دراسة في القانون : مشاريع قوانين السلطة القضائية والحراك القضائي

القوانين حاولت وضع حد للحراك القضائي بإضافة شروط تعجيزية أمام الجمعيات والقضاة الشباب يبقى موضوع إصلاح القضاء بالمغرب من المواضيع المتجددة باستمرار، إذ شكل ومنذ عقود مطلبا ذا أهمية قصوى، رفعته قوى إصلاحية وفعاليات حقوقية وطنية، بل وتناولته العديد من التقارير الدولية التي كشفت النقاب عن وجود مؤشرات مقلقة بخصوص هشاشة ضمانات استقلال القضاة والقضاء في المنظومة التشريعية الوطنية الراهنة. (3/3) جاءت مسودة المشاريع من جهة أخرى، محتشمة على مستوى اقرار قواعد موضوعية وشفافة على صعيد تدبير الوضعية الفردية للقضاة، فرغم التنصيص في المادة 60 من مشروع القانون المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أن المجلس يعتمد على مبادئ تكرس تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو المناصفة، فإن تطبيقات هذا النص بقيت عامة، وخلت من الإشارة الى معايير موضوعية أساسية كدرجة الاستحقاق لتعيين القضاة المتخرجين من المعهد العالي. ما يطرح أكثر من سؤال حول سبب التوجس من معيار الاستحقاق كأساس للبت في تعيينات القضاة الجدد؟ ومن النقاط السوداء في مشاريع القوانين الجديدة التي أعدتها الوزارة تلك المتعلقة بالانتداب. فرغم نقل سلطة انتداب القضاة من يد وزير العدل إلى يد أحد الرؤساء المنتدبين (الرئيس الأول والوكيل العام للملك بمحكمة النقض، الرؤساء الأولون والوكلاء العامون بمحاكم الاستئناف)، إلا أن مسطرة الانتداب جاءت عامة وغير مقيدة بأي شروط من شأنها الحيلولة دون استعمال هذه الآلية كعقاب مبطن أو وسيلة للمس باستقلال القضاة، على خلاف بعض التشريعات المقارنة التي وضعت بعض الضمانات للقضاة. وهذا ما نقرؤه مثلا في القانون الأردني الذي نص على أنه يراعى في الانتداب أن لا تكون الوظيفة أو العمل الذي انتدب إليه القاضي أدنى درجة من درجته أو العمل المنوط به، والقانون المصري الذي اشترط موافقة الجمعية العمومية للقضاة بالمحكمة، وكذا القانون التونسي الذي يفرض الاعلان عن المناصب الشاغرة وفتح المجال أمام القضاة لتقديم طلباتهم، وعدم اللجوء إلى الانتداب بدون موافقة القضاة إلا في حالة عدم تقديم أي طلب في هذا الصدد داخل الآجال المحددة، مع ضرورة مراعاة الجهوية بعدم انتداب قاض أبعد في حال وجود من هو أقرب منه جغرافيا للمنصب الشاغر، مع قيام الجمعية العمومية بالمحاكم بتوزيع الشعب على القضاة المنتدبين في إطار المقاربة التشاركية.لكن الخطير في مسطرة الانتداب وفق مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ما ورد في المادة 37 منها التي تنص على أنه: «يمكن للرئيس الأول لمحكمة النقض أو الوكيل العام للملك لديها، كل في ما يخصه، انتداب قاض لملء فراغ بإحدى المحاكم؛ كما يمكن للرؤساء الأولين لمختلف محاكم الاستئناف والوكلاء العامين للملك لديها، كل فيما يخصه، انتداب قاض للمشاركة في تصفية قضية أو لملء فراغ بإحدى المحاكم التابعة لدوائر نفوذهم القضائية من بين القضاة العاملين بهذه الدوائر». وأسطر بخط أحمر على عبارة «انتداب قاض لتصفية قضية»، لأتساءل حول مفهوم وغاية انتداب قاض من أجل تصفية قضية ما؟ وما نوع هذه القضايا التي تستدعي انتداب قاض بعينه، وما إذا كان من شأن ذلك أن يؤثر في مسار القضية المذكورة لصالح الجهة التي انتدبت هذا القاضي؟ ويمكن في هذا الصدد أن نتذكر جانبا مما كان يحكى خلال سنوات الرصاص حينما كان يتم انتداب قضاة وأحيانا هيآت قضائية للبت في ملفات بعينها. مع العلم أنه في حالة الانتداب فان الجهة المخولة إليها توزيع العمل على القضاة المنتدبين هي الجمعية العمومية وليس جهة الانتداب، حتى لا نصبح أمام وضعية شاذة يعين فيها القضاة للبت في ملفات بعينها، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لمحاولة التأثير في استقلالهم، أو محاولة توجيه مسبق للملفات المعروضة على المحاكم.الهرمية بدل المساواة والإقصاء بدل روح المشاركةأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن مشاريع القوانين المرتقبة قد رشحت عن نظرة فئوية ضيقة تظهر بجلاء رغبة في اذكاء الهرمية داخل الجسم القضائي، وذلك من خلال الاكتفاء بنقل صلاحيات وزير العدل والحريات إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وتركيز السلطات في يده، إلى جانب تقوية جانب الادارة القضائية ومنحها سلطات واسعة وجديدة قد تؤدي إلى المس باستقلال القضاة، سيما مع إغفال أي دور للجمعيات العمومية بالمحاكم.ويظهر بجلاء وجود نية واضحة في وضع حد للحراك القضائي الذي يعيشه المغرب والذي يقوم على أساس مرتكزين رئيسيين : الدور الفاعل للجمعيات المهنية للقضاة، والدور الفاعل للقضاة الشباب، باعتبارهما عنصرين أساسيين في رياح التغيير التي هبت على المشهد القضائي، إلا أن مسودة مشاريع القوانين جاءت لتعاكس روح التغيير، فحاولت وضع حد لهذا الحراك من خلال إضافة شروط تعجيزية أمام الجمعيات، وإضافة شروط غير مسبوقة أمام القضاة «الشباب» الراغبين في الوصول الى مراكز صنع القرار القضائي أي المجلس الأعلى للسلطة القضائية وذلك باشتراط أقدمية 5 سنوات من العمل الفعلي، وهو شرط غير موجود حتى في النظام الأساسي الحالي للقضاة وللمجلس، مما يطرح أكثر من علامات استفهام حول دوافع وضع هذا الشرط الاقصائي ، فهل معضلة المجلس الاعلى للقضاء في تجربته السابقة كانت تكمن في حداثة سن أعضائه ومكوناته؟ أم في غياب ضمانات استقلاله الفعلي وغياب دمقرطة طريقة عمله؟ وهي ملاحظة غابت عن الجهة التي وضعت مسودة المشاريع المعلن عنها والتي يبدو أنها تنظر بكثير من الارتياب لتجربة الحراك القضائي الذي تقوده تكتلات القضاة بالمغرب خاصة الشباب منهم، الذين يبدو أنهم أصبحوا تيارا مقلقا، آن الأوان لاجتثاثه. بقلم:أنس سعدون, عضو نادي قضاة المغرب بأزيلالعضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية

دراسة في القانون : مشاريع قوانين السلطة القضائية والحراك القضائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قضاة غاضبون من مسودة قانونهم

دكتوراه دولة في غسل الأموال بين التشريع والتطبيق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات