“الكارديانات”… قانون الغاب

ذوو سوابق وعاطلون يبتزون السائقين وصمت السلطات يفضح التواطؤ يرتدون سترات ملونة تتوزع ما بين اللون الأصفر والبرتقالي، أو بذلات زرقاء، ومنهم من يكتفي بوضع "شارة ملونة" على معصمه، ويشرعون في النصب على السائقين واستخلاص أموال بدون وجه حق، فقط لأنهم قرروا محاربة بطالتهم وتحقيق الاغتناء السريع باحتراف "الابتزاز" بالاستعانة بالتهديد واستعمال القوة، مستغلين موقف السلطات التي لا تحرك ساكنا أمام اعتداءات تحولت إلى عقدة لدى سائقي السيارات الذين انخرطوا في حملة فيسبوكية "ضد مول الجيلي" لدق ناقوس الخطر . إنجاز : محمد بها - تصوير: (عبد اللطيف مفيق) بالحاج فاتح وحي السلام ومدارة الشهدية وغيرها من أحياء الألفة وليساسفة وسيدي معروف وعين السبع وسيدي مومن وعين الذئاب والمعاريف وشارع أنفا والمدينة القديمة، وغيرها من أحياء العاصمة الاقتصادية، لا بد أن يثير انتباهك عدد من الرجال والشباب وهم يرتدون صدريات صفراء وبرتقالية اللون، يستعينون بصافراتهم لإعلام السائق أنهم قادمون لاستخلاص ثمن خدمة حراسة سيارته، بينما هناك من يجري متأبطا عصا لفرض نفسه على كل سائق أراد مغادرة المكان المخصص لركن السيارات أو حتى الذي كان متوقفا بشكل غير قانوني في وضعية ثانية أو ثالثة، فكل سيارة تقف بالشارع تصبح تحت سيطرة "الكارديان السوبرمان». تذمر مواطنين «تقهرنا ولاو كثر من الطوموبيلات»، «كيتخلصو منك واخا غير توقف وسط الشانطي»، «الكريساج عاين باين فيما مشيتي يخرجو فيك عينيهم"، "غير اللي لبس جيلي اقول ليك أنا كارديان»، «واش الدولة عاجباها هاد السيبة، المواطنين كيتعرضو للابتزاز والسرقة"، «خاصك تصرف 100 درهم باش تقضي مصالحك فكازا مع هاد العصابة ديال الكارديانات حيت فيما وقفتي خاصك تخلص"، من بين العبارات التي تكشف حجم التذمر الذي يعتري أوساط السائقين بالعاصمة الاقتصادية، بسبب ممارسات إجرامية يتعرضون لها يوميا من قبل منحرفين وعاطلين نصبوا أنفسهم أشخاصا فوق القانون لتحصيل أموال ليست من حقهم. وعاينت "الصباح"، تعرض عدد من السائقين لمضايقات من قبل الحراس، الذين كان أحدهم يجري بمجرد تأكده من أن السائق سوف يتحرك من مكانه، لمطالبته بأداء دراهم معدودة مقابل خدمة لم يؤدها وليست حتى من حقه، بينما تتعرض أغلب النساء وكذا عدد من الرجال الذين لا يستطيعون مواجهة «الفتوة» بمجرد إبدائهم الرفض، لوابل من السب والتهديد بالعنف وعدم تحريك السيارة إلا بعد أداء تسعيرة تتوزع ما بين خمسة دراهم وعشرة وتصل إلى 15 حسب نوعية الأحياء والمناطق. "شرع اليد" «واش ما غاتعطلش؟"، "خلصني باغي نمشي بحالي"، "شناهي 3 دراهم واش جاي طالبك؟ إلى ماعجبكش الحال ما توقفش فالسيكتور ديالي"، من بين العبارات التي تستفز المواطنين بمختلف المدن خاصة الكبرى والسياحية، فأفراد "عصابة الكارديانات» التي تتوزع بين مرتدي "السترات الصفراء والبرتقالية والبذلة الزرقاء" نصبوا أنفسهم أصحاب الأرض والحاكمين الناهين بأمرهم، إذ ليس من حق المواطن الاحتجاج على سلوكهم الأرعن المخالف للقانون، فيكف يمكن لإنسان عاقل أن يتقبل من شخص مطالبته بأداء التوقف وسط الطريق؟ في غياب «باركينغ». ومن بين المواقف التي أصبحت تضحك أكثر مما تبكي، ما يقع يوميا لزبناء الإدارات والمطاعم والمتاجر والمخابز، فهناك من يترجل من سيارته لاقتناء خبزة فقط بدرهم وعشرين سنتيما، قبل أن يجد نفسه في مواجهة شخص يظهر مباشرة بعد تشغيل محرك السيارة لمطالبته بأداء ثلاثة دراهم، عن خدمة الحراسة التي لم يقم بها أصلا، ولعل ما وقع بالحاج فاتح حينما وجد سائق نفسه مهددا بالضرب وتكسير زجاج سيارته من قبل جانح حديث الخروج من السجن وزملائه المتوزعين على طول شارع الحاج فاتح في اتجاه إقامات الخزامى، مشهد أبلغ من أي تعليق. نساء يلتحقن بـ"العصابة" «السيبة زعمات شمكارة وعيالات لبسو جيليات ويفرضوا علينا نخلصو واخا أنا جالس فطوموبيلتي كنتسنى مرتي تخرج من المارشي»، تصريح لرب أسرة عاينته «الصباح»، وهو يدخل في نقاش حاد مع امرأة طالبته بأداء ثمن خدمة لم تقم بها، لا لشيء سوى لأنه توقف وسط الطريق لتصعد زوجته ووضع المقتنيات بالصندوق الخلفي لسيارته. «في ظل موقف المتفرج الذي تمارسه السلطات، التحقت بنادي العصابة نساء وفتيات إذ يشرعن في ابتزاز واستفزاز السائقين، بعبارة راني غير مرا تقيسني نجيب عليك سبتي، خلص ولا ما يعجبك حال"، يقول زكرياء سائق حافلة لنقل المستخدمين رفض الأداء بعدما طالبته امرأة بمنحها المال المطلوب لا لشيء سوى لأنه توقف جانبا للسماح بصعود أحد العاملين التابعين لشركة معينة. وأضاف السائق "لم يعد التسيب منحصرا في فئة الرجال بل دخلت عدد من النساء والفتيات على الخط وأعلن أنفسهن حارسات لمطالبة السائق بأداء مبلغ مقابل ركنه عربته حتى لو كان في وضعية مخالفة فكل شبر من الأرض أصبح ملكا لعصابة الكارديانات». احتلال وإتاوات «واش غاتعطل؟ إلى كنتي غاتعطل خلصني باغي نمشي"، "وراه كاع كنعرفوا القانون إلى ما عجبكش الحال ما تبقاش تحط طوموبيلتك فالسيكتور ديالي" "شاري طوموبيل بملاين صحاح وباغي تكلني فرزقي؟"..."علاش نخلص ونا وسط الطريق واش الشارع فسميتك؟" من بين الاحتكاكات اليومية التي تحولت إلى مشاهد يومية تتحول في بعض الأحيان إلى فرجة للفضوليين الذين يكتفون بالمعاينة أو مواجهات عنيفة من قبل أشخاص لا يقبلون أن يكونوا لقمة سائغة من قبل عتاة مجرمين، ما يهدد النظام العام في حال لم يتم وضع حد لابتزاز جانحين يحكمون شوارع وأزقة البيضاء وباقي المدن. «أصبحنا مجبرين على دفع إتاوات أو رسوم غير قانونية، لمتطفلين على ميدان الحراسة وكذا للمخالفين للقانون ممن يحملون رخصا مسلمة من قبل الجماعة والمقاطعات، فحتى لو كان الحارس يملك رخصة لا يحق له مطالبة السائق بدفع دراهم بمجرد توقفه وسط الشارع في وضعية ثانية أو ثالثة وليس في المكان المخصص للركن، فما بالك بفتوات كل ما يملكونه هو التهديد باستعمال القوة لكل من يفكر في مخالفة أوامرهم أو الاحتجاج على تجاوزاتهم"، يقول حسن أحد التجار الذي أعلن انخراطه في حملة "ضد مول الجيلي والكارديانات المخالفين للقانون". مشاهد احتلال خمسة شباب لشارع لا تتجاوز مساحته 600 متر أو أزقة يتناوب فيها ثلاثة أشخاص على استخلاص رسوم حراسة لا توجد في الواقع، أصبحت مألوفة دون أن تحرك السلطات ساكنا باستثناء اعتقالات في بعض الأحياء البيضاوية وفاس، في حين مازال مبتزون آخرون يمارسون جرائمهم دون حسيب ولا رقيب. من بين النماذج الموجودة بشوارع البيضاء، الحاج فاتح بالألفة، رجال من بينهم شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة ومهاجرون أفارقة ومنحرفون، بسطوا سيطرتهم على الشوارع والأزقة المقابلة للمسجد والمخبزة والسوق، إذ تم "توارث" واجهات تلك الفضاءات من قبل عاطلين استولوا عليها بالقوة وحولوها إلى مصدر رزق لتحقيق مداخيل مادية مهمة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام. حراس فوق القانون إذا كانت تجاوزات أصحاب السترات الصفراء والبرتقالية والبذلة الزرقاء، بالأحياء الشعبية بالبيضاء ومراكش والرباط وتمارة وسلا وغيرها من المدن الكبرى والصغيرة، شبيهة بأفلام الرعب، فإن الوضع نفسه أصبح مسلما به بالأحياء الراقية بالبيضاء، فبعين الذئاب الذي يحتضن أكبر "مول" بإفريقيا وفضاءات سياحية شهيرة، أصبح محرما على عدد من سائقي السيارات، الذين فضلوا مقاطعته تجنبا لمشاكل مع حراس يعتبرون أنفسهم فوق القانون وخارج دائرة المحاسبة، فهناك من الحراس من أصبح يفرض تسعيرة 10 دراهم و 15 درهما على السائق والتحكم في اختياراته الشخصية بمنعه من الركن بجانب مطعم معين إذا لم يكن من زبنائه. والأدهى من ذلك، يجد السائق نفسه في موقف محرج حينما يطالبه "الكارديان" بأداء خدمة التنظيف، التي لم يطلبها منه في الأصل، لتصبح تسعيرة الأداء تتجاوز 40 درهما، وما عليه سوى الإذعان أو الاستعداد لمواجهة مسلحة مع جانح ليس لديه ما يخسره. "خلصيني ولا ما يعجبك حال، ومرة أخرى ما تبقايش تحطي طوموبيلتك فالسيكتور ديالي"، من بين العبارات المستفزة التي تؤكد بالملموس أن عصابة الكارديانات تتحكم في الطرق والملك العمومي وتستخلص إتاوات وجبايات في تحد للسلطات المحلية والأمنية. فحراس السيارات أصبحوا "دولة وسط دولة"، ولعل ما يقع بشارع المسيرة الخضراء بالمعاريف وشارع أنفا خير دليل، فرغم أن السلطات فوتت مراكن لشركات "الصابو" إلا أن هناك من "كارديانات" يحرصون على ممارسة الابتزاز والنصب، بمطالبة السائقين بأداء دراهم معدودات، رغم مواجهتهم بتذكرة أداء التسعيرة، وإلا فسيكون مصيره السب والقذف والتهديد، باستعمال العنف، خاصة في حق من يتفادون المشاكل من الرجال والنساء المغلوبات على أمرهن، دون أن تتم مساءلة "مول الجيلي" الذي يشرعن قانون الغاب في دولة الحق والقانون. تــــواطــــؤ الـــســـلــــطــــة من بين الأمور التي أصبحت تثير تساؤلات فئات عريضة من سائقي السيارات، كيف تسمح السلطات لمنحرفين وغيرهم بشرعنة قانون الغاب وابتزاز سائقي السيارات والدراجات النارية، وانتشارهم بشكل مهول وباد للعيان، لفرض إتاوات على من يركن سيارته بملك عمومي أو حتى من يفكر فقط في الوقوف في وضعية ثانية للإجابة عن مكالمة هاتفية، أو للنزول للاطلاع على عنوان صيدلية الحراسة أو لإركاب معارفه أو ابنه. وهي المواقف التي عاينتها "الصباح"، إذ هناك جانح ينصب نفسه حارسا بمباركة من السلطات، التي لا تحرك ساكنا أمام غزواته وجبروته، فكم من سائق وجد نفسه تحت سطوة شخص من ذوي السوابق وحارس بدون رخصة، يجبره على أداء خدمة لم يقم بها وغير قانونية، وحينما يخاطبه الضحية بلجوئه لتطبيق القانون، يجيبه بثقة في النفس "راه حتا حنا كنعرفو القانون وكنعرفو السلطة واسير جري طوالك والله لا صورتي مني حاجة، خلص ولا ما يعجبك حال". ولعل ما يقع بعدد من المقاطعات بأحياء العاصمة الاقتصادية، سواء وسط الأحياء الشعبية، أو الراقية كالمعاريف، يطرح أكثر من علامة استفهام، حول من يقف وراء هذه العصابات؟ ومن يحميها من المساءلة والاعتقال في تورطها في جرائم الابتزاز والسب والقذف والنصب والاحتيال؟ ويكفي مسؤولي وزارة الداخلية مغادرة مكاتبهم والقيام بزيارات مفاجئة للوقوف على حجم الفوضى والتسيب الممارس، من قبل حراس فوق القانون، إذ هناك لافتات تتضمن الثمن المحدد من قبل الجماعة أو المقاطعة، لكن "كرديانات " يفرضون 10 دراهم و 20 درهما بكل عجرفة ومن يرفض يمنع من ركن سيارته ويتعرض للتهديد بالضرب والجرح، كما هو الحال بأحياء المعاريف وفضاءات عين الذئاب، وغيرها، دون أن تتحرك السلطة لطردهم أو متابعتهم. ومن الأمور التي عاينتها "الصباح"، لجوء بعض المنتمين إلى عصابة "الكارديانات" إلى نزع السترات وإخفائها في محاولة لعدم إثارة انتباه الشرطة، التي شنت عليهم حملات لاعتقالهم بعد نجاح الحملة الفيسبوكية "ضد مول الجيلي"، معتقدين أن الحملة تستهدف محاربة السترات وليس النصب والابتزاز الممارس، من قبل حراس غير قانونيين أو تجاوزات حراس يحملون رخصة مسلمة، من قبل المقاطعة التي يقعون تحت دائرة نفوذها. "ماعرفناش واش حنا فدولة المؤسسات ولا فغابة يأكل فيها القوي الضعيف؟ ما موقف السلطات من عصابة تمارس النصب والابتزاز على سائقي السيارات وحولت حياتهم اليومية إلى جحيم لا يُطاق؟"، يقول سعيد موظف بشركة للمعلوميات. وأضاف المتحدث نفسه "حتى الأشخاص الذين يملكون رخصة لا يحق لهم مطالبة أو إلزام السائق بدفع تسعيرة خدمة ليست موجودة في الواقع، فكيف يعقل أن يطالبك حارس بأداء تسعيرة التوقف في وضعية ثانية وثالثة؟ أو حتى للإجابة عن الهاتف؟ ولماذا لا تتحرك السلطات المعنية لمحاربة منحرفين وذوي السوابق نصبوا أنفسهم مكان الدولة لاستخلاص مبالغ مالية من راكني السيارات بدون موجب حق؟".

“الكارديانات”… قانون الغاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

طاهرة تستعد لإطلاق "تخوفني"

العصبة والجامعة تستعطفان الرجاء والوداد

مقالات ذات صلة