بومر: نصائح نفسية في زمن الكورونا

يعيش العالم حالة استنفار قصوى أمام تزايد عدد المصابين بفايروس كورونا المستجد، وذلك بالرغم من الإجراءات الاحترازية التي أقدمت عليها دول العالم، على غرار المغرب الذي فرض حالة الطوارئ كآلية استباقية من أجل التصدي ومواجهة تفشي هذا الوباء. فأمام حالة الحجر الصحي، والارتفاع المستمر في عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفايروس؛ أصبحنا اليوم أمام تفشي الخوف، القلق والوسواس القهري بين أفراد المجتمع؛ مما فرض انخراطا طوعيا لمجموعة من الأخصائيين قصد تقديم يد العون، والمساعدة على التقليل من حدة الكلفة السيكولوجية السلبية التي أنتجتها الوضعية الراهنة. إن طريق الوصول إلى هذا المبتغى ليس بالأمر اليسير، وفي نفس الوقت أمرا غير مستحيل؛ فتحقيقه، يستدعي بداية انخراطا لا مشروط في الإجراءات الاحترازية المتخذة، وإحكام نوع من الحكامة عند التعامل مع معطى معرفي جديد، بُني من خلال مجموعة معطيات علمية وصحية دقيقة. إن التخفيف من حدة تأثير الكلفة السيكولوجية، يُلزم بانخراط طوعي لا مشروط كذلك لجميع أفراد المجتمع، وذلك عبر الالتزام مع الذات في البحث عن أية معلومة تخص الوضع الوبائي الراهن مرة واحدة في اليوم كحد أقصى؛ أي أن معاودة البحث عن إحصاءات أو مستجدات تخص الوباء، لن يكون مسموحا به إلا بعد مرور 24 ساعة عن آخر بحث قمت به؛ فالتكرارية في البحث يعد سلوكا محفزا لظهور انفعالات الخوف الزائد والقلق. أما فيما يخص الجانب التواصلي، ومع توفر وسائل التواصل المختلفة، فإن أفراد المجتمع أمام حتمية الانخراط في مختلف العمليات التواصلية كإجراء عملي يهدف إلى تحسين جودة العلاقات بين الأفراد (العائلة، الأصدقاء...إلخ). كما أنها آلية مهمة، تتيح إمكانية استدراك كل ما كان يشوبه نقص، وكل ما كان يأخذ له عذر قبل الدخول في الحجر الصحي (قلة الوقت للتفاعل مع الأبناء؛ عدم وجود مساحة زمنية وجو معين بعيد عن حالة التوتر التي تحول دون التخطيط الرزين للمستقبل المهني، العائلي، العلمي...إلخ). وفي ظل ظرفية الحجر الصحي، يبقى أمر إغفال الصحة البدنية غير محبذ؛ فاتخاذها كعائق يحول دون ممارسة التمارين الرياضية، أو حاجز يبرر التخلي عن تعريض الجسم لأشعة الشمس بشكل يومي، أمر غير مسموح بحدوثه لاعتبارين مهمين، ومبررين اثنين: أولها، أن السلوكين ممكنا التطبيق والأجرأة من داخل البيت. وثانيها، أن للسلوكين معا منافع صحية، وانعكاسات نفسية إيجابية على جسم الإنسان. في نفس السياق، يبقى الالتزام بالتغذية الصحية السليمة للأطفال والكبار أمر حتمي، وفرصة يستحسن استثمارها بالنسبة للمراهقين مثلا في التعلم، وتطوير مجموعة من الكفاءات؛ فالطبخ كفاءة يُلزم توفرها في مستقبل المراهق، نظرا لحاجته إليها في المستقبل، وحين يصبح ملزما بالاستقلالية عن العائلة لهدف معين (الدراسة، تأسيس حياة مهنية...إلخ). كما أن هذه الفترة من الحجر الصحي، يمكن الاستفادة منها بالنسبة لفئة المتزوجين قصد تجويد الحياة الزوجية وتلطيفها. إلا أن الأمر يتطلب تحقيقه انخراطا من الطرفين، ووعيا منهم بأن المرحلة أصبحت تفرض أكثر من أي وقت مضى تفعيل مبدأ الحياة التشاركية التي تُلزم بالتعاون والتكتل والتماسك. وعلى هذا الأساس، فجميع الأزواج أصبحوا مدعوين للاستفادة من هذه الفرصة التي أتيحت دون سابق إنذار؛ فالزوج مثلا أصبح مدعو وبقوة إلى مشاركة لا مشروطة وطوعية لزوجته في الأعمال المنزلية هادفا من ذلك تقوية جأش الرابطة الوجدانية. إن التخفيف من حدة نوبات القلق والهلع التي تصيب الأشخاص بسبب كورونا، يتطلب التقيد بجميع الإجراءات التي سبق التطرق إليها، والتي من شأنها المساعدة على التدبير الصحيح للوضعية الاستثنائية التي نعيشها في الوقت الحالي. إلا أن الأمر هنا يحتاج إلى بعض من التأكيدات بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الوسواس القهري. أولها، أن جميع أنواع الوساوس القهرية من المنتظر أن تجعل المصابين بها أكثر حساسية في هاته الفترة، وذلك بالنظر لما يطبع المصاب من توجس دائم وأفكار استباقية تساهم في استثارتها، وتسبب لديه هيجانا ذهنيا ينعكس في سلوكات تكرارية وقهرية. لذا وجب إبعاد جميع المصابين دون استثناء، وبخاصة أولئك الذين يعانون من اضطراب وسواس النظافة عن الخروج لقضاء الأغراض الضرورية في الوضعية الحالية قبل انفراج الكربة، ولجوءهم بعدها إلى العلاج النفسي. ثانيها، ينبغي إبعاد المصاب بشكل كلي عن مصادر الأخبار، مع ضرورة إخطاره بالأمر قبل ذلك، ثم إنه سيكون ملزما بتحديد شخص معين له مكانة خاصة لديه، ويكون مصدر ثقة وأمان لأجل تكليفه بمهمة تزويده بالمعلومات المتعلقة بالوضعية الوبائية في حالة طلبها مرة كأقصى تقدير في اليوم. يضاف إلى ذلك ضرورة اللجوء إلى الأنشطة المشتركة، وتوظيف جميع الأنشطة التي تهدف عموما إلى محاربة أوقات الفراغ، والمثيرة للمشاعر الإيجابية لديه. أما إذا كان المصاب في مرحلة يتبع فيها وصفة طبية معينة، فسيكون ملزما بجميع التوجيهات الطبية، وجميع التوصيات التي قدمت إليه من جهة الطبيب المشرف على حالته، كما يجب أن يكون حريصا على تناولها في الوقت الذي حدد لها. أما فيما يخص الطفل، فيجب أولا تمكينه من المعلومة حول الوضعية ومتطلباها، مع ضرورة تزويده بجميع الشروحات اللازمة والمتناسبة مع مرحلته العمرية عن طريق الأبوين، ثم العمل على اقناعهم بفكرة المكوث في البيت، والتزام قواعد النظافة والسلامة الصحية دون تضخيم أو تهويل. في حين أن الأبوين ملزمين بحكم موقعهم بتحمل مسؤولية إبعاد الطفل عن جميع مصادر الأخبار والمعلومات، ودفعه إلى التركيز أكثر على الاستمرار في نشاطه الدراسي، وذلك وفق جدول زمني مضبوط يجمع بين الراحة والنوم المنتظم والتغذية المتوازنة، إضافة إلى ممارسة الأنشطة المدرسية والهوايات الجانبية (الرسم، الغناء، المطالعة…إلخ)، كما نجد مسؤوليتهم تمتد وتصل درجة العمل على إشراك الطفل في الاهتمامات المشتركة لأفراد الأسرة (الحوارات الهادفة، المساعدة في الطبخ، في التنظيف...إلخ). ما من شأنها أن تقلل من مخاوفه، وتملأ فراغه، وتنمي كفاءاته. كلها إجراءات عملية يمكن الاعتماد عليها مؤقتا للتخفيف من حالة عدم التوازن الداخلي، وكذا من حدة المعاناة النفسية التي يمكن أن تلحق بالأشخاص نتيجة لحالة الضغط التي يتعرض إليها بشكل يومي ومستمر. محمد بومر: أخصائي نفساني

بومر: نصائح نفسية في زمن الكورونا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مجلس المستشارين يدخل مرحلة ترشيد النفقات

تفكيك عصابتين تروجان المخدرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات