fbpx
حوادث

“الإحسان” … نصب مغلف بالدين

شبكات جعلت منه وسيلة للاغتناء غير المشروع ووزارة الداخلية حذرت منه في فاجعة الطفل ريان

أماطت واقعة اعتقال طبيب مالك مصحة وزوجته وأفراد من عائلته ومساعديه، اللثام عن الإحسان وجمع التبرعات باسم المعوزين، والهدف هو الحصول على منافع مادية عن طريق النصب، وصل إلى حد جريمة الاتجار بالبشر. وأمام تنامي حالات «الإحسان الملغومة»، أعاد المشرع النظر في طريقة الإحسان بعد فاجعة الصويرة قبل أربع سنوات ووفاة نسوة قرويات، كما حذرت وزارة الداخلية بعد سقوط الطفل ريان بقعر بئر قبل شهرين، من هذا النوع من الإحسان، مؤكدة أنه يخضع لقوانين منظمة، لتفادي النصب باسم الأسر المكلومة.

إنجاز:عبدالحليم لعريبي

حولت نازلة اعتقال الطبيب الشهير ب»ح. ت» مالك مصحة للتجميل، وزوجته وأفراد من عائلته، موضوع «الإحسان» إلى تيمة مبتغاها الاغتناء بالتدليس عن طريق جمع التبرعات والاغتناء غير المشروع، سيما بعدما التمس الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء من قاضي التحقيق البحث مع المتهمين بجنايات الاتجار بالبشر باستدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وحاجتهم وهشاشتهم لغرض الاستغلال للقيام بأعمال إجرامية (النصب والاحتيال على المتبرعين) بواسطة عصابة إجرامية وعن طريق التعدد والاعتياد وارتكابها ضد قاصرين دون سن 18 سنة يعانون بسبب المرض، إضافة إلى جنح النصب والمشاركة في تزوير محررات تجارية وصنع شهادات تتضمن وقائع غير صحيحة وجنحة المشاركة في تسجيل وتوزيع صور أشخاص دون موافقتهم.
ولم تقف تلك الاتهامات المشكلة لجناية الاتجار بالبشر، عند هذا الحد، بل طالب الوكيل العام للملك بالبحث مع معتقلة إضافة إلى الجرائم سالفة الذكر، بارتكاب الغش في الخدمات الصحية المقدمة عبر تصريح كاذب وجنحة الزيادة غير المشروعة في الأسعار وجنحة استغلال ضعف المستهلك وجهله وجنحة الاستفادة من منفعة الأموال المحصل عليها عن طريق ضحايا الاتجار بالبشر مع العلم بجريمة الاتجار، وأيضا جنح التحريض على الإدلاء بشهادة زور والامتناع عن تقديم أدلة وتصريحات وإقرارات غير صحيحة تتعلق بجريمة الاتجار بالبشر والمشاركة في تسجيل وتوزيع صور أشخاص دون موافقتهم.

خطورة الأفعال
التمس الوكيل العام للملك من قاضي التحقيق لدى الغرفة الأولى بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، إيداع الطبيب الشهير وثلاثة من مقربيه رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي عين السبع، مبررا ملتمسه القاضي بالإيداع بخطورة الأفعال الجرمية المرتكبة من قبل الموقوفين ومساسها بالنظام العام وتوافر الإثبات، كما التمس ممثل النيابة العامة من قاضي التحقيق اتخاذ ما يراه مناسبا في حق ثلاثة متابعين آخرين وهن ممرضات مستخدمات بالمصحة التي يملكها الطبيب.
ولم تقف الملتمسات عند ذلك بل طلبت النيابة العامة أيضا من رئيس غرفة التحقيق إعمال مقتضيات المادة 84 من قانون المسطرة الجنائية ضد كل من ثبت تورطه في الوقائع موضوع التحقيق، إن بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا، سيما أن التحقيقات التمهيدية أظهرت تعدد الجناة.

صدمة الزبناء والمتابعين للطبيب الشهير
بعدما تفجرت الفضيحة وجد زبناء المصحة أنفسهم في موقف محرج، سيما أن الطبيب الشهير كسب صيتا وطنيا ودوليا، وبات محاورا لدى العديد من وسائل الإعلام المختلفة، كما يقصده الراغبون في التجميل من مختلف مناطق المغرب وخارجه، سيما الأشخاص المتحدرين من جنسيات عربية.
ووجد الطبيب وزوجته وشقيقه ومستخدموه أنفسهم أمام ردهات المحاكم والسجون، خصوصا بعدما اعتبرت الأدلة المقدمة في الموضوع أن ما ارتكبه صاحب المصحة ومستخدموه يدخل ضمن خانة جناية الاتجار بالبشر.

فاجعة «ريان»…الداخلية تحذر
أماطت فاجعة سقوط الطفل «ريان» داخل قعر بئر بضواحي شفشاون قبل شهرين، اللثام عن أوجه الإحسان وما يرتبط به من نصب واحتيال واستخدام شبكات مثل هذه الأحداث من أجل الاغتناء غير المشروع، كما أصدرت وزارة الداخلية ممثلة في عامل الإقليم بلاغا تحذيريا.
وأكد البلاغ على أنه تم رصد عدد من المبادرات، على شبكات التواصل، من داخل المغرب وخارجه، وبصيغ وأشكال مختلفة، تحاول استغلال حادثة وفاة الطفل ريان، الذي وافته المنية بعد سقوطه في بئر “وذلك تحت ذريعة جمع تبرعات نقدية أو عينية لفائدة أسرة الفقيد”، مذكرا في هذا الصدد، بأن المقتضيات القانونية الوطنية، تضبط وتقنن عمليات ومسطرة التماس الإحسان العمومي، ومختلف المبادرات والدعوات التي تهدف لجمع التبرعات وتقديم المساعدات، حماية للفئات التي قد تتضرر من ذلك، بما فيها أسرة المرحوم ريان، في هذه الحالة، طبقا للفصل الأول من القانون المتعلق بالتماس الإحسان العمومي.
وفي هذا الإطار، يقول البلاغ، “فإن أسرة المرحوم ريان، التي هي على علم بمثل هذه التصرفات، ترفض استغلال البعض لظروفها الإنسانية، تحت ذريعة تقديم مساعدات لفائدتها في هذا الظرف الأليم”.

تحديد الأشخاص المتبرعين والعقوبات
حصر مشروع القانون رقم 18.18 الأشخاص الذين لهم الحق في جمع التبرعات في الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، والأشخاص الذاتيين المتوفرة فيهم الشروط الواردة بعده، كما حدد مشروع القانون عقوبة لكل من يقوم بعملية جمع التبرعات دون أن تكون له هذه الصفة في حصر الغرامة من 50.000 درهم إلى 100.000 درهم.
وبالنسبة إلى الجمعيات، لكي يمنح لها الترخيص للقيام بدعوة العموم لجمع التبرعات يجب على الجمعية أن تكون مؤسسة بطريقة قانونية ومودعة ملفها لدى السلطة المحلية طبقا للتشريع الجاري به العمل، وأن لا يكون صدر في حق أحد أعضاء مكتبها المسير مقرر قضائي نهائي من أجل ارتكاب جنايات أو  جنح متعلقة بأمن الدولة أو  الإرهاب أو  متعلقة بالأموال أو  التزوير أو  الرشوة أو  الاختلاس أو  تبديد المال العام ما لم يرد اعتباره، والأمر ذاته بالنسبة إلى الأشخاص الذاتيين.

المشرع نظم التبرع
نظم المشرع المغربي عمليات التبرعات من قبل المواطنين أو الجمعيات، وتوزيع المساعدات على الناس لأغراض خيرية، ووضع شروطا لهذه التبرعات المالية والعينية، كما حدد عقوبات زجرية لمن خالفها، أو أقدم على جمع التبرعات بدون سند قانوني.
وبالعودة إلى تاريخ قانون التماس الإحسان العمومي، فقد تم تقنين هذا الأخير في 1971، بمقتضى القانون رقم 004.71، قبل أن يتم تحديث هذا القانون سنة 2018، إذ أصدر المشرع المغربي مشروع قانون 18.18، والمعنون بـ”تنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية”، على خلفية “واقعة الصويرة” التي ذهبت ضحيتها 15 امرأة إثر ازدحام وتدافع للحصول على مساعدات قدمتها جمعية خيرية آنذاك، والتي ساهمت في تسريع وتيرة خروج هذا القانون إلى حيز الوجود.
وبالعودة إلى تفاصيل قانون 18.18، فمن الواجب والضروري أن تخضع التبرعات جميعها إلى ترخيص قانوني قبلي من قبل عامل العمالة أو الإقليم الذي ستجري في نفوذه عملية جمع التبرعات.

استغلال التبرعات
قال حاتم عريب، المحامي بهياة الرباط، إن محسنين قد يستغلون عوز الأسر وفقرها والتأثير عليها بالمال، من أجل استغلالها في قضايا ترتبط بالإرهاب، مؤكدا أن المشرع المغربي شدد في مراقبته من خلال نصوص الأمانة العامة للحكومة.
وأوضح عريب أن الإحسان يؤثر فكريا على الفقراء والمعوزين والأشخاص الذين يعانون الجهل، وقد يكون عاملا مساعدا في استخدامه لأغراض إرهابية مقيتة، مضيفا أن العديد من الملفات المعروضة على ملحقة محكمة الاستئناف بسلا المختصة بالبت في قضايا الإرهاب، أظهرت أنواعا مختلفة من الإحسان والتبرعات هدفها المس بالنظام العام عبر التخويف والترهيب والتخطيط لجرائم القتل.
وشدد المتحدث ذاته على أن استغلال الإحسان وجمع التبرعات لا يرتبطان دائما بجرائم النصب والاحتيال أو حتى الاتجار بالبشر بل يمتدان إلى قضايا الإرهاب والتطرف، مضيفا أن المشرع لفت الانتباه إلى الأمر لإعادة النظر فيه.
وأضاف المحامي نفسه أنه لا بد من مراقبة وتقنين مواقع التواصل الاجتماعي وموقع “يوتوب” الذي يعد عاملا أساسيا في هذه الأنواع من الإحسان التي تتحول في نهاية المطاف إلى جرائم مختلفة، مشيرا إلى مواقع بات دورها جني الأرباح المالية عبر الدعوات إلى القيام بالإحسان، لكن لا يعرف طريق هذه التبرعات وأماكن استغلالها.

المصحات في نيران مدفعية مواقع التواصل
بعد تفجر فضيحة سقوط الطبيب مالك المصحة وزوجته ومستخدميه وأفراد من عائلته، تقاطرت تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بإعادة النظر في الدور الحقيقي للمصحات، سيما الخاصة بالتجميل.
وقال المعلق محمد على خبر اعتقال صاحب المصحة “زيادة على عقوبة السجن يجب منع هذا الجزار من مزاولة الطب إلى الأبد وتجريده من أمواله كلها ومنعه من مزاولة أي نشاط يتعامل فيه مع الزبناء ولو يدير كروسة ديال اللبن ممنوع”.
أما المعلق الذي قدم نفسه باسم “زائر غريب” أكد أنه “يجب إغلاق 4 مصحات يمتلكها هذا الطبيب، إنها لازالت تشتغل لحد الآن، شاهدت أحد الفيديوهات كيف تعيش هذه العائلة في بذخ وبورجوازية فاحشة وتمارس الغولف على ظهر المغلوبين والفقراء والمعوزين”.
لكن المعلق الذي تحدث باسم “المظلوم” اعتبر في تدوينته أن “هناك العجب المعجب في بعض المصحات التي تتاجر بالمواطنين وتستغل ضعفهم وجهلهم بالقانون وتستغل حاجتهم للتطبيب وتتلاعب بالفواتير وتطالب المريض بمبلغ “نوار” يضخ في جيب الطبيب إضافة إلى شيك ضمانة وحجز المريض للمبيت لمدة طويلة أو وضعه في الإنعاش وهو ميت زائد عمليات جراحية وهمية ولا حسيب ولا رقيب. هي فوضى لا توصف والمواطن المسكين يؤدي ثمن هؤلاء الجشعين. اللهم إن هذا لمنكر”.
وتناسلت مختلف التدوينات منذ أسبوع والتعليقات التي طالب أصحابها بإعادة النظر في دور المصحات وما تقدمه للمرضى، لتفادي أي استغلال دنيء من قبلها.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى