حمل خطاب العرش دعوة جديدة للجزائر للحوار. كيف تقرؤون هذا الإصرار الملكي على بناء علاقات طبيعية بين الشعبين الجزائري والمغربي؟ هذه هي المرة الرابعة التي يأتي فيها ذكر الجزائر في خطب الملك بهذا الشكل، ما يعكس أن سياسة اليد الممدودة والرغبة في عدم التصعيد اتجاه الجزائر أصبحت ثابتة من ثوابت سياسة الدولة الخارجية التي تنهجها تجاه الشعب والدولة الجزائريين، وهي دعوة تنطلق كما ورد في مجمل الخطب الملكية، خاصة خطاب العرش، من قراءة لواقع ولطبيعة الأزمة التي يعيشها العالم، خاصة الاقتصادية. لقد كان الخطاب واضحا في أخذ مسافة من كل الدعاوي التي قد تدعو للكراهية والتحريض والفتنة بين الشعبين، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مادام أن الإعلام الرسمي للدولة لم يتورط في مثل هذه الأعمال. إننا أمام خطاب يتشبث بالمستقبل، وبالتعايش و بضرورة المصالحة للمضي قدما بالمنطقة إلى الأمام، يعكس وعيا ملكيا بضرورة الحوار ليحدد الخطاب دعوته الرسمية للرئاسة الجزائرية، من أجل تجاوز القطيعة الدبلوماسية التي تتحمل للأسف الدولة الجزائرية مسؤوليتها . أولى الخطاب الملكي الأولوية لقضية الأسرة. ما هي المجالات التي ظلت تعرف تأخرا في موضوع المساواة؟ يبدو أن مدونة الأسرة بعد سنوات من تنزيلها استنفدت في بعض المواضيع نفسها، نظرا لما تطرحه من مشاكل، ولأنها لم تستطع أن تستجيب بالحل لبعض الإشكالات القانونية ذات البعد الاجتماعي، ولها تأثير كبير على الأسرة. وكمثال على ذلك، استمرار تزويج القاصرات ما دون سن 18 عشر في تعارض مع المقاصد الشرعية، التي دعا الملك إلى استحضارها، وهي تتعارض مع التزامات المغرب الحقوقية، كما أن التعدد مازال يطرح إشكالات إجرائية في المحاكم وتكون المرأة ضحيتها. ويبدو أن المغرب مقبل على ورش قانوني يهم إصلاح المدونة وإعادة مراجعة المواد التي أصبحت متجاوزة، وتتعارض مع التطور الذي شهده المغرب ومع التزاماته الحقوقية اتجاه المؤسسات الأممية التي انخرط فيها. دعا الخطاب الملكي إلى التصدي للمضاربات والتلاعب في الأسعار. هل ترون أن هذا التحذير جواب عما تعرفه البلاد من غلاء؟ هو جواب عام عن حالة اقتصادية يعيشها المغرب، منذ سنوات، وهي حالة شهدت للأسف تزايد حجم المضاربة وارتفاع الأسعار بشكل مهول، وبدون أن تتدخل للأسف الحكومة لتنظيم السوق ولمراقبة الأسعار وتحقيق هامش ربح معقول لدى العديد من المؤسسات الاقتصادية. واستحضر الخطاب تضحيات المغاربة في هذه الأزمة، وانخراطهم في سلسلة الإجراءات التي اعتمدتها الدولة، وكان الملك قائدا لها على مستوى التغطية الصحية، ومحاربة تداعيات كورونا، التي تحملت فيها الدولة بقيادة الملك مسؤوليتها، بالعديد من التدابير، إلا أن تلك الإجراءات القوية اصطدمت بارتفاع الأسعار والمضاربة التي استغلت هذه الوضعية. وأعتبر أن خطاب الملك الواضح هو دعوة للحكومة ولمجلس المنافسة ليقوما بدورهما الدستوري في التصدي لهذه الاختلالات، التي مست القدرة الشرائية للمواطنين. * محام وناشط حقوقي أجرى الحوار: برحو بوزياني