fbpx
حوادث

رمضان … من أين لكم كل هذا؟

المغاربة يودعون الأزمة في رمضان ولا يتذكرون الزيادة في الأسعار والمواد

في رمضان، يضع المغاربة “الأزمة” في صندوق حديدي، ويغطونها بكيلوغرامات من مكعبات الثلج، حفاظا عليها طازجة إلى ما بعد العيد.
فقبل أيام من حلول الشهر الفضيل، تصبح”الأزمة” إشاعة، وتتحول النسب والمؤشرات والتداعيات والأسعار والمواد الأولية والمحروقات، إلى أخبار زائفة يقذف صاحبها بالجهل والعار.
وحده “الرزق” المتدفق في الأسواق والمحلات والمساحات التجارية الكبرى، يصبح خبرا يقينا، حتى تحار في “مصدر” كل هذه الأوراق الزرقاء التي يسلها المواطنون من محفظات نقودهم بسخاء حاتمي كبير، كما وقفوا أمام شباك أداء، أو أمام محل لبيع التوابل والتمور والخضر والفواكه واللحوم وأنواع السمك.
في رمضان، تنمحي الفروق بين المغاربة وتسقط الطبقات الاجتماعية من علو شاهق، إذ يستحيل أن تميز بين أفراد مقيدين في السجل الاجتماعي، وآخرين مفترى عليهم في خانة الطبقة المتوسطة، وفئة ثالثة أنعم الله عليها من بابه الواسع.
فكل الفئات والطبقات تنصهر في واحدة، هي بالضبط أن تجدها في كل الأسواق والمحلات والمتاجر، ولا تكف، طيلة شهر، عن إقناعك أن رمضان يأتي برزقه، أو تقول لك “عندنا غير شهر واحد في العام، ناكلو فيه للي بغينا”.
فقد تستطيع، في مثل هذه الأوقات، أن تقنع مغربيا بأن الشمس تشرق من الغرب والكرة الأرضية مسطحة الشكل (رغم أن اسمها كرة)، لكن يستحيل أن تقنعه أن هناك أزمة تضرب البلد والعالم، أو جائحة مازالت ترمي بحممها في الاقتصاد والمجتمع، أو هناك حربا مدمرة في أوربا الشرقية، تغلق منابع الغاز والحبوب والمواد الغذائية.
فلا شيء من ذلك صحيح بالمطلق في نظر السواد الأعظم من المواطنين الذين يقفون، منذ أيام، في طوابير طويلة أمام محلات بيع التوابل والمواد الخاصة بحلوى الشباكية المقدسة وصناعة “سلو” وإعداد “الورقة” الخاصة ب”البريوات” و”الشهيوات” والمربعات والمثلثات وباقي المجسمات الأخرى، وأشكال الأطباق المحلية، والأخرى المستوردة من تركيا وسوريا ولبنان ودول الخليج.
المغاربة قد يتسامحون في كل الأشياء إلا مائدة رمضان التي يضحون في سبيلها بالغالي والنفيس، ولا يرتاحون إلا إذا زينوا الموائد بكل ما خزنته ذاكرة المعدة من صور وروائح، إذ يصبح هذا العضو حاكما متوجا في هذا الشهر، لا يكف عن إصدار الأوامر لتلبية حاجياته في الحال.
أمام هذه الصور، قد يصاب رجل خبير مثل عبد اللطيف الجواهري، الوالي المدير العام لبنك المغرب، بالدوار، وهو يرى أن جميع تحليلاته وإسقاطاته وتوقعاته وأرقامه تهوى أمام هذا الزخم الكبير في التسوق الذي قد يصل حد “اللهطة”.
فحين نقرأ النسب المخيفة في النمو والادخار والتضخم التي تحدث عنها حارس الأختام المالية بالمغرب، ثم نتجول في الأسواق الأسبوعية وفضاءات التسوق في الأحياء الشعبية والمساحات الكبرى، فنصل إلى قناعة من اثنتين: إما أن بنك المغرب يبالغ في توقعاته ونسبه وتشاؤمه من المستقبل، أو أن هناك مسارات أخرى غير معروفة تمول بها الأسر نفسها، وتظهر جليا في رمضان. وكل شهر فضيل، ونحن بألف لهطة.

يوسف الساكت


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى