الهوامل والشوامل : ألسنةٌ مصرية للسياسة الأمريكية!

من يريد أن يعرف ما هو الموقف السياسي الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة السياسية في مصر، اليوم، وخاصة بعد اصطدام "الإخوان المسلمين" بالنظام الانتقالي، وبداية خروجهم التدريجي من الحياة السياسية، فلن يكون في حاجةٍ إلى تَقَرِّي تصريحات باراك أوباما، أو جون كيري، أو وليم بيرنز، أو جون ماكين...، أو سواهم من أركان السياسة الأمريكية اليوم، يكفيه أن يقرأ تصريحات أيمن نور ، ومواقف محمد البرادعي وخالد داوود، ليقف على حقيقة ذلك الموقف الذي يتبلَّغه أصدقاءُ أمريكا في مصر من "الليبراليين"، مثلما يتبلّغه أصدقاؤها في "الإخوان". ولربّما كان التعبير بألسنةٍ مصرية عن ذلك الموقف أبلغَ وأفصح من اللغة السياسية الأمريكية المتعمِّدةِ الغموض على مقتضى قاعدة "الغموض البنَّاء": على نحو ما كان يحلو لجيمس بيكر أن يقول ويصف كلامه وكلام رئيسه!لن نُردِّد الاتهامات التي وجَّهها الوفديون للسيد أيمن نور، غداة انشقاقه عنهم قبل سنوات عديدة، في عهد حسني مبارك، لأنها قد تكون ظالمة، أو تنطوي على شبهات مبالَغٍ في دلالاتها، لكن الذي لا مِرْيَةَ فيه أن علاقةً وطيدةً قامت بين الأمريكيين وأيمن نور، سنوات العقد الماضي، وأن الأخير حظيَ منهم بالرعاية والحماية، وكان أداةً من أدواتهم في الضغط على نظام مبارك وابتزازه، وأن ذلك كان في أساس اعتقاله ومحاكمته وسجنه. ونذكر جميعاً كيف ثارت ثائرة الإدارة الأمريكية حين نِيلَ من أيمن نور قانونياً وقضائيّاً، وكيف تأزمت علاقاتها بالنظام المصري إلى حدّ مطالبة أصوات منها بوقف المعونات الاقتصادية والعسكرية لمصر إن لم تفرج عن أيمن نور.ومع أن "جبهة الإنقاذ" تغاضت عن تاريخ علاقته بالأمريكيين، ومنحته شرف الانتماء إليها، إلاّ أنه ما لبث أنِ انسحب وبحث له عن موقعٍ في نظام محمد مرسي، وسانده في نزاعه مع المعارضة حول الدستور والاستفتاء. ولم يكن لِلسؤال عمّا يمكن أن يجمع "ليبراليّاً" متطرفاً ب "الإخوان المسلمين" أن يتعصّى على الفهم، فلقد كان الأمرُ الأمريكي للسيد نور وحزبه، بالاصطفاف وراء النظامِ، نافذاً... وجامعاً بين قلوب المختلفين! واليوم، ها هو يُطلَب منه الشيء نفسُه في مواجهة ما بات يسميه ب "الانقلاب"، وبعنف الأجهزة الأمنية الذي وصفه بالمجزرة من دون أن يقول كلمةً واحدة عن العنف المسلّح للجماعة وحلفائها!السيد محمد البرادعي رجلٌ حديثُ العهد بالسياسة المصرية. ومع أن أحداً لا يملك الشكّ في وطنيته وفي شجاعته (أيام عهد مبارك)، إلاّ أنه شديد الحرص على أخذ مواقف أمريكا وأوربا في الحسبان. ولا يمكن، في الأحوال جميعاً، أن ننسى أن الرجل بدأ عمله السياسي - في السنوات الست الأخيرة - وخاصة قبل ثورة يناير بعامين، من مدخل التحالف مع جماعة "الإخوان المسلمين". وليس مستبعَداً أن يكون ذلك بنتيجة تفاهُمٍ بينه وبين الأمريكيين، في ذلك الحين، وإلاّ ما الذي يجمعه - وهو الليبرالي - بهم وبمشروعهم؟ كما أن استقالته من منصب نائب الرئيس المؤقت موضع اشتباه اليوم، لأنه كان شريكاً في إزاحة مرسي من السلطة، وفي وضع "خريطة المستقبل"، وفي القرار الرئاسي والحكومي بفضّ اعتصاميْ ميدانيْ رابعة العدوية ونهضة مصر! وكان، لا شك، يعلم أن التفويض الشعبي الممنوح للدولة في مظاهرات 26 يوليو، لمواجهة العنف والإرهاب، لابدّ آخذٌ البلد إلى مواجهات بالنظر إلى رفض "الإخوان" فضّ الاعتصامات سلميّاً!أمّا السيّد خالد داوود، الذي استغربتُ شخصيّاً لتكليفه بمهمة "الناطق الإعلامي" باسم "جبهة الإنقاذ الوطني" - بدلاً من حسين عبد الغني - لأسباب "غير مفهومة" (=ربّما لأنه مقرَّب من البرادعي ومن قيادة حزبه: "حزب المؤتمر"، وربما لأنه مقبول أمريكيّاً!)، فإن علاقاته الوطيدة بالمجتمع السياسي الأمريكي تعود إلى فترة عمله في الولايات المتحدة الأمريكية - كصحفي - في سنوات التسعينات والعقد الماضي. وهذه العلاقات إذا كانت أخذتْهُ إلى الانضمام إلى حزب محمد البرادعي - المقرَّب من الغرب - فهي فرضت على دوره السياسي في مصر أن يظل مراعياً، وباستمرار، المواقف الغربية والأمريكية بخاصة. وهكذا، إذا لم يكن قد طُلِب منه الاستقالة، فهو - على الأقل - افْتَرَضَ أنها في جملة المطلوب منه من دولةٍ كبرى (=أمريكا) انزعجت من خروج حليفها المصري من السلطةِ في 3 يوليو 2013، ومن تقليم أظافره في الاعتصاميْن المسلَّحيْن!ليس هؤلاء الثلاثة وحدهم مَن يتحدثون بلسان أمريكا في مصر، إذ يوجد العشرات من أمثالهم، وإنما هُم من أبرز ألسنتها. والخطورة، اليوم، أنهم ينطقون بما ينطقون به من داخل صفوف القوى الوطنية والديمقراطية! الدكتور عبد الإله بلقزيز

الهوامل والشوامل : ألسنةٌ مصرية للسياسة الأمريكية!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سليم يعانق الأثير بعد غياب طويل

منتخب السلة ينهي مشاركته الإفريقية ثامنا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات