القرابة العائلية لا تـكفي لخلق تجربة فنية

الفنان عبد القادر البدوي يتحدث عن خصائص تجربة "مسرح البدوي" واستمراريتها وعوائقها يرى الفنان عبد القادر البدوي أن الرابط العائلي في التجارب الفنية يكون عاملا على نجاح بعض هذه التجارب دون أن يعني أنه ناجح بشكل مطلق. وأضاف قيدوم المسرحيين المغاربة أن الكلمة الفصل في هذا الشأن تكون للموهبة والرغبة وأنه لا سبيل إلى توجيه شخص إلى هذا المجال. وتحدث مؤسس تجربة "مسرح البدوي" عن الصعوبات التي لاقاها في ضمان استمرارية التجربة من خلال أبنائه الذين حرص على تكوينهم وتعليمهم أكاديميا حتى يواصلوا حمل المشعل بنَفَس وروح جديدين. هل تعتبر مسألة وجود "عائلات فنية" أمرا مخططا له من طرف عناصر هذه العائلات أم أن المسألة محض صدفة؟قد يكون الأمر مخططا له، فالرابطة العائلة في الفن تجعل العلاقة الفنية تكون أقوى وأمتن، لكن لا يكفي الرابط العائلي ليكون الشخص مؤهلا لاقتحام مجال الفن الذي هو مجال تكون الكلمة فيه للموهبة والتكوين وكذلك الرغبة، وهو الأمر الذي كان بالنسبة إلى أفراد عائلة البدوي الذي لم يكن كل أفرادها بالضرورة فنانين، وإن تمنيت ذلك، إذ في الفترة التي أسست فيها لتجربة البدوي لم يكن هناك في عائلتنا له القابلية والموهبة لدخول عالم الفن سوى شقيقي عبد الرزاق، الذي بدأ معي، علما أنه كان لنا هناك شقيق آخر هو عبد الرحيم لم تكن طريقه هي الفن رغم أنه كان مهتما ومواكبا لتجربتنا الفنية إلا أنه فضل أن يبني حياته بشكل مستقل، إلا أن تجربة "مسرح البدوي" كواحدة من التجارب المسرحية الرائدة إلى جانب تجارب أخرى كانت موازية ولها بصمتها وحضورها الخاصين مثل عائلة الصديقي، ظلت مستمرة من خلال تجربة أبنائي الذين حرصت على تكوينهم وتأهيلهم ليواصلوا حمل المشعل، ويكملوا ما بدأناه لكن هذه المرة ليس على قاعدة القرابة والموهبة فقط، بل بالتكوين الأكاديمي والدراسة وأتحدث هنا عن محسن وحسناء وكريمة. هل كان توجيه منك للأبناء ليواصلوا الطريق أم أن الأمر من اختيارهم؟لو لم ألمس فيهم الرغبة وحب الفن، ما كنت أقدمت على توجيههم نحوه، فضلا عن أنه من الطبيعي أن يتوجهوا له ما داموا فتحوا أعينهم في بيت فني، إذ كنت حينها في أوج فترة ازدهار التجربة المسرحية، فضلا عن أن البيت كانت به خزانة ضخمة للكتب التي تتناول تاريخ الفن بشكل عام والمسرح على وجه التحديد، فدرجوا على مطالعتها والنهل منها الشيء الذي أكسبهم القدرة على الانخراط في الحركية التي كانت تميز المشهد الثقافي والفني بالمغرب خلال فترات معينة، لهذا ارتأيت أن مستقبل التجربة وضمان استمراريتها سيكون معهم، لذلك حرصت وضحيت من أجل أن يدرسوا ويتعلموا حتى ولو كلفني الأمر أن أظل في شقة مكتراة إلى يومنا هذا، إذ كل واحد من أبنائي اختار التخصص في مجال معين وانتقل كل واحد منهم إلى دولة معينة، فمثلا حطت ابنتي كريمة الرحال بأرض الكنانة فالتحقت بأكاديمية الفنون الدرامية بالقاهرة، أما حسناء فاختارت الولايات المتحدة الأمريكية لتحضر شهادة الماستر في المسرح العالمي، في الوقت الذي بدا على ابني محسن ميول خاص للسينما وهو الشيء الذي دفعه إلى الالتحاق ببلجيكا لدراسة الإخراج السينمائي، على أساس أن يعودوا إلى أرض الوطن ويقدموا شيئا له ولتجربة "مسرح البدوي" لإغنائها ما اكتسبوه خلال مرحلة الدراسة. هل تعتقد أن المجهود الذي بذلته في تعليم الأبناء لضمان استمرارية التجربة أتى أكله، أم أن هناك عراقيل واجهت التجربة؟فعلا كانت هناك عراقيل كثيرة بدأت خلال مرحلة تمدرسهم، فأن تشرف على تعليم ثلاثة أبناء كل واحد يدرس بقارة معينة قضوا فيها ما لا يقل على عقد من الزمان، أمر كان مكلفا من الناحية المادية والمعنوية، لكن ذلك لم يكن مهما، بل المثير هو أنهم عندما عادوا إلى بلدهم الأصلي بتوجيه ونصيحة ملكية، إذ سبق لابنتيّ أن التقيا جلالة الملك الذي نصحهما بضرورة العودة إلى أرض الوطن وتوظيف خبرتهما بما ينفع الحركة الفنية المغربية، لكن فوجئنا بأن المسؤولين في هذا البلد يعاكسون الرغبة الملكية وعطفه، إذ كان قدر تجربة مسرح البدوي أن تظل محاصرة من طرف المسؤولين في وزارتي الاتصال أو الثقافة والتلفزيون المغربي، ويضرب عرض الحائط تاريخ التجربة ومسار مؤسسها ويتعاملون معي ومع أبنائي بما لا يليق بوضعنا كفنانين نحاول تقديم شيء لهذا البلد ولا نريد جزاءا ولا شكورا من وراء ذلك بل فقط أن نؤدي رسالتنا الملقاة على عاتقنا، في الدفاع عن الفن الملتزم والهادف وتجنيب الساحة الفنية ما سقطت فيه من ابتذال وتمييع على كافة المستويات. كيف حددتم المعالم والخطوط العريضة لاستمرارية تجربة "مسرح البدوي" مع أبنائك؟أود أن أشير إلى تجربة "مسرح البدوي" التي انطلقت قبل أزيد من ستة عقود، وتخرج منها عشرات الممثلين الذين أفادوا واستفادوا من التجربة، هي الآن مستمرة عبر فرعين أساسيين أحدهما يمثله شقيقي عبد الرزاق البدوي الذي اختط لنفسه منهجا خاصا ما زال يواصل السير فيه، فضلا عن التيار الذي يواصل فيه أبنائي بتقديم أشهر المسرحيات التي ميزت ريبيرتوار التجربة، أو الاشتغال على مسرحيات جديدة، لكن للأسف لم يعد المناخ مشجعا للاستمرار لا في المسرح ولا في التلفزيون الذي أصبحنا غرباء عنه رغم أنني كنت واحدا من مؤسسيه وقدمت فيه أعمالا كثيرة زمن المباشر، فأصبحت أشعر بنفسي وكأنني اسم محظور، لا لشيء سوى لأني أدافع عن ترسيخ التجربة الوطنية والدفاع عن الهوية المغربية في الفن. أجرى الحوار: عزيز المجدوب

القرابة العائلية لا تـكفي لخلق تجربة فنية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أولاد البوعزاوي... التراث أساس النجاح

عائلة الجندي عاشقة التمثيل والإخراج والتأليف

مقالات ذات صلة