسين أو أدنى من الاندثار كما هو حال قصر البحر، الذي طال أمد ترميمه، إذ منذ عقود خلت والحكومات المتعاقبة، ومعها منتخبون يروجون لترميم بالملايير، لكن مرور الزمن كشف أن أغلبهم كانوا يروجون الأكاذيب لدغدغة العواطف واستمالة الناخبين. “عندما أزور آسفي، فإنني أعانق تاريخا مجيدا، هنا دار السلطان التي تستقبلك ببهائها وجمالها”، يقول موسى طران. ودار السلطان، تسمى كذلك بالقصبة العليا، وتطل على المدينة القديمة المُسوّرة بسور أثري، يعود إلى العهد الموحدي، الذي امتد من 1121 إلى 1269 ميلادية. ويقول موسى طران، "هنا بهذه المدينة، أشم عبق التاريخ، استرجع ذكريات من مروا من هذا الفضاء أو من كتبوا وأرخوا له... وحينما أهيم في شارع الرباط، أتذكر نور الدين وحيد وروايته الجميلة التي تسافر بك عبر الزمن إلى الشارع، فتكتشف جماليته، وتسترجع ذكريات الماضي، لأحسن ممشى". أما منى، المقيمة بالديار الفرنسية، والتي تتحدر والدتها من آسفي، فلا تخفي انبهارها دوما بآسفي، حيث قرية الخزفيين بباب الشعبة، إذ تستهويك لوحات فنية منقوشة على أوان خزفية أبدعتها أيدي فنانين، يقبعون وراء دكات حوانيت هناك. مصطفى، أستاذ للتعليم الثانوي، زار آسفي رفقة أسرته الصغيرة أول مرة قادما من مراكش، يقول "رغم قرب المسافة، لم أزر آسفي قبل اليوم. آسفي مدينة جميلة، لم تنل حقها من التنمية، فوجئت بحالة المدينة على مستوى البنيات التحتية، لكنها تتوفر على فضاءات جميلة، وشاطئ أجمل... رأس الأفعى أبهرني جدا، فضلا عن موقعها القريب، الذي يمنحك فرصة الاستجمام في العديد من الشواطئ القريبة منها”. بنية سياحية شبه منعدمة خلال عطلة الصيف لهذه السنة، اكتظت آسفي بزوارها، ومنهم من زارها لأول مرة، ويحاولون اكتشاف مدينة، لم تجد من يسوّق لها... “فحتى ظاهرة كراء الشقق والمنازل، لم تكن متاحة بآسفي. لكن خلال هذه العطلة اختارت أسر كراء منازلها لزوار المدينة، وتفسر "فاطمة" واحدة من سكان آسفي، الأمر بالقول "أغلبية الفنادق كانت ممتلئة، وأسر أخرى زارت المدينة. لم تكن إمكانيات الحجز بالفنادق في مقدورها، نظرا لعدد أفراد الأسرة، وكذا غلاء أسعار الفنادق بآسفي، وبالتالي كان لزاما علينا أن نستقبل هؤلاء الزوار، وقمنا بكراء شققنا لهم". وتضيف "الأمر جيد، حققنا ربحا ماليا قد يعيننا على تكاليف المعيشة التي ارتفعت بشكل كبير، على الأقل التخفيف عنا من عبء الدخول المدرسي”. أما أحد المستثمرين في القطاع السياحي، فاعتبر أن البنية السياحية بالمدينة ضعيفة جدا، إذ أن عدد الفنادق المصنفة معدود على رؤوس الأصابع، وبنية الاستقبال بهذه الفنادق هي الأخرى دون المستوى، فضلا عن غياب مطاعم مصنفة، وهو ما يؤكد أن السياحة بالمدينة ضعيفة جدا. في ظل هذا الوضع، تبقى وزارة السياحة خارج التغطية، اللهم بناية مهجورة، ويتردد في الكواليس، أن مندوبا للوزارة يسكنها... لا أحد بآسفي، يعرف أن هناك مندوبية للسياحة، لأن دورها منعدم، وكأن قدر آسفي من الحكومات المتعاقبة هو الإمعان في مزيد من تهميشها. الإهمال يقتل آسفي ليست وزارة السياحة فحسب، بل السلطات الإقليمية والمؤسسات المنتخبة خارج الزمن بهذه المدينة، فأشغال مدارة شارع الحسن الثاني على مستوى محكمة الاستئناف، دامت أشغالها أكثر من تسعة شهور في حين أن مدنا أخرى أنجزت بها مشاريع عملاقة في مدة أقل من ذلك "وهو أمر يعكس حالة التخبط التي توجد عليها آسفي اليوم، وسوء تدبير الصفقات العمومية التي استنزفت الملايير دون أن تغير شيئا من واقع آسفي الموبوء". كما أن طبيعة الأشغال المستمر في ساحة بو الذهب تزيد هي الأخرى من رسم صورة سوداوية عن المدينة. ويقول عزيز صبري، عضو بجمعية تعنى بحماية المال العام، "هذه الأوراش المفتوحة كان من الفروض أن تراعي عطلة الصيف والرواج الذي تعرفه المدينة، كما أن إغلاق الشارع المؤدي إلى كورنيش أموني على مستوى بنك المغرب، زاد من حدة الاكتظاظ وعرقل حركة السير المخنوقة أصلا. إنه العبث". أزبال تحاصر المدينة العبث يسري في كل أوصال هذه المدينة، فحال النظافة خلال فصل الصيف لا يمكن وصفه إلا بالكارثي، إذ توجد العديد من النقط السوداء، في حين أن العديد من الأحياء والشوارع الرئيسة كانت غارقة في الظلام خلال عطلة الصيف... وضع المدينة بشكل عام خلال عطلة الصيف، يعطي انطباعا سلبيا، فالأزبال تحاصرك في كل زقاق والإنارة تكاد تكون منعدمة ببعض الشوارع، وأوراش البناء لم يكتب لها أن تنتهي ومدخل آسفي من جهة مراكش "شوهة" بكل المقاييس، ومآثر المدينة عرضة للانهيار، والكلاب الضالة تستقبلك أمام مكاتب عمالة آسفي وبلديتها... تلك هي الصورة العامة لصيف استثنائي بآسفي. مهرجان العيطة... تأجيل غير مبرر! وحده الحسين شينان، عامل إقليم آسفي، يملك الجواب، عن سبب تأخير انعقاد دورة مهرجان العيطة. ففي الوقت الذي كانت المدينة تعرف رواجا استثنائيا لزوار المدينة، منهم المتيمون بـ "العيوط”، ومنهم من زاروا المدينة، من أجل حضور فعاليات هذا المهرجان، خرج خبر التأخير من دهاليز عمالة آسفي، باتفاق مع مندوبية وزارة الثقافة. القائمون على هذا المهرجان لا يجدون أي تبرير، اللهم إلا إذا كان عامل الإقليم، يحرص على حضور فعاليات المهرجان، خصوصا بعدما اختار قضاء عطلته الصيفية بعيدا عن آسفي، بعد أن "زفّ" خبر التأجيل، إذ سينعقد المهرجان خلال بداية الأسبوع الثاني من شتنبر الجاري، اي بعد انطلاقة الموسم الدراسي 2022/2023. بالمقابل انعقد معرض جهوي للصناعة التقليدية، الذي نظمته الغرفة الجهوية للصناع التقليدية بمراكش آسفي، والذي لم يتعد صيته ساحة الاستقلال بآسفي، بعدما فشل المنظمون في الترويج لمعرض أرادوا له أن يكون جهويا، لكن بعض المتتبعين، أكدوا أن طريقة الترويج وموعد الإعلان عنه، لا يستقيمان وطموحات الصناع التقليديين. إعداد: محمد العوال (آسفي)

آسفي… رواج سياحي وسط التهميش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرجاء يعير فرح للجديدة

الفكاهي جوادي في قبضة الأمن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات