بنعمور : تنازع الاختصاصات يهدد مستقبل مجلس المنافسة

عبد العالي بنعمور رئيس المجلس قال إن البطء التشريعي يلازم تنفيذ مشروع القانون المنظم اعتبر عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة أن المجلس يعيش وضعية انتقالية، في انتظار خروج مشروع القانون المنظم لعمله إلى حيز الوجود، والذي يتضمن إشكالين جوهريين يهددان مستقبل هذه المؤسسة، ويتعلق الأمر بتنازع الاختصاصات مع مقننين آخرين، والبطء التشريعي الذي يلازم تنفيذ مشروع القانون المنظم للمجلس. واعترف بنعمور باستمرار استفادة الشركات التابعة للهولدينغ الملكي من المواد المدعمة، إذ عزا هذا الواقع إلى خلل عام في منظومة المقاصة، مقترحا رفعا كليا للدعم، واستبداله بشيكات اجتماعية موجهة للفئات الفقيرة، مؤكدا أن الإصلاح في المغرب يواجه حاليا صعوبات سياسية واقتصادية. في ما يلي نص الحوار: بماذا تفسرون الوضعية الحالية التي يعيشها مجلس المنافسة؟ نعيش وضعية تتأرجح بين الإيجابية والسلبية، فتصويت مجلس النواب على النص القانوني المنظم لمجلس المنافسة، يعتبر خطوة إيجابية، ونحن متفائلون بسبب دنو موعد خروج هذا النص القانوني إلى حيز الوجود، بعد خمس سنوات من النضال. بطبيعة الحال، منذ حوالي أربعة أشهر، ونحن نعيش وضعية انتقالية، إذ أن أعضاء المجلس القدامى انتهت مدة انتدابهم، منذ أكتوبر الماضي، وبالتالي لا يمكننا إصدار أي دراسة أو قرار أو رأي، ولا يسعنا كذلك الاستجابة لأي إحالة، إلا بقرار من المجلس بصبغته التقريرية، إلا أننا نعمل حاليا على الملفات وطلبات الرأي الموجودة بين أيدينا بصفة عادية، إذ يحضر المقررون عملهم، ونتداول في الملفات فيما بيننا، في انتظار خروج النص الحالي إلى حيز الوجود وتسمية الأعضاء الجدد. وكنا قد عقدنا مجموعة من الجلسات نهيئ من خلالها أنفسنا للتجاوب مع متطلبات للمرحلة المقبلة، بعد المصادقة على مشروع القانون الذي يناقش حاليا بالغرفة الثانية، وكذا التعامل مع صلاحيات جديدة، أهمها الإحالة الذاتية، التي ستسمح لنا بالتدخل مباشرة للتحري عن حالات الإخلال بشروط المنافسة ومتابعة المسؤولين عنها. لماذا تأخر مشروع القانون المنظم لمجلس المنافسة خمس سنوات؟ هذا القانون متأخر، منذ بداية الألفية، وليس قبل خمس سنوات، وبالتالي عمره يصل إلى ثلاث عشرة سنة، لأن القانون الحالي 06- 99 ، تم إعداده، منذ بداية الألفية، أهدافه وتصوراته الرئيسية، فيما يتعلق بتحرير الأثمنة والمنافسة، كلها مقتضيات إيجابية وتتماهى مع القوانين الدولية في هذا المجال، ولكن حين وصلنا إلى مرحلة التنفيذ وخلق مجلس يمتلك السلطة التنفيذية لتحقيق هذه الأهداف، تم تسجيل القصور في هذه المرحلة، ليظل المجلس استشاريا في إطار القانون المذكور، وليست لديه القدرة على اتخاذ القرارات. ويشار هنا إلى معطى تاريخي مهم، إذ سمي مجلس للمنافسة ورئيس له مطلع الألفية، إلا أنه لم يعمر سوى شهرين أو ثلاثة أشهر، لأن أعضاءه عندما قارنوا الصلاحيات والوسائل الممنوحة لهم بمقتضى القانون، فطنوا إلى استحالة قيامهم بعملهم الحقيقي. وبالعودة إلى أسباب تأخر القانون المذكور في الخروج إلى حيز الوجود، يمكن القول إن هناك لوبيات اقتصادية لم تكن ترى في سياق الحفاظ على مصالحها، ضرورة خلق كيان ينظم المنافسة، التي تحرص في مختلف القوانين الكونية على مشروعية الربح، فالمجلس عبارة عن حكم كرة قدم يحب اللعبة، وكذلك السوق، ولا ينحاز لصالح طرف على حساب آخر، بل يفرض شروطا في الميدان على اللاعبين احترامها، والأمر ذاته ينطبق هنا على مجلس المنافسة، الذي يفرض قواعد المنافسة في السوق ويحرص على تقيد الفاعلين بها، وفي حال عدم احترامها، فالحكم ينذر اللاعب بإنذارين، قبل الانتقال إلى قرار الطرد، وكذلك مجلس المنافسة، الذي يفرض جزاءات مالية، وفي بعض الدول يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن. وبعد ثماني سنوات، اقتنع المغرب والقيادة السياسية بضرورة الانخراط في اقتصاد السوق، وبالتالي، فالشركاء الدوليون وتطور التعاملات التجارية مع الخارج، خلقوا الحاجة من جديد إلى مجلس المنافسة، الذي عاد جلالة الملك محمد السادس لإحيائه من جديد، إذ عينت في غشت 2008، وتم تنصيب المجلس الجديد في يناير 2009، لنجد أنفسنا أمام الإطار القانوني المذكور (القانون رقم 06- 99)، فلم يكن أمامنا سوى خيارين، إما الانسحاب كأعضاء المجلس السابق، أو تبني منطق آخر، يهم التكيف مع الوضع الحالي والاستفادة من (إيجابياته)، وبالموازاة مع ذلك، نناضل من أجل مشروع القانون الجديد، وهو الخيار الذي سلكناه. ما رأيكم في مشروع القانون الجديد المنظم لمجلس المنافسة؟ منحنا بموجب الفصلين 135 و166 من الدستور صلاحيات واضحة، تقر خيار اقتصاد السوق، وتؤكد أهمية تقنين هذا الاقتصاد، وهو الدور الذي عهد إلى مجلس المنافسة، وبالتالي، فمرتكز عملنا كحكام يكمن في الحرص على مشروعية الربح، ومكافحة الأعمال المنافية للمنافسة. وخلافا لما هو متداول، فإن مشروع القانون الجديد، يتضمن سلطة زجرية تتيح لمجلس المنافسة فرض جزاءات يمكن أن تصل إلى 10 في المائة من رقم معاملات المقاولة المخالفة، إلا أنه لا يمكننا إنكار وجود إيجابيات وسلبيات تعتري بعض نصوصه. ويظهر البعد الإيجابي في مشروع القانون الجديد، من خلال تماهيه مع تشريعات المنافسة الدولية، خصوصا في جوانب الاستقلالية والحق التقريري، الشيء الذي يتيح لمجلس المنافسة التدخل في حالة تواطؤ بعض المقاولات من أجل تثبيت سعر موحد في السوق، أو تعسف بعض كبار المقاولات على نظيرتها الصغرى، إذ نواجهها بجزاءات مالية مهمة تتماشى مع التوجه الأوربي في هذا الشأن، الذي يحدد الجزاءات بين 0.5 و10 في المائة من رقم المعاملات. وهناك أيضا الإحالة الذاتية التي تمنح المجلس سلطة التدخل والمتابعة، في حال وقوفه على بعض التجاوزات في قطاع ما، فإذا تأكدنا من وجود خرق لشروط المنافسة سنستخدم حقنا التقريري، أما إذ خلصت تحرياتنا إلى سلامة الوضع، والتزام الفاعلين بالقانون، فسنعلن ذلك بكل شفافية. الدولة فشلت في توزيع الإعانات عبر مبادرة التنمية البشرية ما هي الإكراهات التي يواجها المجلس ضمن التشريع المرتقب؟ يواجه مجلس المنافسة بعض الإكراهات ضمن مشروع القانون الجديد، خصوصا في الفصلين 109 و111، اللذين يشرحان طبيعة العلاقة بين المجلس وبعض المقننين القطاعيين، ذلك أنه عندما كان نشاط مجلس المنافسة مجمدا خلال الفترة بين 2000 و2008، كانت تقع حالات تخل بشروط المنافسة، ولا تجد من يدرسها أو يعالجها، في ظل عدم أهلية الدولة للقيام بهذا الدور، إذ ستصبح حينها في موقف الخصم والحكم، فالحكومة مكونة من أعضاء ينتمون إلى أحزاب مختلفة، وبالتالي مصالح متضاربة. وفي ظل هذه الظرفية، انبرى بعض المقننين للمطالبة بصلاحية مراقبة قطاعاتهم، فأعطيت هذه الصلاحية مثلا للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT)، ذلك أن فاعلي الاتصالات يحصلون على رخصهم من المقنن القطاعي التابع للدولة (غير مستقل)، إذ ينظم العلاقات بين الفاعلين في مجالات الأسعار واستغلال الشبكات... ولكن قوانين المنافسة تنص على عدم أهلية هذا المقنن في البث في النزاعات، التي تعتبر صلاحية مطلقة لمجلس المنافسة باعتباره مقننا وطنيا، فالمسؤولون بالمؤسسة المذكورة، وإن كانوا نزهاء ومستقيمين، إلا أنهم يعملون بشكل دائم وبصفة مستمرة مع فاعلي قطاع الاتصالات الثلاثة، الشيء الذي يطرح حقيقة نشوء علاقات شخصية بين المقنن والفاعلين، بما يعيق نجاعة وجرأة التدخل في حال الإخلال بشروط المنافسة من قبل أحدهم. وينضاف إلى ذلك أن أعضاء المقنن القطاعي يعينون من قبل الدولة، بما ينفي عنهم صفة الاستقلالية، بخلاف مجلس المنافسة الذي يتخذ قراراته بغض النظر عن مصالح أي طرف، وهي حال كل مجالس المنافسة في العالم، باستثناء إنجلترا التي تجمع بين المقننين، إذ يتعين هنا طرح التساؤل حول لجوء الحكومة إلى استنساخ للنموذج الأنجلوساكسوني في هذه الحالة بالذات، مع التحفظ على خصوصية هذا البلد الأوربي مقارنة مع جيرانه، وتحديدا من حيث تجربته التشريعية.واشترط مشروع القانون الجديد دخول نصه القانوني حيز التنفيذ بالبث في النصوص المطبقة له، وعددها ثمانية عشر نصا، التي من ضمنها ما يهم المجلس ومنها ما يتعلق بالأسعار وأمور أخرى لا تهمنا، وبالتالي تأخير تنفيذ النص القانوني المنظم لعمل المجلس وتعطيل نشاطه لوقت أطول، وهو الواقع الذي سنناضل من أجل تغييره في حال صوت مجلس المستشارين على مشروع القانون بصيغته الحالية. < هل يشمل تنازع الاختصاصات جمعيات حماية المستهلك؟ < لا أريد أن ينظر إلى الأمر من زاوية سعينا إلى جمع المزيد من السلطات بين أيدينا، فالفصل 166 من الدستور ينص على اختصاص مجلس في القضايا المنافية للمنافسة، وبالتصرفات التجارية غير المشروعة، التي تهم العلاقات الفردية بين مقاولة وأخرى، كحالات تقليد العلامة التجارية، وهو اختصاص نقله المشرع من القضاء إلى مجلس المنافسة، والأمر نفسه بالنسبة إلى العلاقات بين المقاولات والزبناء، التي أحيلت بموجب الدستور سلطة مراقبتها إلى المجلس أيضا. < لكن ما مصير هذه الجمعيات في حال سحبتم منها اختصاصها؟ < إذا كانت الإدارة هي التي تقنن في مجال حماية المستهلك، عبر وزارة التجارة من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى، فما جدوى نشاط مثل هذه الجمعيات، فمجموعة من الدول أحالت اختصاص مراقبة الاستهلاك إلى مجلس المنافسة (إنجلترا وبولونيا وإسبانيا وعمان)، وهناك دول أخرى ارتأت خلق مجلس منفصل لحماية المستهلك. وبالعودة إلى عمان، فإنها سجلت تطورا حقيقيا في هذا المجال، إذ تمتلك برنامجا معلوماتيا، يتيح لها مقارنة الأسعار والتوصل إلى كافة الملاحظات الخاصة بالسلع، بما يسمح لها بدقة التدخل. الإشكال المطروح هنا يتمثل في تنازع صلاحية التقرير في هذا المجال بين الدولة والجمعيات ومجلس المنافسة، الذي يظل أهلا للاطلاع باختصاص حماية المستهلك دون غيره. هذا الحل الذي تتحدثون عنه يمكن أن يؤجج الاحتجاجات الاجتماعية؟ وإن يكن، فكل إصلاح في المغرب يعاني اليوم صعوبات سياسية واقتصادية، ويظل دورنا كمجلس منافسة مساعدة الحكومة على تنفيذ الخيار الأفضل في الإصلاح، من خلال تعريفها على التجارب الدولية الناجحة في مجال إصلاح منظومة المقاصة. وفي حال رفع الدعم عن الأسعار، ستتضرر الفئات الفقيرة، التي يمكن تعويضها بشيكات اجتماعية كحل ناجع، إلا أن الإشكال المطروح في حالة المغرب، يهم كيفية تحديد الفئات المستهدفة بالدعم، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها في هذا الباب، باعتبارها فاعلا تاريخيا في الاقتصاد، الذي لطالما تدخلت فيه عبر عقود. الدولة فشلت في توزيع مجموعة من الإعانات عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبطاقة "راميد"، لأنها لم تعهد بهذه المهمة إلى مؤسسات مستقلة سياسيا، وهو الأمر الذي فطنت إليه الحكومة البرازيلية التي تمكنت من نقل 35 مليون نسمة من الطبقة الفقيرة إلى المتوسطة، نتيجة تحقيق السلم الاجتماعي وتشجيع الإنتاج قبل التوزيع، إذن فإصلاح المقاصة بالمغرب ينطلق من دعم المقاولات وروح المبادرة لدى الشباب، وعدم الوقوع ضحية الهاجس الاجتماعي عند رسم السياسات، فالأهداف الاجتماعية يمكن أن تتخذ صبغة لا اجتماعية بالضرورة، وهنا يطرح مشكل تكافؤ الفرص في التعليم وتوسع قاعدة المعطلين من حملة الشواهد، مقتبل ولوج يسير لطلبة المدارس العليا الخاصة إلى سوق الشغل. تعرضنا لحملة تشكيك في قدراتنا هل تمتلكون الإمكانيات البشرية التي تخول لكم ممارسة صلاحياتكم خلال المرحلة المقبلة؟ يجب الإشارة هنا، إلا أننا تعرضنا لحملة تشكيك في قدراتنا كمجلس للمنافسة، بالموازاة مع النقاش حول تنازع دور المقننين القطاعي والوطني، فكيف يعقل أننا لا نمتلك أي خبرة ونحن نخضع لتكوين مستمر منذ خمس سنوات في إطار شراكة مع سلطة المنافسة الألمانية، كما أن معاييرنا في اختيار المقررين، البالغ عددهم خمسة عشر مقررا، تعتبر صارمة، إذ تركز على تكوين عالي في المجالين القانوني والاقتصادي، ويجلبون من الإدارات العمومية كشرط أساسي. هذا العدد يظل كافيا في المرحلة الحالية، من أجل التعامل مع مختلف الإحالات وطلبات الرأي التي ترد إلينا، لكن يتعين علينا تعزيز هذه القاعدة البشرية بشكل تدريجي في المرحلة المقبلة، إذ نعتزم توظيف بين خمسة وستة مقررين خلال مرحلة أولى، وهنا وجب تسليط الضوء على معاناتنا حاليا في جلب مقررين من الإدارة العمومية، وعدم سماح بعض الإدارات لأطرها بالالتحاق بالمجلس، الأمر الذي سيتغير ضمن مشروع القانون الجديد المنظم لمجلس المنافسة، الذي سيتيح إمكانية استقدام مقررين من القطاع الخاص. وفي إطار إستراتيجيتنا المستقبلية، سنقسم مجال تدخل هؤلاء المقررين حسب القطاعات التي تردنا حولها إحالات، أو نرى موجبا للتدخل والاستقصاء حول احترام بعض الفاعلين فيها لشروط المنافسة، والحرص على التكوين المستمر في مجال المنافسة، الذي يعرف تطورات جديدة كل يوم. 80 في المائة من الدعم لخمس السكان كيف تقيمون جهود الحكومة في إصلاح نظام المقاصة؟ أرى بصفتي الشخصية عيبا في أداء درهم و20 سنتيما، مقابل خبزة و40 درهما مقابل قنينة غاز، وأؤدي ثمن المحروقات والسكر الحالي، فالدراسة التي أنجزنا تؤكد أن 80 في المائة من الدعم تستفيد منه 20 في المائة من السكان، المنتمين إلى الفئات الميسورة، فنحن مع منطق السوق القائم على العرض والطلب، وبالتالي نطالب بطرح الأسعار الحقيقية للمواد الاستهلاكية في السوق مهما كانت مرتفعة، مقابل توفير دعم مباشر للفئات الفقيرة، عبر شيكات اجتماعية مشروطة، اقتداء بالنموذج البرازيلي في إصلاح نظام المقاصة. هذا الشيك بلغت قيمته في البرازيل 60 دولارا للأسرة، وموجه بالأساس إلى النساء، إذ يشترط في استمرارية الاستفادة منه، الحرص على تمدرس الأطفال، الشيء الذي مكن الدولة من استغلال مصاريف الدعم التي كانت توجهه إلى غير أهلها في إنجاز المشاريع التنموية وخدمات البنية التحتية. جهات تحاول إجهاض عمل مجلس المنافسة كيف تردون على الانتقادات التي طالت عملكم في ملف الزيادة في أسعار الحليب ومزاعم تعرضكم لضغط الحكومة؟ بداية لا أنكر أن هناك جهات تحاول إجهاض عمل مجلس المنافسة، إلا أنني عاجز عن تحديدها، فمختلف الأطراف يطالعونني دائما بترحيبهم بالمجلس ومشروع القانون المنظم له، لكنني أجزم بعدم تلقي أي أوامر تجبرني على سلوك توجه معين، ليظل الإشكال الأساسي، خصوصا في ملف الزيادة في أسعار الحليب مرتبطا بالعامل الزمني، ذلك أن الفترة المحدد لإعداد التقرير تكون في بعض الأحيان ملحة حسب طبيعة الحالة، وتستدعي السرعة في الإنجاز دون الإضرار بمصالح الأطراف. وفي هذا الشأن، وجهت تعليماتي للمقررين في ملف الحليب بالإسراع في إعداد التقرير، إلا أننا واجهنا صعوبات كثيرة في التحري، والحصول على المعلومات في هذا الملف، الذي ظلت فيه الأطراف متكتمة على المعطيات الإحصائية، ومتحفظة في التعامل مع مقرري مجلس المنافسة، وهنا أمام عجزنا عن التحري في ظل وضعنا القانوني الحالي، أخطرنا الحكومة من أجل التحري في هذا الملف. ويشار أيضا إلى أن مشروع القانون الجديد، حمل مستجدا مهما يخص حق الاختيار، إذ بإمكان مجلس المنافسة قبول أو رفض طلبات الرأي أو الإحالة التي ترد إليه، وهو الأمر الذي سيحمينا من هجوم بعض اللوبيات التي تريد إجهاض عمل المجلس عبر إغراقه بالإحالات، وإظهاره في صورة العاجز عن أداء مهامه. بروفايل بنعمور الجامعي والسياسي ورجل الأعمال لا شيء ثابت في حياة عبد العالي بنعمور، يلج منصبا أو يشغل مهمة أو ينخرط في تيار إلا ويتركه إلى وجهة أخرى. عينا هذا الرجل السبعيني ما زالتا تشعان طموحا وإصرارا، فهو يضع المخطط تلو الآخر ضمن مهامه الحالية رئيسا لمجلس المنافسة، ولا يخجل من الاعتراف بطموحات ربما تقوده إلى مهمة أخرى. بنعمور الطالب المجد، كما يصفه المقربون منه، كان منضبطا في سلوكه وعلاقته مع الآخرين. أنهى دراسته الجامعية سنة 1966 بالرباط وفاس، وهاجر إلى فرنسا التي حصل منها على دكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة «السوربون» الشهيرة سنة 1968، هناك تعرف على مبادئ الماركسية، ونهل من مدرسة يسارية حديثة النشأة في بلاد الأنوار. انخرط الشاب اليساري فور عودته من الدراسة في سلك التعليم الجامعي، أستاذا للاقتصاد في جامعتي محمد الخامس بالرباط والحسن الثاني في البيضاء، وهنا يتحدث المقربون عن عشقه لمهنة التدريس التي لازمها طيلة فترة طويلة، امتدت بين 1966 و2001، بعد أن شجعه عليها محمد بلقزيز، عميد كلية الحقوق في الرباط آنذاك، حين عرض عليه منصب أستاذ قبل حوالي نصف قرن. ترك عبد العالي بنعمور كرسي الأستاذية في الجامعة مؤقتا سنة 1970، ليتولى منصب أول مدير للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات حتى سنة 1976. وخلال هذه السنة، تحديدا سيواصل بنعمور مساره السياسي ضمن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إذ تم انتخابه برلمانيا عن الحزب، ومستشارا في جماعة المعاريف، في البيضاء إلى غاية سنة 1992. عاش بنعمور حياته معتمرا ثلاث قبعات، فكان دائما السياسي والمدرس ورجل الأعمال، إذ شرع في امتهان التجارة، منذ سنة 1981 عبر مصنع عائلي للجلد والألبسة العسكرية رفقة شقيقه، قبل أن يبيع حصصه في هذه المقاولة، ويتجه للاستثمار في مدرسة خاصة سنة 1988 بشراكة مع البنك المركزي الشعبي، إذ رسخت كلية إدارة الأعمال (HEM) مكانتها مرجعا في التعليم الخاص، الذي انخرط بنعمور في فدراليته المهنية رئيسا مؤسسا خلال الفترة بين 1995 و1997. تخلص رجل الأعمال من قبعتين، واحتفظ بواحدة وضعته على رأس مؤسسة حكامة دستورية، أحال في سبيل التفرغ لإدارتها أمور مشاريعه الخاصة إلى أبنائه، خصوصا كلية إدارة الأعمال التي عهد بها إلى ابنته ياسمينة بنعمور، المتمرسة في فنون الإدارة، والحائزة على تكوين شخصي ومهني يحمل ختم بنعمور التعليمي. < ما هي الإكراهات التي يواجها المجلس ضمن التشريع المرتقب؟ < يواجه مجلس المنافسة بعض الإكراهات ضمن مشروع القانون الجديد، خصوصا في الفصلين 109 و111، اللذين يشرحان طبيعة العلاقة بين المجلس وبعض المقننين القطاعيين، ذلك أنه عندما كان نشاط مجلس المنافسة مجمدا خلال الفترة بين 2000 و2008، كانت تقع حالات تخل بشروط المنافسة، ولا تجد من يدرسها أو يعالجها، في ظل عدم أهلية الدولة للقيام بهذا الدور، إذ ستصبح حينها في موقف الخصم والحكم، فالحكومة مكونة من أعضاء ينتمون إلى أحزاب مختلفة، وبالتالي مصالح متضاربة. وفي ظل هذه الظرفية، انبرى بعض المقننين للمطالبة بصلاحية مراقبة قطاعاتهم، فأعطيت هذه الصلاحية مثلا للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT)، ذلك أن فاعلي الاتصالات يحصلون على رخصهم من المقنن القطاعي التابع للدولة (غير مستقل)، إذ ينظم العلاقات بين الفاعلين في مجالات الأسعار واستغلال الشبكات... ولكن قوانين المنافسة تنص على عدم أهلية هذا المقنن في البث في النزاعات، التي تعتبر صلاحية مطلقة لمجلس المنافسة باعتباره مقننا وطنيا، فالمسؤولون بالمؤسسة المذكورة، وإن كانوا نزهاء ومستقيمين، إلا أنهم يعملون بشكل دائم وبصفة مستمرة مع فاعلي قطاع الاتصالات الثلاثة، الشيء الذي يطرح حقيقة نشوء علاقات شخصية بين المقنن والفاعلين، بما يعيق نجاعة وجرأة التدخل في حال الإخلال بشروط المنافسة من قبل أحدهم. وينضاف إلى ذلك أن أعضاء المقنن القطاعي يعينون من قبل الدولة، بما ينفي عنهم صفة الاستقلالية، بخلاف مجلس المنافسة الذي يتخذ قراراته بغض النظر عن مصالح أي طرف، وهي حال كل مجالس المنافسة في العالم، باستثناء إنجلترا التي تجمع بين المقننين، إذ يتعين هنا طرح التساؤل حول لجوء الحكومة إلى استنساخ للنموذج الأنجلوساكسوني في هذه الحالة بالذات، مع التحفظ على خصوصية هذا البلد الأوربي مقارنة مع جيرانه، وتحديدا من حيث تجربته التشريعية.واشترط مشروع القانون الجديد دخول نصه القانوني حيز التنفيذ بالبث في النصوص المطبقة له، وعددها ثمانية عشر نصا، التي من ضمنها ما يهم المجلس ومنها ما يتعلق بالأسعار وأمور أخرى لا تهمنا، وبالتالي تأخير تنفيذ النص القانوني المنظم لعمل المجلس وتعطيل نشاطه لوقت أطول، وهو الواقع الذي سنناضل من أجل تغييره في حال صوت مجلس المستشارين على مشروع القانون بصيغته الحالية. < هل يشمل تنازع الاختصاصات جمعيات حماية المستهلك؟ < لا أريد أن ينظر إلى الأمر من زاوية سعينا إلى جمع المزيد من السلطات بين أيدينا، فالفصل 166 من الدستور ينص على اختصاص مجلس في القضايا المنافية للمنافسة، وبالتصرفات التجارية غير المشروعة، التي تهم العلاقات الفردية بين مقاولة وأخرى، كحالات تقليد العلامة التجارية، وهو اختصاص نقله المشرع من القضاء إلى مجلس المنافسة، والأمر نفسه بالنسبة إلى العلاقات بين المقاولات والزبناء، التي أحيلت بموجب الدستور سلطة مراقبتها إلى المجلس أيضا. < لكن ما مصير هذه الجمعيات في حال سحبتم منها اختصاصها؟ < إذا كانت الإدارة هي التي تقنن في مجال حماية المستهلك، عبر وزارة التجارة من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى، فما جدوى نشاط مثل هذه الجمعيات، فمجموعة من الدول أحالت اختصاص مراقبة الاستهلاك إلى مجلس المنافسة (إنجلترا وبولونيا وإسبانيا وعمان)، وهناك دول أخرى ارتأت خلق مجلس منفصل لحماية المستهلك. وبالعودة إلى عمان، فإنها سجلت تطورا حقيقيا في هذا المجال، إذ تمتلك برنامجا معلوماتيا، يتيح لها مقارنة الأسعار والتوصل إلى كافة الملاحظات الخاصة بالسلع، بما يسمح لها بدقة التدخل. الإشكال المطروح هنا يتمثل في تنازع صلاحية التقرير في هذا المجال بين الدولة والجمعيات ومجلس المنافسة، الذي يظل أهلا للاطلاع باختصاص حماية المستهلك دون غيره. < هذا الحل الذي تتحدثون عنه يمكن أن يؤجج الاحتجاجات الاجتماعية؟ < وإن يكن، فكل إصلاح في المغرب يعاني اليوم صعوبات سياسية واقتصادية، ويظل دورنا كمجلس منافسة مساعدة الحكومة على تنفيذ الخيار الأفضل في الإصلاح، من خلال تعريفها على التجارب الدولية الناجحة في مجال إصلاح منظومة المقاصة. وفي حال رفع الدعم عن الأسعار، ستتضرر الفئات الفقيرة، التي يمكن تعويضها بشيكات اجتماعية كحل ناجع، إلا أن الإشكال المطروح في حالة المغرب، يهم كيفية تحديد الفئات المستهدفة بالدعم، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها في هذا الباب، باعتبارها فاعلا تاريخيا في الاقتصاد، الذي لطالما تدخلت فيه عبر عقود. الدولة فشلت في توزيع مجموعة من الإعانات عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبطاقة "راميد"، لأنها لم تعهد بهذه المهمة إلى مؤسسات مستقلة سياسيا، وهو الأمر الذي فطنت إليه الحكومة البرازيلية التي تمكنت من نقل 35 مليون نسمة من الطبقة الفقيرة إلى المتوسطة، نتيجة تحقيق السلم الاجتماعي وتشجيع الإنتاج قبل التوزيع، إذن فإصلاح المقاصة بالمغرب ينطلق من دعم المقاولات وروح المبادرة لدى الشباب، وعدم الوقوع ضحية الهاجس الاجتماعي عند رسم السياسات، فالأهداف الاجتماعية يمكن أن تتخذ صبغة لا اجتماعية بالضرورة، وهنا يطرح مشكل تكافؤ الفرص في التعليم وتوسع قاعدة المعطلين من حملة الشواهد، مقتبل ولوج يسير لطلبة المدارس العليا الخاصة إلى سوق الشغل.

بنعمور : تنازع الاختصاصات يهدد مستقبل مجلس المنافسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجمركيون ينأون عن صداع الانتماء النقابي والسياسي

إعفاء والي أمن تطوان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات