رفض الطلبات دون مبررات منطقية واستخلاص مبالغ ضخمة بحجة ملف الهجرة احتل المغرب المركز الخامس عالميا في طلبات "شينغن"، السنة الماضية، حسب أرقام صادرة عن موقع "schengenvisainfo"، بينت أن المغاربة قدموا 157 ألفا ومائة طلب تأشيرة "شينغن" لدى السفارات والقنصليات ومراكز التأشيرات الأوربية، خلال السنة الماضية، وجاءت إسبانيا في صدارة قائمة الدول الأوربية التي يختارها المغاربة، بأكثر من نصف الطلبات ب 84 ألفا و499 طلبا. أصدرت القنصلية الفرنسية في 2019، 342 ألف تأشيرة مقابل 98 ألفا فقط في 2021 بسبب الوضع الوبائي العالمي، وفقا لتقرير صادر عن المديرية العامة للأجانب في فرنسا. لكن هذه السنة تختلف عن سابقاتها، حيث تواجه عدد كبير من المواطنين صعوبات في الحصول على تأشيرة فرنسا. يزداد غضب المغاربة يوما بعد آخر بسبب الرفض المتكرر لطلبات الفيزا من قبل القنصليات و السفارات الفرنسية، دون تعليلات مقنعة، خصوصا بعد القرار الفرنسي الصادر في شتنبر الماضي والقاضي بخفض تأشيرات المغرب بنسبة 50 في المائة. وبالمقابل يقدر عدد التأشيرات المرفوضة للمغاربة بحوالي 70 في المائة. ومن جانب آخر تستفيد القنصليات والوكالات من واجبات الدفع التي تقدر ب 5500 درهم سواء قبل الطلب أو رفض. طوابير طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، تقف طوابير من المواطنين المغاربة يوميا أمام وكالة طلب التأشيرة "TLS" لساعات طويلة في شارع عبد المومن بالبيضاء، للحصول على تأشيرة الدخول إلى الديار الأوربية. تزامنا مع نهاية العطلة الصيفية وبداية الموسم الدراسي المقبل، يشهد المركز إقبالا من قبل الطلبة الراغبين في استكمال دراستهم خارج أرض الوطن. وتشمل الطلبات حتى الراغبين في التجمع العائلي أو السياحة او العمل. انتظروا ساعات وساعات آملين قبول طلبهم، ليأتي الرفض بعد ذلك ويقضي على بصيص أملهم. لم يقتصر هذا الرفض على فئة معينة، بل طال أطباء راغبين في الحضور لمؤتمر طبي نظم في فرنسا، ومهندسين من المكتب الشريف للفوسفاط، ورجال أعمال وفنانين، وحتى وزراء سابقين. بات منظر الطوابير الطويلة مشهدا معتادا من قبل العاملين في الملحقة حيث أكد مصدر مطلع لـ "الصباح"، أن الوكالة تشهد كل يوم توافد عدد كبير من المواطنين سواء من رفض طلبهم وجاؤوا للاستفسار، أو من يرغب في دفع الطلب لأول مرة. ولجأ بعض المغاربة ممن رفضت طلباتهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي، للاستفسار عن أسباب الرفض الذي طال حتى أصحاب الجنسية المزدوجة، وفي سؤال وجهته هند لسفيرة فرنسا بالمغرب، في تغريدة على منصة تويتر قائلة باللغة الفرنسية: "كيف يمكن تفسير رفض التأشيرة لوالدي وأخي المدعوين لحفل تخرج أختي، بينما يتم تبرير ذلك بحقيقة أن سبب الرحلة غير موثوق"، فيما طالب آخرون بضرورة المعاملة بالمثل لإنقاذ "ماء وجه المغاربة" وحفظ "الكرامة المغربية". مزاجية فرنسا أعلنت فرنسا في شتنبر الماضي، أنه سيتم خفض التأشيرة بنسبة 50 في المائة للمغرب، و30 في المائة بالنسبة إلى الجزائر وتونس، ويأتي هذا القرار حسب الجانب الفرنسي بسبب رفض هذه الدول إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لعودة المهاجرين المرَحّلين من فرنسا، حسب تعبير المتحدث باسم الحكومة الفرنسية. ووصف المصدر ذاته هذا القرار، بأنه "قرار صارم، وغير مسبوق، لكنه أصبح ضروريا لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا ترغب بهم فرنسا ولا يمكن إبقاؤهم هناك. وبالمقابل وصف ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، هذا القرار بـ"غير المبرّر"، وقال إن المغرب يتصرف دائماً بمسؤولية في موضوع الهجرة غير الشرعية. وقال الباحث والمحلل السياسي محمد شقير ل"الصباح" إن قرار فرنسا القاضي بخفض التأشيرة الدخول لأراضيها له أبعاد سياسية واقتصادية، فهو ورقة ضغط تستعملها باريس من أجل الضغط على المغرب لتغيير سياساته التي تتعارض مع مصالحها، وأولى هذه المصالح هي مشروع القطار فائق السرعة الرابط بين البيضاء ومراكش وأكادير. وتتنافس حوله الصين وفرنسا وصرح خبراء أن الصين هي المرشح الأفضل للظفر بالمشروع لأنها اقترحت تكلفة منخفضة، وهو ما أقلق الجانب الفرنسي. وصرح السفير الصيني بالمغرب أخيرا، أن بكين تطمح إلى تشييد الخط الثاني من القطار فائق السرعة (البراق)، مبرزا "أن الخبرة الصينية في مجال البنيات التحتية معترف بها عالميا". وبالإضافة إلى ذلك، هناك موضوع الهجرة، حيث صرحت فرنسا في وقت سابق أن دول شمال إفريقيا رفضت إعادة المهاجرين القاصرين و إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لهم. ويفسر آخرون أن السبب الذي دفع باريس إلى اتخاذ مثل هذا القرار هو الضغط على المغرب الذي أصبح يتوفر على شركاء جدد خصوصا بعد تحسن العلاقات المغربية الإسبانية، وتطور العلاقات المغربية الأمريكية مما أثار تخوفات باريس. فأصبح المغرب يبحث عن شركاء جدد ويستغني عن فرنسا الشريك التقليدي. جني الأموال ورفض الطلبات وأفاد مصدر مطلع "الصباح" أن أغلب طلبات السياحة يقابلها الرفض، حيث لا تتجاوز الطلبات التي تم قبولها 20 إلى 25 في المائة فقط، إذ في بعض الأحيان لا يتم الوصول إلى 50 في المائة التي يفترض العمل بها. من جهة أخرى هناك غياب المواعيد، حيث يصعب على الكثيرين الولوج إلى منصة أخذ المواعيد في كل دول شينغن، ويجب الجلوس لساعات طويلة أمام الحاسوب، إلى حين إطلاق المنصة. وأضاف المصدر ذاته أن القنصلية الفرنسية تتعمد الرفض حتى تستفيد مرة أخرى من واجبات الدفع، حيث لا يستطيع الشخص استرداد تكاليف دفع الملف، وإذا أراد إلغاء الطلب واسترجاع جواز سفره، يجب أن يتخلى عن واجبات الدفع. ويتساءل كثيرون عن أسباب الرفض، واستمرار القنصلية الفرنسية في تحصيل الرسوم والواجبات المفروضة وجنب مبالغ ضخمة دون معالجة الملفات المطروحة. وفي مراسلة تقدمت بها "الجامعة المغربية لحقوق المستهلك" للسفارة الفرنسية، دعت الجامعة إلى إعادة مصاريف التأشيرة للمغاربة الذين تم رفض طلبهم. وصرح وديع مديح، رئيس جمعية "UNICONSO" لحماية المستهلك، أن تعامل القنصليات الفرنسية مع المغاربة هو تعامل "مجحف" إذا تم الأخذ بعين الاعتبار تكلفة طلب التأشيرة وتكلفة أخذ الموعد، التي وصلت إلى 2500 درهم في البيضاء للموعد الواحد جراء "المتاجرة بالمواعيد". وأضاف أن تكاليف الحصول على التأشيرة فقط تصل إلى 4 آلاف درهم للشخص الواحد. وأوضح رئيس الجمعية أن على فرنسا والسياسة الأوربية بصفة عامة أن تعيد النظر في هذه الأمور، خاصة أن سفر المغاربة سواء لأغراض مهنية أو عائلية أو سياحية يرجع بالنفع على هذه الدول أكثر مما يضرها، مؤكدا ضرورة حل المشاكل السياسية بين الدول بمنأى عن موضوع الفيزا، لأن الجانب المتضرر هم المغاربة الراغبون في الحصول على التأشيرة وخصوصا الطلبة. نجوى رزكي (صحافية متدربة) معاناة مواطنين لدفع ملفات الحصول على الفيزا (أرشيف)