هل كنا سننتظر وفاة أطفال المغرب لإدخال “روطافيروس” و”البنوموكوك”؟

مكاوي الكاتب العام السابق بالصحة قال إن تقرير المجلس منصف والوزارة الحالية أخفت الملاحظات الأساسية عن القضاة أعاد التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات ملف اللقاحات إلى الواجهة، كما أعاد التراشق بالكلام والاتهامات التي رافقت هذا الموضوع منذ وصول الحكومة الحالية في 3 فبراير 2012. "الصباح"، تقرأ خلاصات قضاة وملاحظاتهم واتهاماتهم مع أحد الفاعلين الأساسيين في ملف اللقاحات الذي تردد اسمه كثيرا خلال السنتين السابقتين، ويتعلق الأمر برحال مكاوي، الكاتب العام السابق بوزارة الصحة، الذي قال إن التقرير وضع النقاط على الحروف في ملف الصفقتين، وأعاد النقاش إلى حقيقة الأشياء، بعد أن أبدى ملاحظات فقط في طريقة التدبير، ولم يتحدث قط عن اختلاسات مالية كما حاول البعض إيهام الرأي العام الوطني..ومازال. يمكن القول إن الصفحة 69 و70 الخاصتين بصفقتي لقاحي "الروطافيروس" و"البنوموكوك" من أكثر الصفحات مقروئية ضمن التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات. لماذا كل هذا الاهتمام في نظرك؟ في البداية، لا يمكن إلا أن نسجل إيجابية التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات بخصوص ملف صفقتي اللقاحات الذي أنصف الفريق السابق في الوزارة، وهو التقرير الذي تطرق إلى ملاحظات إدارية شابت هذا الملف كغيره من الملفات الأخرى، ولم يتحدث قط عن اختلاسات مالية أو فساد أو تلاعبات في مالية الوزارة، كما ظل البعض منذ أكثر من سنتين يروج لذلك بوسائل وطرق مختلفة. هذه ملاحظة أساسية ينبغي التأكيد عليها والتسطير عليها لرفع أي لبس مستقبلا عن هذين الصفقتين اللتين سال حولهما الكثير من المداد والاتهامات المجانية، من قبيل أن الكاتب العام السابق والوزيرة السابقة راكما ملايين الدراهم منهما، وبعض واسعي الخيال ذهب إلى حد أن السيدة ياسمينة بادو اقتنت شقتين بباريس بهذه الأموال، وأنا من تكلفت بعملية الشراء. إنها مجرد مهاترات وهراء فندته أعلى سلطة دستورية لمراقبة المالية العمومية في تقرير رسمي.النقطة الثانية التي أود الإشارة إليها في هذا الموضوع، أن الملاحظات التي سجلها قضاة المجلس الأعلى، سواء في الصيغة الأولى من التقرير، أو الصيغة الثانية، كان يمكن أن تصدر بشكل آخر، لو توفرت للفريق الإداري الحالي المسير للوزارة الجرأة على قول الحقيقة للسادة القضاة الذين حلوا بالوزارة سنة 2011 للتدقيق في ملفات الأدوية بشكل عام ومنها اللقاحات، وفتحت أمامهم جميع الملفات والمكاتب وجرى الاتصال بجميع المديرين المعنيين قبل انتهاء ولاية الحكومة السابقة. بمعنى آخر إن من تكلفوا بالرد على ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات قاموا بعملية انتقاء مفضوحة في سرد الملاحظات، والتلميح إلى أن هناك اختلالات كبيرة شابت الصفقتين، وجرى تداركها خلال العرض الثاني من صفقة اللقاحات، وهي أمور يمكن الإطلاع عليها في الصفحة الخاصة بملاحظات الوزارة. ماهي طبيعة الملاحظات الأولية التي طلب منكم الإجابة عليها من طرف قضاة المجلس قبل وصول الوزير الحالي؟ لم يطلب منا آنذاك أي ملاحظات، وحتى بعد وصول التقرير السري الأولي بشان الملاحظات لم نطلع عليه ولم يطلب منا أي أحد إبداء توضيحات وتفسيرات لعدد من النقاط. لكن كيف يمكن لفريق جديد أن يجيب على ملفات كان يتكلف بها الفريق الذي سبقه؟ لا أستطيع بدوري الجواب على هذا السؤال، لكن أستطيع أن أقول إن الذين تكلفوا بالأجوبة على أسئلة وملاحظات المجلس، لم يوضحوا حقيقة الأشياء، مثلا أتساءل لماذا لم تثر الوزارة الحالية ولم تتطرق ولو بالإشارة إلى تقرير المفتشية العامة لوزارة المالية حول تدبير قطاع الأدوية بالوزارة، حيث مكث مفتشو المالية ستة أشهر بالصيدلية المركزية، وأنجزوا تقريرا خلصوا فيه إلى عدد من النتائج المهمة، واكتشفوا أنه في ظرف أربع سنوات (2088/2011) وفرنا على ميزانية الدولة، حوالي 60 مليار درهم، حين نجحنا في تخفيض كلفة المستلزمات الطبية بـ40 في المائة، والأدوية بـ17 في المائة. هل تلمحون مثلا إلى نوع من التناقض بين تقرير المجلس الأعلى وتقرير المفتشية العامة؟ لا بالعكس، لان يوجد أي تناقض بين التقريرين، لكن بدا أن الوزارة شاءت ألا تثير ملاحظات وخلاصات مفتشي المالية وفضلت الاحتفاظ بها، علما أن هناك طاقما إداريا ومديرين مركزيين عاشوا التجربتين وكان يمكن أن يتحملوا مسؤوليتهم في إعطاء المعطيات الصحيحة للقضاة والرأي العام، والكف عن توزيع المغالطات، ومن ذلك مثلا الإشارة إلى أن صفقتي «البنوموكوك» و»الروطفيروس» لم تحترما المسطرة الجاري بها العمل من أجل اقتناء اللقاحات عن طريق اليونيسيف، واللجوء إلى شركتين دوليتين، وهي مغالطة كبيرة انتقلت من المديرين إلى الوزير إلى رئيس الحكومة، ثم إلى الرأي العام الوطني، وهي مغالطة يكذبها الواقع الحالي، ودليلنا أن الوزارة الحالية لجأت، في إطار إعادة بناء صفقة اللقاحات، إلى شركة واحدة فقط وبشروط غريبة، ولم تحترم ما يسمى مسطرة الاقتناء عن طريق اليونيسيف، وهي المسطرة التي اكتشفت الوزارة الحالية، بعد فوات الأوان، أنها لا تنطبق على دولة مثل المغرب غير المدرج ضمن الدول الفقيرة جدا، وذلك باحتساب الدخل الفردي السنوي الذي يتجاوز في المغرب 3000 دولار، ويتجاوز سقف 1570 دولارا الذي تشترطه اليونيسيف، وهذا ما ينبغي أن يقال للقضاة.أكثر من ذلك، أن التقرير أورد بناء على ملاحظات الوزارة أن المغرب لم يكن في حاجة إلى هذه اللقاحات، لمجرد أنه لا يدخل ضمن خانة الدول التي لديها معدل وفيات الأطفال أقل من 5 سنوات يفوق 50 وفاة في 1000 ولادة، وأن المغرب لا يتعدى معدل الوفيات 28 في ألف ولادة سنة 2010. إنها خلاصة خطيرة وردت في ثنايا التقرير، ومن العار أن تسكت الوزارة وتقبل بعدم الرد على هذه الملاحظة وتوضح الأمور إلى الرأي العام الوطني دون خلفيات أو رغبة في تصفية الحسابات. وهنا أتساءل، هل كان هؤلاء ينتظرون أن يموت 50 طفلا حديث الولادة من كل ألف طفل سنويا، حتى نسرع إلى إدخال اللقاحات، أم كان الأمر يتطلب تعبئة وطنية لمنع وصول أطفالنا ومواليدنا إلى هذه النسب المخيفة التي توازي أربع أو خمس مرات نسب حوادث السير بالمغرب؟ أي منطق هذا الذي يقبل أن نضحي بكل هذا العدد من الأطفال لمجرد لعب بالأرقام والمعطيات؟ هل أخطأنا حين بادرنا إلى تعميم اللقاحات على أكثر من 600 ألف طفل مغربي لتفادي كوارث الوفيات أثناء الولادة؟ وإذا افترضنا أن هذه الخلاصة منطقة وصحيحة، لماذا تستمر الوزارة في شراء لقاحات وتعقد صفقات بملايين الدراهم من أجلها، إذا كان المغرب لا يوجد في لائحة منظمة الصحة العالمية ولم نصل بعد إلى 50 وفاة/1000 ولادة؟الأهم من ذلك، أن قرار إدخال هذه اللقاحات قرار سياسي وحكومي انطلق من ضرورة تعميم عن هذه اللقاحات على جميع أبناء الشعب المغرب في إطار البرنامج الوطني للتلقيح، وكان ذلك بعلم من المديرين المركزيين وبتشاور معهم، ويخرج البعض اليوم ويقول إن لا علم له بملف اللقاحات. هذه اللقاحات، يا سيدي، كانت تدخل إلى المغرب بعلم الوزارة وكانت تباع منذ سنوات في الصيدليات إلى بعض الفئات الاجتماعية التي لديها امكانيات مالية لشرائها، إذ تصل جرعتان من هذه اللقاحات إلى حوالي 5 آلاف درهم. إذا لم تكن هذه اللقاحات غير مهمة وغير مفيدة للأطفال، لماذا كانت تباع في الصيدليات وتنفذ في بعض الأحيان لشدة الطلب عليها؟ هل أذنبنا حين وسعنا دائرة الاستفادة، وجعلنا الاستفادة مجانية من هذه اللقاحات في إطار البرنامج الوطني للتلقيح؟ هذه هي الأجوبة والملاحظات الحقيقية والمنطقية التي كان ينبغي أن تقال إلى قضاة المجلس تنويرا للرأي العام الوطني ورفعا للبس والمغالطات. وفي اعتقادي أن الوزارة وقعت في حرج الإجابة على هذه الأسئلة، بالنظر إلى المعطيات المتوفرة، وفضلت الهروب إلى الأمام. لكن الوزارة أعادت بناء الصفقة، ورسا العرض على شركة بغلاف مالي أقل من الصفقتين السابقتين؟ هذه أيضا من الملاحظات التي كان يجب توضيحها. لأن المهم ليس أن نوفر أموالا، لكن المهم أن أستكمل دورة اللقاحات كما هي منصوص عليها عمليا وطبيا، فإذا كانت الصفقتان السابقتان تشكل تلقيح 13 باكتيريا (فالون)، وبأربع جرعات، فإن الصفقة الحالية لا تشمل سوى 10 باكتيريات وبثلاث جرعات. وهنا طبيعي، إذا خفضت المحتوى استفدت من هامش في الغلاف المالي، والسؤال الأساسي هنا: هل المهم أن نوفر أموالا في ميزانية مرصودة أصلا للأدوية واللقاحات، أم الأهم من ذلك أن نحمي أطفالنا ومواليدنا من الأمراض والفيروسات الفتاكة؟ قلتم إن هناك ميزانية مرصودة للأدوية واللقاحات، والحال أن تقرير المجلس الأعلى أكد أن مبلغ الصفقتين ناهز حوالي 86 في المائة من ميزانية جميع برامج الصحة العمومية و90 في المائة من ميزانية أدوية المستشفيات المسيرة بطريقة مستقلة؟ (يضحك)، هل كان بعض هؤلاء الذين يروجون مثل هذا الكلام ينتظرون أن أشتري اللقاحات من جيبي أو جيب الوزيرة السابقة..هذا كلام غير مسؤول، وهو يعني بالضبط كمن يقول لك إن الوزارة السابقة رصدت مبالغ لشراء أدوية ولقاحات من الميزانية المخصصة للأدوية. نعم عقدنا صفقة إطار لمدة ثلاث سنوات لاقتناء لقاحات الروطافيروس والبنوموكوك من ميزانية الاستثمار المخصصة للوزارة، ومن يريدوننا أن ترصد أموالا لذلك؟ هذا ما تفعله الوزارة الحالية التي ينبغي أن يطرح عليها السؤال نفسه من أي ميزانية خصصت المبلغ المخصص لصفقة اللقاحات الحالية؟ يوسف الساكت

هل كنا سننتظر وفاة أطفال المغرب لإدخال “روطافيروس” و”البنوموكوك”؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نعيمة إلياس: حظي قليل في السينما

قائد بالبيضاء يحتل فيلا بدون وجه حق

مقالات ذات صلة