مركز لعلاج الإدمان بالبيضاء بحارس أمن وحيد

تخمة في المواعد الطبية مقابل ضعف في العرض العلاجي حي المستشفيات، نقطة تجمع المراكز العلاجية الكبرى بالبيضاء، صار ضحية مخطط تهيئة لم يتوقع تحول هذا النطاق الجغرافي إلى بؤرة زخم وزحمة خانقة. لا تنفك سيارات الإسعاف تستجدي عبر صافراتها فسحة للمرور، وسط مجرى جامد من المركبات التي لا تتزحزح إلا لتتوقف ثانية. وخلف المركز الإستشفائي الجامعي ابن رشد ، يستل مركز معالجة الإدمان بعض الهدوء من مستشفى الأمراض النفسية والعقلية المتاخم له، وسط ضوضاء مطبقة طيلة ساعات النهار على الحي. بابه الحديدي الأبيض الضخم تحجبه طوابير صغيرة من المنتظرين الشباب، الهاربين من زحام قاعة الانتظار، محدودة المساحة والمقاعد، وكذا المستسلمين لإلحاح جرعة من النيكوتين. حوالي أربعين مريضا استوطنوا، بعد نصف ساعة من افتتاح المركز، ردهاته الأمامية، أعمار المرضى، المميزين بتحلق أمهاتهم أو أخواتهم حولهم، تتأرجح بين الكهولة والشباب والمراهقة. وجوم يطبع وجوههم لا ينفك يتبدد كلما مرت ممرضة من هنا أو هناك، فالمريض يشعر بالراحة كلما نظر إلى المعطف الأبيض، إلا أن يوسف (26 سنة)، مدمن منذ أربع سنوات على معاقرة الخمر واستهلاك الأقراص المهلوسة، لا يبدو أنه يكترث لمن حوله. يقول بنبرة سخط "منذ توقفت عن تعاطي المخدرات، لا أستطيع النوم، وتراودني بين الفينة والأخرى نوبات غضب".هذه حال كل مدمن توقف بشكل فردي عن تناول المواد المخدرة، تؤكد ممرضة بالمركز، وتشير إلى أهمية دور المركز في مساعدة المرضى على الإقلاع عن تناول المخدرات، إلا أن هذا المركز بمساحته الكبيرة، البالغة ألفا و200 متر مربع، لا يتوفر على ما يكفي من الموارد البشرية لتلبية احتياجاته. نقص الموارد البشرية تتوسط قاعة الانتظار الضيقة منضدة تتمركز خلفها ثلاث ممرضات ينجزن أعمال الاستقبال والتسجيل والاستعلام، بينما يجالسهم حارس خاص، تخلى عن موقعه عند البوابة ليصفف الملفات وينظم المواعيد الطبية، إذ عاينت "الصباح" عرضه مواعد "تفضيلية" على الراغبين في تجنب ساعات الانتظار الطويلة وضيق المكان.أغلب المرضى من الذكور مرفوقون بأمهاتهم أو أخواتهم، بل وحتى زوجاتهم، كحال مريم التي تصطحب زوجها، المريض النفسي والمدمن في الآن نفسه على تعاطي المخدرات، وتشتكي ضيق قاعة الانتظار وخوفها من وقوع زوجها ضحية نوبة عصبية مفاجئة. وهنا يظل التساؤل مطروحا حول مدى نجاعة توفر مركز معالجة الإدمان على حارس أمن وحيد، يتعامل مع مرضى من نوع خاص، غالبا ما يقاومون آثار إقلاعهم عن الإدمان بالهيجان والعنف.ينتظر المرضى على كثرتهم فرصة لقاء الطبيب، خلال فترة صباحية، هي موعد عمل المركز القار، الذي يستقبل المرضى خلال خمسة أيام في الأسبوع، من الاثنين إلى الجمعة، ويعتمد جلستين مبدئيتين مع الطبيب النفسي لتقييم كل حالة، ثمن الجلسة 100 درهم، والحالة يمكن أن تقيم في المركز وفق تقدير الطبيب المعالج، إلا أن التكلفة يمكن أن تصل إلى ألف و500 درهم عن كل ليلة حسب خطورة الحالة ومتطلبات علاجها.تنتظر مريم ويغالبها العياء، فالطلب على الأطباء يفوق العرض العلاجي للمركز بكثير، خصوصا وأنه يستقبل المرضى من مختلف أنحاء المملكة. تنتقل إلى منضدة الاستقبال بين الفينة والأخرى عسى أن يحالفها الحظ، لكن برامج الأطباء في المركز متخمة بالجلسات العلاجية التي تبدأ من أسبوعين وتصل إلى ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، إذ تبقى الرغبة والإرادة أساس الشفاء. علاج عسير المنال الرغبة في الشفاء، نصيحة وشعار ومبدأ، يتخلل أحاديث المرضى والزوار في ردهات المركز، ويكشف أهمية حصص العلاج والتقييم النفسي للمريض المدمن، خصوصا خلال المراحل الأولى من العلاج. وبهذا الخصوص يؤكد نور الدين، شقيق أحد المرضى المقيمين في المركز، والذي دأب على زيارة شقيقه ومساندته بتعليمات من طبيبته المعالجة، على ضرورة مشاركة الأسرة في علاج المدمن، وتوفير الدعم النفسي له.تحظى مريم، أخيرا، بمرادها وتنتــزع موعــدا لــدى الطبيب. تســاعــد زوجهــا علــى الوقــوف وتقــوده إلى غرفــة الطبيب المعــالج في الطابق الأول، الذي يضم سبع غرف للاستشفــاء وعشــرة أســرة، وقــاعــتين للأكــل وممارسة التمارين البدنية، فيما تخلف بقاعــة الانتظار عشــرات المرضى وذويهم من الباحثين عن شفاء عسير المنال.يتزايد عدد الزوار مع مرور الدقــائــق والساعات، لتضيق ردهات مركز عــلاج الإدمان بهــم، وتدفعهــم للخــروج إلى الشــارع، الشيء الذي يستغربه مصطفــى، حــارس السيارات أمام البوابة الرئيسية، إذ يحكــي عــن نــدرة في الــزوار مع انطــلاق عمــل المركــز أواخر 2009، إلا أن هـذا المعطــى تغير بتطور وعي الناس بأهمية الطب النفســـي في معالجــة مــرض مزمن كالإدمان.هذا المرض لا يشمل متعاطي المخدرات فقط، وإنما يمتد في تعريفه كاضطراب سلوكي يظهر تكرارا لفعل من قبل الفرد بغض النظر عن عواقبه الضارة، إلى حالات إدمان أخرى على الألعاب الالكترونية والاستمناء مثلا... إلا أن المركز لا يستقبل الكثير منها بقدر استقطابه للنوع الأول من حالات الإدمان، وفق ما أكدته إحدى الممرضات. أغلب المدمنين من المراهقين والشباب يخصص الطابق الثاني من المركز لعلاج هذا النوع الأخير من المدمنين، أغلبهم من المراهقين والشباب، إذ يحتوي على قاعة للألعاب والعلاج المهني، وأخرى خاصة بالاجتماعات، إلى جانب مكتبة مع أجهزة الكمبيوتر والاتصال بشبكة الإنترنت المتاحة، وثلاثة مكاتب للأطباء ومقصف. كما يوفر المركز في بطاقته الخدماتية، وحدة للاستشارات الطبية، تضم ثمانية مكاتب وأربع غرف للتشاور، لإجراء مقابلات للأمراض النفسية، وثلاث قاعات للفحص والمعاينة، إذ تبلغ طاقته الإستشفائية 3 آلاف و285 ليلة في السنة، و8 آلاف كشف طبي في السنة. بدر الدين عتيقي

مركز لعلاج الإدمان بالبيضاء بحارس أمن وحيد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الهاكا" تنتقد برامج الأطفال في التلفزيون

المنتخب يعود إلى المنافسة بعد 5 أشهر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات