عــام الـبـون في الـذاكـرة

شبح أشد قسوة من أزمتي الثمانينات والتسعينات يعيد المغاربة إلى سنوات الجوع وضعت أزمة كورونا المغاربة على شفا سقوط في دوامة ركود اقتصادي محبط، أشد قسوة من أزمتي بداية الثمانينات ومنتصف التسعينات، ويعيد بهم الذاكرة إلى السنوات العجاف المعروفة في الموروث الشعبي بـ "عام الجوع" ، و"عام بوكليب"، و "عام يرني" و"عام البون". ووشمت أعوام بعينها الذاكرة الجمعية، لما كان لها من وقع في الثقافة الشعبية، لأنها سنوات جرت خلفها حكايات أوبئة وكوارث، ومجاعات وأزمات زعزعت البنيات الاجتماعية الاقتصادية والديموغرافية، إذ مازال المغاربة يرددونها ويتذكرون من خلالها مدى قسوة الزمان أمام قلة ذات اليد، ويحذرون من خلالها الأجيال التي لا تعرف حقيقتها من تقلبات الزمن. وبالإضافة إلى أعوام الأوبئة كانت هناك سنوات القحط والجفاف كما تدل على ذلك تسمية العام و السياق التاريخي لكل عام ، إذ ركز المؤرخون على التاريخ الحديث خاصة تاريخ ما بعد منتصف القرن الثامن عشر حين ضرب المغرب جفاف قضى على الأخضر واليابس عاش خلاله المغاربة كابوس الفقر المدقع، إذ باعوا أبناءهم لإخماد نار الجوع، وكان أول عهد للعديد منهم بالسطو والتسول والبغاء، واضطر آخرون لافتراس الكلاب والقطط. ومع طول أشهر كورونا بدأ المتتبعون الاقتصاديون يدقون ناقوس الخطر، منبهين إلى أن القادم من الأيام سيكون شديد السوء، وأن على الحكومة أن تتقشف وعلى المواطنين تفهم ما يقع حتى لا نصاب بالشلل، ونكون نموذجا أسوأ بكثير لسيناريوهات اليونان والبرتغال وإسبانيا. وضيق تشاؤم المواقف الاقتصادية بسبب تراجع احتياطي العملة الصعبة واختلال الميزان التجاري وارتفاع الفاتورة النفطية، هامش الحلول التي يمكن للمغرب أن يسلكها لتخطي هذا الوضع ومواصلة تحقيق معدل نمو محترم، إذ لم تعد تخفى سوداوية وضع اقتصادي يستعجل إصلاحات ضرورية للخروج من هذه الأزمة التي تعتبر الأخطر في تاريخ المغرب الحديث. ومن أهم الحلول الكفيلة بإنقاذ البلاد، إصلاح اقتصادي يمنح الحكومة صلاحيات أوسع، وفي مقدمتها إمكانية لعب دور اقتصادي ومالي أكبر، خاصة في معترك القضاء على اقتصاد الريع، وإصلاح المنظومة القضائية ومحاربة الرشوة وخلق جو فعلي وإيجابي لتشجيع الاستثمارات الخارجية والداخلية. ويجمع المختصون على أن الوضعية الاقتصادية الحالية تسير في أفق أسوأ بكثير من وضعية 1996، التي كان فيها المغرب مهددا بالسكتة القلبية، على حد تعبير الراحل الحسن الثاني، كما أنها أفظع بكثير من الوضعية التي عاشها المغرب في بداية الثمانينات والتي بسببها طبق سياسة التقويم الهيكلي، على اعتبار أن المغرب يعيش اليوم أزمة اقتصادية واجتماعية تفرض أن تتحمل الحكومة عبء توفير تصور عملي لحل المشاكل الاقتصادية. وما يؤشر على أن الأزمة الراهنة أشد وطأة من أزمة تسعينات القرن الماضي، أن العالم لم يكن في 1995 يمر بأزمة مالية خانقة، كما أن شركاء المغرب الرئيسيين لم يكونوا يعانون وضعا داخليا وخارجيا غير مستقر مثلما عليه الحال اليوم، لذلك يبدو الوضع الحالي أشد قتامة، خاصة في ظل تراجع احتياطي العملة الصعبة واختلال الميزان التجاري وتراجع الأداء السياحي، كما أن التوقعات الخاصة بمعدل النمو آخذة في النزول بفعل تراجع الاستهلاك وتدهور النشاط السياحي في غمرة الأزمة. ياسين قُطيب

عــام الـبـون في الـذاكـرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نسـاء التـحـدي والمـسـاواة

سـنــوات عــجــاف تـنـتـظـرنا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات