“بيجيدي” أذعن للتقاليد المرعية للبقاء في السلطة

الوديع قال إنه كان يتمنى أن يختار العدالة والتنمية المستقبل بذكاء من خلال تأويل منفتح للدستور أكد صلاح الوديع، الفاعل المدني، أن الربيع العربي ما يزال لم يتبلور في نتائجه النهائية، وفي حصيلته، إذ ما تزال بلدان الربيع العربي تعيش مخاضات عسيرة مجهولة المآلات. وفي ظل هذا الوضع، يُقيم الوديع، باعتباره متتبعا وفاعلا مدنيا، ليس من باب الحصيلة المرقمة، ولا جرد المنجزات والإخفاقات، التجربة المغربية من خلال تحولات حزب إسلامي كُتب له أن يقود الحكومة لأول مرة. وأكد الوديع أن العدالة والتنمية استثمر اللحظة لحساب سياسي محض، مقابل وعد بـ "الحفاظ على الاستقرار"، وعدم تبني الحس المدني الطاغي إياه في تغيير قواعد اللعبة السياسية. في ما يلي نص الحوار: مرت سنتان من عمر التجربة الحكومية الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، ما هي نظرتكم إلى هذه التجربة؟ سؤال مدى اضطلاع حزب العدالة والتنمية بمسؤوليته السياسية اليوم لن أتناوله من زاوية المحاسبة على هذه السياسة أو تلك، باعتباره الحزب الأول والفاعل الحزبي الأول في التشكيلة الحكومية، بل سيكون التناول من زاوية الدور الذي لعبه بالمعنى التاريخي خلال الحراك المجتمعي وإلى حدود اللحظة. فهي، إذن ليست محاسبة على نجاعة سياسة حكومية، بل حسابا على مدى اضطلاعه أو نكوصه عن الدور الذي قلدته اللحظة التاريخية إياه. فتحرُّك الشارع ابتداء من فبراير 2011، وفي المقدمة منه شبابٌ يقتحمون ساحة الشأن العام لأول مرة، كان إرهاصا يؤشر إلى بداية تحول عميق. هذا التحول كان يعني أن السياسة لم تعد مقتصرة على «النخبة" القديمة أو على الأجيال التي تمرست في السبعينات ثم الثمانينات، فالتسعينات...كانت أهم مميزات هذا التحول هو الحس المدني الطاغي في هذا السلوك الجديد. لقد كنا أمام توق يخرج من عمق المجتمع، رغم أنه كان يصلنا متقطعا، ليتجاوز التقاليد المرعية في التعاطي مع السياسة. كان الصوت يقول: المواطنة أولا، قبل أي اعتبار إيديولوجي أو ديني أو توافقي. لا تهمنا اعتبارات إيديولوجيا يسار القرن العشرين ولا حوقلات الفرق الإسلاموية ولا التقاليد المرعية في الممارسة السياسية. ورغم محاولات عدد من مكونات الحركة الإسلامية غير المتحزبة الركوب على الموجة، ورغم محاولات التحكم التي أبداها فاعلون من آفاق إيديولوجية مختلفة، فإن هذا التحول ترك آثارا عميقة وسيترك أخرى... لكن في الحالة المغربية، كان هناك نزول لحركة 20 فبراير إلى الشارع ، كيف تقرأ خفوت الحركة وعجزها عن فرض مطالبها؟يجب الإقرار بأن نقطة الضعف القاتلة التي كان لها تأثير سلبي حقيقي وحاسم هو انصراف شباب 20 فبراير عن فرز قيادة مناسبة لحركتهم تحميها من الاحتواء ومن الاستعمال لغير ما انبثقت لأجله، قيادة تُتيح لهم الانتصاب قوة اقتراحية والمشاركة في النقاش العمومي من موقع قوة الحجة لكسب الرأي العام على المدى المتوسط والطويل.وقد وجدها حزب العدالة والتنمية فرصة استثمرها بشكل ضيق من أجل انتشال نصيب أكبر من الاعتراف السياسي. لقد استثمر اللحظة لحساب سياسي محض، مقابل وعد بـ «الحفاظ على الاستقرار"، وعدم تبني الحس المدني الطاغي إياه في تغيير قواعد اللعبة السياسية، وهو بالضبط ما كان مطلوبا منه من وجهة نظر التاريخ.وهكذا بنى على منطق «المظلومية" المعروف والمكرور منطقَ الاستثمار والاستفادة الضيقة بمبرر الدفاع عن الاستقرار والملكية. والدليل على ذلك ما ظهر، ويظهر تحت أعيننا من نزوع ملموس في كل حركة أو كلمة أو نأمة أو قرار من هوس بالبقاء قرب الملك مهما كلفه ذلك من ثمن، وما ينعكس بالتالي من «تأويل" للدستور، بعد لي الحزب أذرع الجميع خلال الساعات الأخيرة لصياغة الدستور من أجل خفض أفق هذا الأخير، خاصة في المجالات التي كان من شأنها التناغم مع الحس المدني الطاغي: حرية المعتقد والطابع المدني للدولة مثلا... يرى البعض ان العدالة والتنمية عوض التجاوب مع مطالب الشارع بالبحث عن تحالفات لضمان تموقعه في الحكومة؟ لقد وجد هذا الحزب في الجناح التقليداني داخل الدولة مرآته وصداه وحلفاءه، فلم يتردد في التنكر لطموح الشارع، من أجل الحصول على موقع في نسق سياسي مطلوب للتغيير والخلخلة، فكرّسه وما كان له أن يتجرأ على أكثر من ذلك... أو ليس جُماع إستراتيجيته يتلخص في منافسة الملكية على الشرعية الدينية من أجل كسب الموقع إياه؟ واليوم، وقد كسب الموقع جزئيا، فإن بإمكانه أن يقايض بقاءه حيث هو بالحد من الغلواء، بل وبالترامي على أطروحات الغير، الذين دفعوا أرواحهم وحريتهم ثمنا للخطوات التي تم اكتسابها بشق الأنفس، فانطلق يتبنى مبدأ «حرية المعتقد" خلال مؤتمره الأخير، موهماً الرأي العام أنه قد أدار ظهره لسنوات من الديماغوجية حقن الشارعَ خلالها بشعارات عنصرية مقيتة يعرفها القاصي والداني. من هذه الزاوية، يمكن أن ندرك هوسه الحالي بالبقاء حيث هو مهما كلفه الأمر.من جهة أخرى، ومهما كانت نوايا ونزاهة عدد من المناضلين والأطر الذين يوجدون في صفوف الحزب عن قناعة حقيقية بالاختيار الإسلاموي، فإن منطق الحفاظ على «هيضورة" في باحة القصر، يبقى هو الغالب اليوم. لقد كان بالإمكان أن تستثمر اللحظة من أجل المضي قدما في إرساء أوجه أو أسس لممارسة سياسية مدنية تتحلل من اعتبارات الماضي، لكن وصية أحد الزعماء التاريخيين لحزب الاستقلال، حسبما يروى على سبيل الاستئناس، أصبحت هي بوصلة العدالة والتنمية: «إياكم أن تتركوا الملك. إن "هيضورة" في القصر أحسن بكثير من "زربية" خارجه..." ما هي أسباب هذا السلوك في نظركم؟ للحقيقة، فإن ما زيَّن لهذا الحزب أن يسلك هذا السلوك أن المرحلة قد طبعتها سمتان بارزتان: ضمور وتلاشي صورة السياسة بمعناها القديم المتجاوز من جهة، ومن جهة أخرى تلعثم، بل غياب نموذج لممارسة السياسة بمعناها المدني الديمقراطي المؤسساتي، الممكن خاصة اعتمادا على تأويل ديمقراطي للمساحات التي يتيحها الدستور.كنت أتمنى، رغم خلافي العميق والإستراتيجي مع توجهات العدالة والتنمية، أن يختار المستقبلَ بذكاء – انطلاقا من فوزه المتقدم في الانتخابات التشريعية - عن طريق تأويل منفتح للدستور، ربما يكلفه موقعه الحالي، لكنه يوسع أفق النظام السياسي ككل ويعود بالنفع على الشعب بل وحتى على الملكية وباقي الفاعلين السياسيين على المدى الطويل، مما كان سيمكنه معنويا وسياسيا من أن يبني لنفسه دورا على المدى المتوسط حلالا طيبا، لكنه اختار اختيارا آخر هو الإذعان للنسق والتقاليد المرعية شريطة أن يبقى حيث هو في مواقع السلطة المتاحة، ولم ينتبه وحالته هذه أن اختياره ذاك مضافا إلى تغيُّر الشرط الخارجي الجهوي والدولي في اتجاه معاكس لإستراتيجيته بشكل جذري، يجعله يغرق في خيارات ليس من شأنها أن تنفعه لا هو ولا الملكية التي يدعي خدمتها ولا الفاعلون الذين يتمنى خدمتهم. جمال بورفيسي

“بيجيدي” أذعن للتقاليد المرعية للبقاء في السلطة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حق المحافظ في إعادة تقدير المصرح به من طالب التقييد

طوفان الاعتصامات والإضرابات يهدد المستثمرين بأكادير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات