أفارقة عوضوا الهجرة إلى أوربا بالاستقرار في المغرب

غالبيتهم من مالي والسنغال وغامبيا وغانا وبعضهم يشتغلون في قطاعات غير مهيكلة دون وثائق قانونية كلما ضاقت الأرض بما رحبت على أهلها في بعض دول إفريقيا وانعدمت خيارات الحياة، حيث الموت يتربص بمواطنين من كل الجهات، جراء الفقر أو المجاعة، وفي أحيان كثيرة بسبب الحروب اللامنتهية في عدد من بلدان القارة السوداء، يكون الخيار الوحيد الهروب إلى حيث الحياة، إلى الشمال، إلى ما وراء البحر الأبيض المتوسط، إلى أوربا.. فلا يدخر المهاجرون الأفارقة وسيلة للوصول إلى أحد بلدان الإلدورادو الأوربية، غير أنه، ولأسباب عديدة، ينتهي المطاف بهؤلاء التواقين إلى حياة أفضل، في المغرب، حتى أصبح وجودهم ظاهرا للعيان. يتجولون في شوارع وأزقة مدن المملكة، يتسولون بعض الدريهمات أو يبيعون ملابس ومستحضرات تجميل أحضروها معهم من بلدانهم.المهاجرون الأفارقة في المغرب بغرض العبور إلى الضفة الشمالية في ازدياد مهم، فمن هم؟ ومن أين أتوا؟ وكيف تحول المغرب من بلد عبور إلى محطة استقبال؟ «ماما.. ان ديرهام سيلفوبلي».. تكاد لا تخلو المحطات السككية، وحتى الطرقية من أفارقة متحدرين من جنوب الصحراء. ذكورا وإناثا، يجوبون مداخلها ذهابا وإيابا، يستجدون الوافدين والمغادرين بعبارات بفرنسية ركيكة، علهم يجودون عليهم ببعض الدريهمات، فلم يعد وجود المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء يخفى على أحد، يتوزعون في الأحياء الشعبية في انتظار فرصة عبور إلى أوربا التي كثفت دولها قوانينها وإجراءاتها القاضية بتقييد الهجرة، ما يضع أحلام آلاف المهاجرين في كف عفريت.من بلد عبور إلى بلد إقامةحتى حصوله على الاستقلال، ظل المغرب، أساسا، بلدا للاستقبال، إذ كان لنظام الحماية دور في تشجيع حركة هجرة من فرنسا وإسبانيا. وتشير الإحصائيات المتوفرة بالنسبة إلى سنة 1952، التي خلص إليها بحث أجرته الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث حول الهجرة (النسيج الجمعوي المغربي وقضايا الهجرة)، إلى وجود 529 ألف أجنبي في المغرب، 325 ألفا، منهم مواطنون فرنسيون، وعند الاستقلال، كان هناك حوالي 85 ألف مواطن إسباني يعيشون في المنطقة الخليفية في الشمال، و50 ألف أجنبي في مدينة طنجة لوحدها.وبعد الاستقلال، شرع الأوربيون في مغادرة البلاد، واستمرت الأمور في هذا الاتجاه في الستينات والسبعينـــات، حيث حدث نوع من الاستقرار في عدد الأجانب، قبل أن تنطلق هجرة معاكسة همت مغاربة التحقوا في الفترة ذاتها بإحدى الدول الأوربية. خلال هذه الفترة، وفضلا عن معظم الأجانب المقيمين في المغرب الذين كانوا في وضعية قانونية يشتغلون بمختلف القطاعات (الطب والصيدلة والهندسة والتجارة والصحافة...)، بدأ يتوافد على البلد أجانب يقيمون فيه بطريقة غير شرعية، ينتمون، أساسا، إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، إذ شكل المغرب بالنسبة إليهم بلدا للعبور في اتجاه إحدى دول أوربا المغرية بأنماط الحياة بها وفرص العمل وتحسين ظروف العيش التي تعذرت عليهم في بلدانهم الأصلية، إما بفعل الفقر أو الحروب الأهلية.ولأنه، على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، أصبحت محاربة الهجرة السرية أحد الثوابت الرئيسية في الخطاب السياسي، وأيضا على مستوى الممارسة، إذ تسعى دول الاتحاد الأوربي إلى تفويض مهمة الحد من هذه التدفقات البشرية إلى دول العبور، جعل هؤلاء المهاجرين الذين عملوا على اجتياح الصحراء بمختلف الوسائل بغية الوصول إلى المغرب، محاصرين في أقصى شماله، لا هم قادرون على العبور إلى ما وراء المتوسط، ولا العودة إلى بلدانهم الأصلية محملين بخيبة أمل وإحساس عميق بالفشل في الحصول على «فرصة حياة».التوجه الأوربي نحو تعزيز الإجراءات الأمنية ومراقبة الهجرة غير القانونية، الذي يبدو من خلال الإجراءات المتخذة والتدابير التي تم وضعها من طرف الاتحاد الأوربي جعلت المغرب دركيا لأوربا، يدرأ عنها تدفقات المهاجرين السريين، بل تحول إلى منطقة عازلة يتم بها تحديد مصير المهاجرين بعد أن دفع الاتحاد الأوربي، جراء سياسته في مجال الهجرة، حدوده الجغرافية إلى شمال إفريقيا.نتيجة لذلك، يتحول المغرب تدريجيا من بلد عبور إلى بلد إقامة مؤقتة، تأخذ في بعض الأحيان طابع الإقامة الدائمة، بعد أن وجد عدد كبير من المهاجرين من جنوب الصحراء أنفسهم قيد «الإقامة الجبرية» في المغرب.الهجرة إلى المغرب في ازدياد مضطردنظرا لأن من الصعب تقييم الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء وإعطاء إحصاءات دقيقة حول أعداد المهاجرين الوافدين على المغرب، تباينت الأرقام والإحصائيات الدالة على حجم هذا النوع من الهجرة، إذ يقدر عدد المهاجرين المتحدرين من جنوب الصحراء بحسب مديرية الهجرة ومراقبة الحدود بحوالي 10 آلاف شخص، فيما تقدر جمعية عائلات ضحايا الهجرة السرية أعدادهم بين 10 آلاف و15 ألف مهاجر غير شرعي سنة 2007، ويتراوح العدد، وفقا للمنظمة العالمية للهجرة ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص.حجم الظاهرة يبرزه أيضا عدد الاعتقالات التي تطول مهاجرين سريين، والتي أبانت أن هذا التقييم يظل أقل بكثير من الواقع، إذ انتقلت عمليات التوقيفات والاعتقالات من 24245 حالة سنة 2000 إلى حوالي 30 ألف سنة 2005، لتعرف بعد هذه السنة انخفاضا ملموسا.وحسب وزارة الداخلية، تتحدر غالبية الموقوفين من مالي والسنغال وغامبيا ونيجيريا وغانا، علما أن من الصعب تحديد جنسية المهاجرين الذين يوجدون في المغرب في وضعية عبور، إذ غالبا ما يدلون بتصريحات خاطئة حول جنسياتهم أملا في الحصول على وضعية لاجئ، فيما أشار بحث «المغاربة ومهاجرو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء: أية علاقة؟» إلى أن هناك حوالي 40 جنسية معنية بهذه التدفقات السرية، إذ يظل المواطنون النيجيريون الأكثر وجودا (15,7 في المائة)، متبوعين بالماليين (13,1 في المائة) ثم السنغاليين (12,8 في المائة)، ويأتي بعدهم الكونغوليون والإيفواريون والغينيون والكامرونيون، وبعدد أقل الغامبيون والغانيون والليبيريون والسيراليونيون. مصادر الدخل وظروف العيشعديدة هي الحالات، التي يتحول فيها المغرب من بلد عبور إلى بلد إقامة، خاصة بمنطقتي الشمال والشمال الشرقي ومدن الدار البيضاء والرباط وفاس وأكادير والأقاليم الصحراوية التي تتحول إلى محطات توقف دائمة، وفي هذه الحالة يصبح المأكل والمسكن هاجسا حقيقيا للمهاجرين، في ظل انعدام الإمكانيات بعد نفاد مواردهم ومدخراتهم خلال رحلة الهجرة. بحث الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث في مجال الهجرة خلص إلى أن 59,4 من المهاجرين الذين شملهم البحث ليس لهم أي مصدر دخل، في حين يعيش 18,8 في المائة منهم على التسول، ويمارس 11,5 في المائة من المستجوبين مهنا هامشية، فيما يتلقى 7,9 منهم مساعدات مختلفة من طرف الجمعيات الخيرية أو جهات أخرى، 44,4 في المائة منهم يستفيدون من التضامن العائلي.مهاجرون يعملون ضدا على القانونلم يعد الأمر مقتصرا على المهاجرين المغاربة الذين يضطرون للعمل ضدا على القانون في أوربا، إذ أصبح المغرب بدوره يحتضن أجانب يعملون بطريقة غير شرعية في قطاعات مهمة، دون أن يتوفروا على وثائق الإقامة. واكتشف، في الفترة الأخيرة، مفتشو الشغل التابعون لوزارة التشغيل والتكوين المهني، أن بعض القطاعات تشغل عمالا من جنسيات مختلفة، غير حاصلين على تأشيرة وزارة التشغيل والتكوين المهني، طبقا لما تنص عليه القوانين في هذا المجال. ويفترض في الأجانب، باستثناء المتحدرين من السنغال وتونس والجزائر، الراغبين في العمل في المغرب التوفر على تأشيرة من مصالح وزارة التشغيل والتكوين المهني بالرباط ، وهي التأشيرة التي تمنح لهم بعد أن يدلوا بشهادة تسلمها لهم الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات، تثبت أن القطاع الذي يتطلع الأجنبي إلى العمل فيه، لا يتوفر فيه عرض من اليد العاملة المغربية. ونظرا لأن القانون 02-03 المتعلق بالهجرة يمنع الأشخاص الذين دخلوا أو استقروا بالمغرب بطريقة غير قانونية من الولوج إلى سوق الشغل، تلجأ غالبية المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء إلى العمل في القطاع غير المهيكل. إنجاز: هجر المغلي

أفارقة عوضوا الهجرة إلى أوربا بالاستقرار في المغرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أحزاب تطالب باعتماد بطاقة التعريف للتصويت

اتهام رئيس المجلس البلدي لتازة بهدر المال العام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات