لجن التحكيم… محاكم صورية داخل الأحزاب

النقيب أقديم قال إن تجربة لجن الأخلاقيات مازالت جنينية والسبب ضعف الديمقراطية نصت المادة 29 من قانون الأحزاب على ضرورة تنصيص النظام الأساسي للحزب، على الخصوص، على عدد من اللجن، من بينها اللجنة المكلفة بالتحكيم. وحرص المشرع من خلال القانون على ضرورة تشكيل لجن خاصة بالتحكيم للبت في النزاعات بين الأعضاء والهيآت، وضمان المساواة بين كافة الأعضاء، في ممارسة نشاطهم داخل الحزب، وتحمل المسؤولية باسمه، في إطار احترام القوانين الأساسية والداخلية. تحرص الأحزاب التي تحترم نفسها على انتخاب شخصيات قيادية في لجن التحكيم تتوفر فيها شروط الكفاءة والاستقامة، من بين مناضلين يعتبرون حكماء يمكن اللجوء إليهم، حسب الصلاحيات المخولة إلى لجنة التحكيم والأخلاقيات، من أجل الفصل في النزاعات، وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات. وبات أغلب الأحزاب تعيش مشاكل داخلية بين مكوناتها، وصراعات بين الأعضاء، بعضها وصل إلى الانفصال أو التجميد، والبعض الآخر يواصل انتقاد المؤسسات والأجهزة القيادية، في تحد للمؤسسات الشرعية، والسبب، هو ضعف ثقافة الاختلاف وغياب الديمقراطية الداخلية، التي تضمن التعدد في إطار الوحدة، واحترام المؤسسات المنتخبة. ورغم أن أغلب الأحزاب تتوفر على لجن تحكيم وتأديب، وفق ما ينص على ذلك قانون الأحزاب، إلا أن التجربة ما زالت جنينية، ولم تحقق التراكم الكافي الذي يسمح بتقييم تجربتها، خاصة مع الأزمات التي تواجهها في تدبير الصراع الداخلي، والذي لم يعد حبيس المؤسسات الحزبية، ليخرج إلى العلن من خلال ملاسنات وحرب تصريحات في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية. يرى محمد أقديم، المحامي بهيأة الرباط، وعضو لجنة التحكيم بالحزب الاشتراكي الموحد، أن رأي لجن التحكيم، يبقى استشاريا وغير ملزم، لأن القرار في النهاية يعود إلى الأجهزة القيادية للحزب، بعد توصلها بتوصيات لجنة التحكيم، بصدد النزاعات المعروضة عليها سواء من قبل الأعضاء الذين يشتكون عدم الإنصاف، أو من قبل الأجهزة القيادية التي تتهم بعض أعضاء الحزب بالإخلال بالقوانين والمس بصورة الحزب. فض النزاعات الداخلية أوضح النقيب أقديم في حديث مع "الصباح" أن دور لجن التحكيم في الأحزاب التي تتوفر على قواعد منظمة ورصيد من المصداقية، يكون مفيدا ومنتجا في فض النزاعات الداخلية على أساس الإنصاف، بما يحمي الحزب من تفاقم المشاكل والمس بمصداقية القوانين والمؤسسات، لكن يختلف الأمر في أغلب الأحزاب، إذ لا تعدو أن تكون مجرد لجن شكلية بدون دور، بالنظر إلى طابعها غير الملزم، واعتبار رأيها للاستئناس فقط. وتكفي العودة إلى الصراعات التي تعرفها العديد من الأحزاب في الآونة الأخيرة للوقوف عند هامشية لجن التحكيم، وعدم فعاليتها في التصدي لعدد من الاختلالات سواء المتعلقة بمدى قانونية العمليات الانتخابية التي عرفتها، أو إيقاف بعض الممارسات التي يقوم بها بعض الأعضاء، والتي تسيء إلى الحزب ومؤسساته. وتعتبر تجربة حزب الأصالة والمعاصرة، أسطع مثال على عدم احترام قرارات لجنة التحكيم، بسبب الخلافات العميقة التي تنخر الحزب، والتي وصلت حد الطعن في شرعية المؤسسات واللجن وتجميد عضوية قياديين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تم عرض ملف اللجنة التحضيرية للمؤتمر على أنظار لجنة التحكيم والأخلاقيات لحزب الأصالة والمعاصرة، والتي أكدت عدم شرعية انتخاب رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الرابع، بعد انسحاب الأمين العام وعدد من أعضاء اللجنة في ضوء الصراع الذي تفجر بين الأطراف المتصارعة. ورغم أن تقرير لجنة للتحكيم والأخلاقيات سجل انتفاء الشروط الموضوعية والسليمة لإجراء عملية انتخاب رئيس اللجنة التحضيرية، في إشارة إلى سمير كودار، وتحفظه على لائحة أعضاء اللجنة التحضيرية، إلا أن الطرف المعني بهذه النازلة، لم يول أهمية لقرار لجنة التحكيم، بل واصل التشبث بشرعية قرارات اللجنة التحضيرية، رغم اعتراض الأمين العام عليها. "البام" يبعد قرارات لجان التحكيم إن واقعة "البام" دليل على عدم احترام أطراف النزاع لقرارات لجن التحكيم، خاصة عندما يكون الخلاف بين جماعات وأجهزة، إذ رغم إجماع أعضاء اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات على الإقرار بعدم شرعية استمرار الاجتماع الأول للجنة التحضيرية، وما ترتب عنه من نتائج، فقد واصل تيار عبد اللطيف وهبي وسمير كودار العمل باللجنة، وأصر على عقد اجتماع ثان لها بأكادير عمق الأزمة داخل الحزب، الذي بات قاب قوسين من انشقاق حتمي. وبرأي النقيب أقديم، فإن اللجوء إلى القضاء في مثل هذه الحالات، يواجه صعوبة في الحسم في الخلافات، رغم وجود قرارات للجن التحكيم، إذ يعتمد على السلطة التقديرية في تناول القضية المطروحة في النزاع، انطلاقا من القوانين المؤطرة لعمل الأحزاب، وأيضا للقوانين الأساسية والداخلية للحزب المعني بالنزاع. ويحتاج تدبير مثل هذه الخلافات، في رأيه، إلى معالجة بين أطراف الصراع، من خلال البحث عن حلول توافقية ووساطات حكماء وشخصيات تحظى بالاحترام داخل الحزب، إذا كانت الرغبة حقا في الحفاظ على وحدة الحزب، أما إذا كانت النية مسبقا هي الانشقاق، وتأسيس حزب جديد، فالأمر لا يحتاج لا إلى تحكيم ولا حتى إلى حكم القضاء. وأكد أقديم أن التجربة المغربية لم تحقق التراكم الكافي في عمل لجن التحكيم داخل الأحزاب، والتي يمكن أن تشكل مرجعا واجتهادات، يمكن الرجوع إليها، عند الضرورة، لفض نزاعات محددة، مشيرا إلى ضعف حالات التحكيم داخل الأحزاب، و اللجوء في الغالب إلى قرارات الطرد والفصل، من قبل الأجهزة الشرعية للحزب. وبالعودة إلى الصراع داخل الأصالة والمعاصرة، يلاحظ أن قرارات لجنة التحكيم والأخلاقيات، لم تحترم، بل لم تفض إلى حل بين الأطراف المتنازعة، لأن الصراع أكبر من خلاف حول واقعة محددة، أو صراع أفراد، في مواجهة ألامين العام، إذ أن الأزمة هزت كل أركان الحزب ومؤسساته، من مكتب سياسي ومكتب فدرالي ومجلس وطني وأمناء جهويين وقطاعات موازية وفريق برلماني، أصبح من الصعب احتواؤها، في ظل التقاطب القوي وتبادل الاتهامات القوية بالفساد والدكتاتورية. وحتى قرار المحكمة الابتدائية بأكادير الذي قضى برفض طلب بنشماش وقف اجتماع اللجنة التحضيرية، والقضاء بعدم الاختصاص في جوهر النزاع، لم ينه الأزمة، إذ تشبث كل طرف برأيه، في انتظار النزال الكبير في المجلس الوطني، باعتباره أعلى هيأة تقريرية بعد المؤتمر، لحسم الصراع، أو العودة إلى لغة العقل والتوافق، وإن كانت كل المؤشرات لا توحي بإمكانية جلوس رموز التيارين على مائدة حوار واحدة، بعد كل الاتهامات والقرارات التصعيدية من الطرفين. وأمام هذه الصعوبة، لم تجد اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات، التي يرأسها الجامعي محمد بلماحي، غير مناشدة أعضاء المكتب السياسي والمكتب الفدرالي والمجلس الوطني لتغليب لغة الحوار المنتج، والتفاعل الإيجابي مع اللجنة، في أفق تهدئة الأوضاع والتفكير في مقاربة جدية لتدبير الخلافات. تمرين ديمقراطي جنيني يقول أقديم إن تجربة العمل بالتيارات، تعبيرا عن التعدد والاختلاف من داخل وحدة الحزب، حديثة في المشهد الحزبي المغربي، وهي تجربة جنينية دشنها الحزب الاشتراكي الموحد، لكن مازالت في بدايتها، ولم يتم تقييم دورها في الحد من النزاعات الداخلية، رغم أن التيارات ممثلة في أجهزة الحزب التقريرية. وتساءل أقديم، الذي يخوض تجربة داخل الحزب الاشتراكي الموحد، عن مدى فعالية لجن التحكيم وقدرتها على القيام بدورها كاملا في ضمان حقوق الأفراد والجماعات، ومراقبة سلامة العمليات الانتخابية، ما دام أن الحسم في النهاية، يعود إلى المكتب السياسي والأمين العام، بل إن بعض القرارات تبقى معلقة إلى غاية المؤتمر اللاحق، حيث يتغير أعضاء لجنة التحكيم، وقد تنتفي الصراعات والخلافات السابقة بتغيير القيادة. ومع ذلك، يقول المحامي في هيأة الرباط، إن اللجوء إلى لجن التحكيم، يعتبر تمرينا ديمقراطيا ضروريا في الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب، من أجل ضمان الحقوق، والتصدي للخروقات والتجاوزات التي قد تصدر عن هذه الجهة أو تلك، والتي تتناقض مع القوانين الأساسية والداخلية للأحزاب. ب . ب

لجن التحكيم… محاكم صورية داخل الأحزاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصـب علـى تجـار بالبيضـاء

الطاقة المعطلة بمطرح "أم عزة"

مقالات ذات صلة