المستعجلات…المحطة الأخيرة من فائض “النشاط”

“من يريد أن يشبع من الدنيا عليه أن يدخل هذا المكان”، تتنهد المرأة الملفوفة في بطانية رمادية وتضع على رأسها حزما من “الفولارات” اتقاء للسعات برد قارسة اقتربت كثيرا من الصفر هبت ليلة أول أمس (الثلاثاء) على مستعجلات ابن رشد بالدار البيضاء، التي تشكل، عادة، آخر محطة في رحلة “نشاط” زائد عن اللـــــزوم . لم تبرح المرأة مكانها قرب سارية من رخام موضوعة أمام الباب الرئيسي من مصلحة المستعجلات، كما لم يكف لسانها عن التذمر، بعد أن منعها الحراس الخاصون من مرافقة قريبها إلى داخل مصلحة التشخيص، وقد وصل قبل ساعة مغمى عليه، بسبب مغص في الأمعاء، قال ممرض لـ”الصباح” إنه نتيجة إفراط في شرب مواد كحولية قبل الأكل، بينما تصر القريبة، مجرد وجع بسيط.الساعة تجاوزت الحادية عشرة ليلا، زعيق سيارات الإسعاف وسيارات وزارة الصحة تقطع جوا كئيبا، حيث يتكوم مرافقو المرضى في زوايا “دافئة” قرب مصلحة الأداء، يضع بعضهم رأسه من طواق صوفية، ومنهم من استعان بأكثر من جلابة في مواجهة ضراوة “آصميد” يتجاوز اللحم إلى العظام.تقف السيارة القادمة من وسط المدينة، يفتح الباب الخلفي على شاب مسجى فوق سرير متحرك تغطي بقع الدم سترته البيضاء، تصل سرواله “الجينز”. يقفز مرافقه مثل غزال صغير من السيارة، ويطلب من سائق السيارة مساعدته على تحرير السرير المتحرك والإسراع بإدخال المريض إلى غرفة الإنعاش.رجل الأمن، الذي رافق السيارة، بدا غاضبا وهو يسرد بداية ليلة طلب من الله أن تمر على خير، بسبب المصائب التي بدأت في وقت مبكر. “هاد خاينا جبناه، خشا فيه شي واحد فورشيت في القلب بشارع محمد الخامس”، لكن بعض ساعة ونصف يؤكد الطبيب المعالج أن الإصابة لم تحمل أي خطورة على شرايين القلب، والمصاب أحيل على غرفة الإنعاش.الفوضى في كل مكان بأكبر مستعجلات الدار البيضاء التي مازال وزير الصحة يتحمل مسؤولية إدارتها في الأوراق الرسمية، ومازال اسمه مدونا على يافطة معلقة على باب مغلق كتب عليه “رئيس القسم”. بهذا المكان، تحسن أن الوقت جامد ولا يتحرك، أو أن جليدا يصيب المشاعر والأحاسيس، حيث تتحول مشاهد الدم والأشلاء و”التفرشيخ” إلى صور يومية عادية لدى أغلب العاملين بالقسم، ربما من فرط تكرارها اليومي، لكن أساسا لانعدام المسؤولية التي تجعل فضاء يستقبل مرضى في وضعية استعجالية الأوسخ على الإطلاق، مقارنة مع باقي المصالح الكبرى.العفونة والروائح الكريمة وسوء التنظيم وقلة المواد البشرية أول مستقبليك بمستعجلات ابن رشد، علما أن المصلحة تابعة إلى مركز استشفائي جامعي يتمتع بالاستقلالية المالية ولا يوفر العلاجات والإسعافات الأولية مجانا، بل مقابل مبلغ من المال (60 درهما) يؤديه كل وافد قبل الدخول إلى القسم، بل إن الطاقم الطبي لا يقترب من أي مريض دون الاطلاع على وصل الأداء.الساعة تتجاوز منتصف الليل بنصف ساعة، البرد القارس يرخي أجنحته على المكان مثل وحش كاسر، ويتكوم المرضى والمرافقون أكثر على أنفسهم اتقاء لــشره. السيارات تتوافد تباعا، وأغلبها سيارات شخصية تحمل مرضى ومغمى عليهم ومسنين أنهكهم ارتفاع الضغط وداء السكري، مقابل عدد قليل من سيارات الإسعاف التابعة للوقاية المدنية ووزارة الصحة والجماعات المحلية. على بعد خطوات من قسم المستعجلات، تستريح أكثر من 12 سيارة إسعاف جديدة ومجهزة تابعة لمصلحة للوحدات الاستعجالية المتنقلة، وهي المصلحة التي توجد خارج التغطية منذ إنشائها من قبل رئيس القسم و الوزير الحالي.يوسف الساكت

المستعجلات…المحطة الأخيرة من فائض “النشاط”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عين الذئاب... أقراص مهيجة وضرب وسرقة وعربدة

مشاهير ونجوم عالميون ودعوا السنة بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات