الإسلام الإخواني يحرم كل ما يجهله

بوركة قال إن التوبة الفنية مستمدة من الخطاب الأصولي الذي تسرب إلى البيئة المغربية قال الباحث الجمالي عز الدين بوركة إن الوسط الفني يعاني انتشار خطاب أصولي عدواني يجرم الفن وكل الممارسات الفنية، وأضاف بوركة أن العديد من المشتغلين في الوسط الفني تلازمهم عقدة الذنب وأنهم يتعاملون مع الفن بنوع من الازدواجية. كما تحدث صاحب "ولاعة ديوجين" عن التصور الإسلامي للجسد داخل المنظومة الفنية، وعن فكرة بناء المواطن الاستطيقي وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. > تطالعنا بين الفينة والأخرى حالات لفنانين أو فنانات يعلنون اعتزالهم أو "توبتهم" عن الفن.. كيف يمكن النظر إلى هذه السلوك من الناحية النفسية والاجتماعية؟ > سأحاول ألا أتحدث من منطلق نفسي أو اجتماعي، لأن الخطاب المستعمل من قبل "الفنانين التائبين" هو بالدرجة الأولى خطاب ديني. وللأسف الشديد وبعد تسرب الأصولي والإخواني، بكل تمظهراته، وتغلغله في البيئة المغربية، خرج إلى الوجود خطاب عدواني يجرم الفن وكل الممارسات الفنية، ويتهم الفنانين بالإثم وغيره من الأوصاف والتعابير الدينية الأخرى المرتبطة بالمعصية، ما يستدعي معها التوبة، ليغفر الله للتائب ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كأن الفن معصية من المعاصي الكبرى التي توازي القتل أو "الكفر"، في الوقت الذي لا يستند خطابهم على أي نص ديني صريح، إلا آية أو آيتين تتحدث عن "اللغو"، الذي ترجموه إلى الفن، بينما هذا المفهوم لا نجد له أي ذكر في التأصيل الفقهي أو النص المقدس في البدايات الإسلامية عند التأسيس، فلو عدنا إلى حالة توبة وتبرؤ أحد الممثلين من أعماله السابقة كلها، كما حدث أخيرا، فالأمر يرتكز على الخطاب عينه، خطاب الذنب والرجوع عن المعصية، في الوقت الذي يغيب عن وعي مثل هذا المؤدي، حتى لا أقول الفنان، أن مفهوم التمثيل لم يكن دارجا في الثقافة الإسلامية أو العربية حتى يتم تحريم أو تحليله، والدليل الخطأ الذي وقع فيه ابن رشد في ترجمة التراجيديا والكوميديا وهو ينقل تراث أرسطو. > هل يمكن التمييز بين الاعتزال والتوبة؟ > في اللغة يعني الاعتزال: الفصل والابتعاد... ويتصل بالعزلة والخلوة والبقاء وحيدا مبتعدا عن الأنظار.. بينما تعني التوبة: الندم على فعل الذنب، وعقد العزم على عدم العودة إليه، والتوجه إلى الله طلبًا للمغفرة. فالأول مرتبط بالشخص وذاته، بينما المفهوم الثاني فيتعلق بالوازع الديني وفعل الندم أي وجود ذنب يستحق طلب الغفران. لهذا فحينما يستعمل مجموعة من ممارسي الفن، حتى لا أقول فنانين، خطاب التوبة عما اقترفوه من "فن"، فهم يستمدون خطابهم هذا من المرجع الديني والفقهي الأصولي، الذي تشبعوا به، وخاصة منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو ما تكرس حين سمح النظام المغربي بفتح شعب الدراسات الإسلامية داخل الجامعات وأتاح الفرصة لنشر الخطاب الديني المعادي لكل الخطابات التحررية التي جاء بها مثقفو اليسار حينذاك. فنحن لم نسمع عن فنان مغربي قرر التوبة عن فنه خلال تلك الفترة، إلا بعد أن انتشرت المذاهب والتيارات المتشددة. > إلى أي حد ساهمت الرؤية الدينية في تكريس هذا التصور الذي يرمي إلى شيطنة الفن، وبالتالي كانت عاملا في عرقلة تقدم بعض الفنون؟ > لابد من الإقرار بأن "الإسلام الجديد"، إسلام ما بعد ثورة الخميني والغزو الإخواني، يحرم ويجرم كل ما يجهله، وكل ما من شأنه أن يغذي عقل المواطن بقيم التسامح والحرية والتصالح مع الآخر، الذي بالنسبة له هو دائما عدو، بلاد الإسلام (السلم) وبلاد الكفر (الحرب). فالعامل الديني والوازع الأخلاقي الناجم عنه، يلعب دورا مهما وبارزا أكثر من الجوانب الأخرى الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية وغيرها... فالدين يغلب على كل هذه التطبعات.. فأن تكون متطبعا بالديني يعني أنك لن تدخل إلى المرحاض إلا بيمناك، ولن تعاشر زوجتك إلا في الظلام وتحت الغطاء، ولن تجالس شارب الخمر ولن تمازح الناس كثيرا، فأنت ملزم بالجدية.. وغيرها من التصرفات التي تسجن جسدك، بينما الفن هو تحرير للجسد من كل القيود، لهذا لابد من محاربته، وقد سعى "الإسلام" قديما وجديدا إلى ذلك.. فعكس المسيحية التي وظفت الفن لصالح نشر تعاليمها، فالإسلام اتكأ على الحفظ والذاكرة.. فلا مكان لحرية الجسد في النص الديني لدينا. إننا مقيدون. الجسد هو مركز الخطايا والذنوب وهو منبع الشرور والمعاصي، بالتالي لابد من تقييده والحد من حريته، فكان لابد من محاربة الفن.. وذلك ما قام به فقهاء ما بعد الغزو الإخواني عبر نشر خطابهم المعادي للفن وللحرية والتحرر، فالدين يسعى جاهدا لأسر الجسد حتى يتمكن من تحريك الشخص وسط الجماعة كما شاء، لصالح بقائه وانتشاره. لهذا تتم شيطنة الفن والفنان. > بماذا يمكن تفسير انتقال الإحساس بالذنب والخطيئة من المواطن العادي إلى الوسط الفني الذي يعيش أغلب المشتغلين فيه تحت وطأة هذا الشعور؟ > هنا أستحضر مفهوم المواطن الاستطيقي، الذي سبق أن تحدثت عنه في مناسبات سابقة، أي ذلك المواطن المؤمن بكل ما هو جمالي بمختلف تمظهراته، فنحن لم نستطع خلق مواطن استطيقي، بقدر ما صنعنا ممارسين للفن غير مؤمنين بدورهم الاستطيقي والحضاري لبناء مجتمع الغد المتصالح مع المختلف والساعي إلى الاندماج داخل المجتمع الدولي، فلم يستطع هؤلاء الممارسون للفن أن ينعزلوا عن تأثراتهم بالخطابات المعادية للفن، فهم يأتون لهذا الميدان بعقلية ربحية وسيتوبون عن الولوج إليه بعد حين، بعد أن يمحوا تلك الذنوب في زيارة إلى الكعبة والحج، وهذا مع عبرت عنه بشكل صريح إحدى مغنيات الفن الشعبي المعاصرات خلال مرور تلفزيوني لها. > على ماذا ترتكز فكرة بناء المواطن الاستطيقي؟ > هي ليست فكرة بقدر ما هي مشروع مواطن. مشروع يستهدف صناعة المواطن الإنساني المتجاوز لكل الحدود والأسوار والموانع العقائدية والدينية والإيديولوجية، وحتى السياسية والثقافية، قادر على التعايش مع المختلف والمغاير.. يتقبل الكل ولا يكن عداء لأحد.. إذ بتنا نتحدث عن المواطنة لا الوطنية أو القومية، فهي مفاهيم متجاوزة أمام المواطنة التي تعني في ما تعنيه التعايش السلمي والإنساني بين كل الأجناس والمعتقدات في انصهار ثقافي لا يلغي فيه الواحد الآخر. لهذا يأتي المواطن الاستطيقي باعتباره القادر على استيعاب المواطنة وعيشها.. مواطن واعي بشرطه الجمالي تجاه محيطه وفضائه ووطنه والأوطان الأخرى، وقادر على استيعاب مختلف الثقافات والتعايش معها، وأيضا واع بشرط وجوده بصفته فاعلا في الحضارة والتاريخ وصناعة السلم... ولن يتأتى ذلك إلا بتجاوز العقد الدينية والإيديولوجية، وبالتشبع بالقيم الفنية والإستطيقية (الكونية)، ولا أقول الجمالية بمعناها الأخلاقي الديني. أجرى الحوار: عزيز المجدوب في سطور > باحث وناقد جمالي وشاعر. > صدر له كتاب "الفن التشكيلي في المغرب: من البدء إلى الحساسية" ومجموعة من الإصدارات الشعرية منها "ولاعة ديوجين" وحزين بسعادة" و"بعيدا عن العالم". > له مقالات وأبحاث عديدة في مجال الفن المعاصر والجسد والثقافة والفكر الفلسفي.

الإسلام الإخواني يحرم كل ما يجهله

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التحقيق في انتحال صفة

محاكمة مسؤول بالعدالة والتنمية بأزرو

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات