فرحة العيد … “بابا شري ليا حولي كرونو كبار”

جملة مؤلمة نزلت مثل صاعقة على عبد الله الصباغ الذي فقد عمله بسبب كورونا وهجرته زوجته مرغما، يصحب عبد الله ابنه (7 سنوات)، في التوقيت نفسه من كل مساء، إلى السوق المؤقت لبيع الأضاحي في الساحة المقابلة للفضاء التجاري الـــــــــكبير. يقطع عبد الله المسافة بين منزله و”سوق الحوالى” مشيا غير مبال بنزق ابنه الذي يحث الخطى ويضغط على كف والده، من أجل الوصول، في أقرب وقت ممكن، إلى مكانه المفضل قرب الخيمة البلاستيكية. يفرج عبد الله عن ابتسامة صغيرة في وجه ابنه، ويمرر يده على رأسه برفق ويواصل المسير، وهو يعرف أنه لا يملك أية حيلة، في هذه اللحظة على الأقل، غير تلبية رغبات طفل، مثل باقي الأطفال الذين يمثل عيد الأضحى لحظة فرح لهم والاقتراب أكثر من حيوانات بريئة لا يرونها عادة إلا على شاشات الهاتف والتلفاز، أو الكتب المدرسية. يتفقد عبد الله للمرة الرابعة إشعارا بقطع التيار الكهربائي. يسحبه من جيبه، يقرأه من جديد، ثم يعيده إلى مكانه، دون أن يستطيع استكمال الرقم الموجود ما بعد فاصلة 700 درهم، تراكمت عليه في ثلاثة أشهر الأخيرة. يصل الابن أمام الخيمة البلاستيكية البيضاء، ويجد مكانا له قرب أطفال صغار يفصل بينهم وبين قطيع الأغنام من نوع الصردي حاجز (عمود خشبي). يضع الطفل قدمه على حجر حتى يستطيع رؤية المشهد بوضوح، بينما تنحى عبد الله جانبا، ورمى بجسده تحت ظل الشجرة الوحيدة أمام الفضاء التجاري. أعاد عبد الله سحب ورقة “الضو”، ومعها هذه المرة ورقة من مسؤوله في العمل (صباغ في شركة للمناولة) يطلب منه فيها بلغة إدارية مختصرة البقاء في المنزل إلى حين انفراج الأزمة، ثم انتظار هاتف من السكرتيرة لإخباره بالجديد. لم يأت الاتصال، ولم يعد المسؤول يجيب على مكالمات عبد الله، ولم يتسلم أي حصة من الحصص الجزافية المسلمة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بعد أن اكتشف أن الشركة التي التحق بها قبل سنتين لم تلتزم بأداء واجباتها. دارت الأرض بعبد الله، منذ نهاية أبريل الماضي، حين أخبره موظف في إدارة صندوق الضمان الاجتماعي أن لا حق له في الاستفادة من حصة 2000 درهم، لعدم وجود اسمه ضمن المصرح بهم خلا السنتين الأخيرتين. في مساء اليوم نفسه، سمع طرقا في الباب، حين فتح كان أمامه صاحب المنزل الذي مده بالوصولات المتأخرة، وأعطاه مهلة 15 يوما لتدبر واجب شهرين متأخرين، مع تلميح بأنه يبحث عن مكتر جديد. لم يتوقف شريط الذكريات الذي كان يمر مؤلما بجميع تفاصيله، أقواه الشجار العنيف مع زوجته التي حملت ابنتهما (5 أشهر) ورحلت غاضبة عند والدها بضواحي ابن أحمد. لم تقتنع الزوجة، ذات ليلة صاخبة، بجميع دفوعات عبد الله وكيف توقف عن العمل ووجد صعوبة في العثور على عمل بديل، إذ انتظرته حتى انتهى ورمت في وجهه جملة مثل رصاصة “ومللي مقادش على الزواج والولاد، علاش كطير”. بين ذكرى سيئة وأخرى أسوأ، غفا عبد الله تحت الشجرة، لم يوقظه إلا صوت ابنه “بابا..بابا..نوض شريا هاداك الحولي للي كرونو كبار وعينيه كحلين”. يوسف الساكت

فرحة العيد … “بابا شري ليا حولي كرونو كبار”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأضحى ... حكايات أعياد ملغاة

الأسر ... العين بصيرة واليد قصيرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات