اهتمام ملكي بقضايا الأسرة والوضع الاجتماعي والاستثمار وحسن الجوار تميز خطاب العرش، بالرؤية الشمولية والوضوح والنظر إلى المستقبل، في التعاطي مع التحديات الوطنية والجهوية والدولية. وشكل مناسبة لفتح ورش إصلاح مدونة الأسرة، وملف الغلاء ومحاربة المضاربين وتشجيع الاستثمار. كما أكد من جديد على مد اليد إلى حكام الجزائر من أجل الحوار واحترام قيم التضامن والأخوة وحسن الجوار والتوجه إلى المستقبل. الملك يحسم في مراجعة مدونة الأسرة وضع خطا أحمر في القضايا التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية حسم الملك محمد السادس في الجدل الدائر بشأن إدخال تعديلات على مدونة الأسرة، بعدما خص لها في خطاب العرش، حيزا مهما دعا خلاله إلى فتح نقاش حول تعديل مدونة الأسرة، التي اعتبر أنها صارت غير كافية للوصول إلى الأهداف المرجوة. وأكد الملك أن النهوض بأوضاع البلاد لن يتم إلا بالجمع بين المبادرة ومقومات الصمود والتوطيد، والنهوض بوضعية المرأة وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني، مضيفا أن بناء مغرب التقدم والكرامة لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية، و"نشدد مرة أخرى على المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات". وقال الملك إن مدونة الأسرة رغم أنها شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. ومن بينها، عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، سيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء. ولفت الخطاب إلى أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال. وشدد الملك على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية، وتجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك، مضيفا بالقول "وبصفتي أمير المؤمنين، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية"، في إشارة دالة على النقاش الدائر بشأن مسألة المساواة في الإرث، مضيفا "من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية". واعتبر أشرف منصور جدوي، محام بهيأة البيضاء، أن الأمور التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية، وهو ما يعني أنه على سبيل المثال أن مسألة المساواة في الارث انتهى الكلام بشأنها، بل وإذا كانت الدساتير تتحدث عن نصوص صلبة أو جامدة فإن النصوص المتعلقة بالإرث داخل مدونة الأسرة يمكن اعتبارها كذلك نصوصا جامدة، واسترسالا في الخطاب الملكي السامي فقد دعا حفظه الله إلى مراجعة بعض البنود التي تبين قصورها في حماية الأسرة ككل والعمل على الاجتهاد المنفتح ومراعاة مقاصد الشريعة الاسلامية السمحة ولا يحد في ذلك إلا حدان، عدم مخالفة نصوص قرآنية قطعية وعدم تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله. تعميم محاكم الأسرة دعا الملك إلى العمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب، وهي النقطة التي اعتبر بخصوصها المحامي أن الأمر يحيل على أن جودة الأحكام والإنصاف المنشود بلوغه رهين بتوفير محاكم متخصصة في هذا النوع من القضايا لا غير، وهو ما يحيل كذلك على تكوين قضائي متخصص، بالإضافة إلى مقاربة النوع عند البت في القضايا ذات الصلة بمدونة الأسرة، خاصة في القضايا ذات التشكيلة الجماعية، حيث وجب أن تكون من بين الهيأة الحاكمة على الأقل امرأة قاضية للتصدي لذلك العامل السوسيولوجي . أهمية ومكانة المرأة كانت دائما ضمن الأولويات الملكية، إذ أكد الملك محمد السادس أنه منذ اعتلائه العرش حرص على النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، ومن "أهم الإصلاحات التي قمنا بها، إصدار مدونة الأسرة، واعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات". كريمة مصلي