إن الـدعـوة إلـى المحاكمة عن بعد الـتي دأبـت عـليها بعض المحاكم هـــذه الأيام، يـــجب أن تـــكون ضـرورة مسـتمرة وليس ضـرورة اسـتثنائـية، وقـد تـكررت تـلك الـدعـوة زمـن انـتشار مـرض جـنون الـبقر، وزمـن إنــفلونــزا الــطيور، وزمــن إنــفلونــزا الخنازير ســابــقًا، وحـالـيًا إنـفلونـزا كـورونـا، ويـبدو أن الـقائـمة مسـتمرة وستطول. أدى تفشي وباء كورونا بالمغرب، وببعض السجون خاصة، الى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة من طرف المؤسسات المعنية بقطاع العدل في المغرب، و ذلك بتعميم تقنية المحاكمات عن بعد، قصد تحقيق عدة نتائج إيجابية من قبيل السرعة في معالجة الملفات خاصة تلك التي تمس بحرية المعتقلين الاحتياطيين، حيث يحول اعتماد هذا الأسلوب المستحدث دون تأخير الملفات، ودون منح بعض الآجال التي تستغل أحيانا بسوء نية لتطويل أمد المحاكمات، فضلا عن تحقيق نتائج على مستوى ترشيد الزمن القضائي، ناهيك عن الأهداف الأمنية كلما تعلق الأمر بنوعية من القضايا تحظى بتتبع واسع من لدن الرأي العام. ان التفكير في الحفاظ على سلامة القضاة وهيئة كتابة الضبط والمحامين بمحاكم المملكة والاداريين والضابطة القضائية والموقوفين هو الهدف الأسمى في تدبير هذه الأزمة، وكذلك توفير كل الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة، من خلال المحاكمة عن بعد، مما سيمكن من التسريع في منظومة البت في قضايا الموقوفين في الإبان. ان تحليلنا لكل هذه القرارات، سيكون من منظور علمي تقني محض، ومن خلال هذا التقرير سوف نحاول فهم هل حان وقت تنزيل اجراءات وتدابير المحاكمة عن بعد؟، وهل المحاكمة عن بعد تعتمد على قرارات قانونية وقضائية فقط لا غير، أم هناك قرارات اخرى مهمة بنفس الدرجة؟ 1-حماية البيانات بمحاكم المملكة والتقاضي عن بعد: اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تدرك الإدارة القضائية الأهمية الاستراتيجية للبيانات وتعتبرها أحد أصول الادارة التي يجب إدارتها وحمايتها مثل أي أصل آخر. نظرًا للأهمية الاستراتيجية للبيانات، حيث ان وزارة العدل منذ انخراطها في هذا الورش الكبير أي المحكمة الرقمية بلغ مجموع الملفات بجميع محاكم المملكة ما يقرب عن 2.901.975 برسم سنة 2018 ، و ان أحد أبرز آثار المحكمة الرقمية هو تضخم المعلومات الهائل، والذي يحدث باضطراد مستمر، حيث أصبحت مخازن البيانات وقواعد البيانات التي تعتمد عليها أغلب النظم والتطبيقات بمحاكم المملكة، أصبحت ممتلئة بكم كبير وضخم من البيانات المهمة، ونستطيع القول فعلاً أن البيانات لا تنام ولا تتوقف عن النمو، مع هذا النمو في البيانات، أصبحنا أمام تحدي كبير يتمثل في كيفية حماية هذه البيانات المُخزنة، من التهديدات و الهجمات السيبرانية سواء داخلية أو خارجية. يجب ان نعلم ان التقاضي عن بعد، وخصوصا عقد جلسات عن بعد، هو استعمال الشبكة العامة (الأنترنيت) وبرامج معلوماتية لشركات خارجية (Skype وzoom وتطبيقات أخرى) وهي قابلة للاختراق، وبالتالي اختراق المنظومة المعلوماتية للمحكمة، والوصول الى قاعدة البيانات (اعتذر عن عدم توضيح الباقي لكي لا يحسب هذا المقال دليل اختراق أجهزة المحاكم، و عدم السقوط في افشاء السر المهني). 2-جاهزية المحاكم والمنظومة القضائية لتفعيل المحاكمة عن بعد: ان تفعيل المحاكمة عن بعد لا تقتصر فقط على ما هو قانوني وقضائي وحقوقي فقط، وأيضا على توفير التجهيزات المعلوماتية والأنظمة المشهورة في التواصل الرقمي بالمحاكم والمؤسسات السجنية، بل أساس الجاهزية لتفعيل المحاكمة عن بعد هو توفير أمن معلوماتي للبيانات وكذا لسرية القضايا الحساسة. يجب ان نعلم، أن الأمن المعلوماتي هو هاجس أي منظمة سواء حكومية أو غير حكومية، ونحن في سنة 2020 أصبحت الجرائم السيبرانية هي المسيطرة على الشبكات العمومية، ونقصد بالأمن المعلوماتي الذي يجب ان يتوفر في محاكم المملكة والسجون وأيضا بجميع الأجهزة المعلوماتية لهيئة الدفاع، هو أمن الوسائط المعلوماتية (Physical Security)، أمن الشبكة الخاصة (Network Security)، أمن النظام المعلوماتي (System Security)، أمن التطبيقات (َApplication Security) وأمن المستعمل (User Security). وبهذا فان نقص أي عنصر من هذه المجموعة الأمنية، تعتبر المنظومة غير جاهزة لاستقبال أي نشاط معلوماتي كيف ما كان نوعه. كذلك لا ننسى ان تكوين جميع المتدخلين في المحاكمة عن بعد جد مهم، وخصوصا في مجال الأمن المعلوماتي للقن السري وللمعطيات الشخصية لكي لا تستغل في جرائم الهندسة الاجتماعية، و ان جاهزية المحاكم و باقي المؤسسات المتدخلة هو شرط أساسي لتفعيل المحاكمة عن بعد، و خصوصا انه يجب الاستفادة من كفاءة أطر الموارد البشرية بالإدارة القضائية في هذا المجال الذي هو أساس تفعيل الحاكمة عن بعد. وأخيرا ان أهمية علم التكنولوجيا بصورة عامة والأمن المعلوماتي بصفة خاصة في ميدان اتخاد القرار على مستوى المؤسسات ذات الطابع القانوني أو الاقتصادي، بل أصبح هناك تداخل بين التكنولوجيا والبحث والتطوير والميدان القانوني، فأسفر ذلك استعمال وسائل وبرامج متطورة من أجل معالجة المشاكل التي تواجه المحاكمة عن بعد، ولا ننكر أن واقعنا اليوم يعطي علم التكنولوجيا امتياز الى جانب القانون. خلاصات: • حماية البيانات بمحاكم المملكة هو الهاجس الأول. • برامج التواصل المرئي للشركات الخاصة وشبكة الأنترنيت تشكل تهديدات خارجية حقيقية. • هيئة كتابة الضبط الضامن الوحيد لنجاح هذا الورش. • المحاكمة عن بعد ضرورة وليس استثناء. • تفعيل المحاكمة عن بعد ونجاعتها، رهين بجاهزية المحاكم ومنظومة العدالة ككل. التوصيات: - اخراج مسطرة جنائية رقمية لحيز الوجود. (مستقلة) - اخراج مسطرة مدنية رقمية لحيز الوجود. (مستقلة) - انشاء نظام المحاكمة المرئية خاص بوزارة العدل يهتم بتدبير وتسيير المحاكمة عن بعد. - يجب على وزارة العدل الاستفادة من كفاءة هيئة كتابة الضبط والبنية التحتية المعلوماتية للإدارة القضائية في تفعيل التقاضي عن بعد. - اتخاذ تدابير احترازية أخرى الى حين جاهزية المحاكم باستقبال الجلسات عن بعد. - انشاء مختبرات للبحث والتطوير في مجال الأمن المعلوماتي بوزارة العدل. - تجويد تكوينات الموارد البشرية لقطاع العدل بما يوافق المستجدات. رشيد أشنين: منتدب قضائي بالمحكمة الابتدائية بكلميم – النيابة العامة - باحث في علوم البيانات والتحليل الجنائي الرقمي