الأنفلونزا “تعمق” كوارث ابن رشد

فوضى عارمة بأروقة المستعجلات وسط غياب المعلومة وإجراءات لمنع انتقال المرض إلى المصالح الاستشفائية نواح وبكاء وفوضى، المشهد ذاته يتكرر كل يوم عند مدخل المستعجلات بمستشفى ابن رشد بالبيضاء، الفرق الوحيد هذه المرة، هو داء الأنفلونزا ووقعه التراجيدي في نفوس الزائرين والمرضى. فقد أضحى الهلع مسيطرا على الجموع المكتظة بالأروقة، إذ ترى أغلب الوجوه مغطاة بالكمامات الطبية، في منظر يوحي بجدية الأمر، ولا يكاد المرء يميز بين المرضى والعاملين بالمستشفى، لولا الأعين الحائرة والمتفحصة للمرضى، الذين ينظرون لبعضهم بعضا بنظرات تشكيك حذرة، بينما يبحث العاملون في المستشفى عن أول فرصة للخروج من الأماكن المغلقة مخافة التقاط العدوى. عند الباب الرئيسي للمستعجلات، حيث لا شيء مستعجل، تصطف الأجساد الهزيلة لعشرات المرضى تحت سياط الشمس اللافحة، في انتظار دورها لزيارة الطبيب الوحيد المتوفر بالجناح، وسط إهمال طبي تقضي به الأرواح نحبها قبل الأجساد، ويختلط فيها العليل بالصحيح. كذلك هو الحال في قاعات الانتظار المظلمة، حيث يحتشد المرضى، ومرافقوهم، وأطفالهم، على كراس بالية في الرواق نفسه، الذي يفتقد أدنى شروط التهوية، معرضين أنفسهم وأولادهم لالتقاط مختلف الأمراض المعدية والفيروسات، بما في ذلك فيروس الأنفلونزا. أقنعة الإهمال إن المفارقة الغريبة بـ»موريزكو»، في ظل انتشار الوباء، تكمن في الحرص الشديد للعاملين بالمستشفى على وضع الأقنعة الطبية، إجراء وقائيا ينفردون به دون المرضى، غير مبالين بأولئك الذين لا يرتدونها، أو بما إذا كان أحدهم مصابا بالداء في غفلة منه، وجالسا بين الجموع، بل يطلب من الجميع الانتظار لساعات، معرضين أنفسهم وغيرهم للعدوى، بيد أن القناع وحده غير كاف، والمرض ينتقل أيضا عن طريق لمس شيء عليه فيروسات الأنفلونزا، ثم لمس الأنف أو الفم، وهذا شيء أغفله العديد من العاملين بالمستشفى، مركزين فقط على طرق العدوى الشائعة، وهي التقاط رذاذ العطس أو السعال، باستثناء البعض ممن يضعون قفازات مطاطية ويتوارون خلف مكاتب الاستقبال، بذلك تصبح الكمامات وحدها غير كافية لضمان السلامة من المرض، مائة بالمائة، وتصير أقنعة الإهمال والأنانية التي يختبئون وراءها دون جدوى. وفي السياق ذاته، نجد أن جميع مهنيي الصحة يدركون عن خطورة الفيروس، وانتقاله بسرعة للأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، عند وجودهم في أماكن مزدحمة مغلقة، أو مجالستهم لأحد المصابين بالداء، إلا أنهم لا يحركون ساكنا، ولا يبذلون أي جهد في توعية الزوار والمرضى المقبلين على مثل تلك الخدمات الصحية المتردية، أملا في تلقي العلاج بأقل تكلفة ممكنة. هذا ورغم الجلبة التي يثيرها انتشار الوباء، فلا وجود لأية إجراءات استثنائية بـ"موريزكو"، من شأنها الحد من تفشيه، وضمان الوقاية الصحية للأفراد، خاصة الأميين، الذين ينتمون للطبقات المعوزة الفقيرة، ولا يتوفرون على تغطية صحية، تكفيهم عناء اللجوء إلى مستشفيات القطاع العام. وقع الأنفلونزا اتجهنا نحو بعض المواطنين الذين يقفون بصمت في أحد أركان قسم المستعجلات، يتابعون ما يجري بنظرات متحسرة ومتعاطفة، عن سبب عدم وضعهم للأقنعة، فأجابنا رجل، في عقده الخمسين، قائلا «الحفيظ الله، راه ربي كيشوف حال كل واحد.. أنا مريض بالكلاوي، وكاتجيني كريز مكنقدرش نزيد حتى خطوة إلا مادكيتش البرا.. وفاش كيكون الوجع تايقطع فيك، مكاتبقا تفكر لا فانفلوانزا لا فوالو، كتبغي تخرج غير من الحالة اللي نتا فيها، وفكل كريز كاتولي تقول هادي هي الموت .. عاد تهز الهم لمرض جديد ولا تمشي تقلب على الكمامة، راه الدولة اللي خاصها تفرقها علينا فابور، مني عرفات كاين الوباء»، وأضافت إحدى النساء «أنا ما فراسي والو حتى جيت بولدي اليوم باش يخيط، من بعد ما ضربوه شي شمكارة، وشفت الناس دايرة دكشي فوجهها.. صراحة تخلعت غير الله يحفظ وصافي، شي كايقول راه ماشي خطير وغير إشاعات، وشي كيقول راه بحالو بحال الطاعون». وفي مثل هذه الأجواء الكئيبة، حيث لا أحد يحس حقيقة بمعاناة المرضى، سوى المرضى أنفسهم، لا يجد المواطنون بدا من مواساة بعضهم، في انتظار الظفر بالرعاية الطبية اللازمة، لتجدهم يتجاذبون أطراف الحديث حول موضوع الساعة «الاتش وان ان وان»، يختلفون في ذكر طرق الوقاية والعلاج منه، ويتفقون على مدى خطورته وانتشاره في المملكة، معددين عدد الضحايا، كل من مصدره الخاص، فيدب الذعر في نفوس السامعين، ممن لا يضعون الكمامات، وتتضاعف همومهم ليهرع البعض إلى أقرب صيدلية من أجل شراء الأقنعة، بينما يلبث البعض الآخر في مكانه بغرفة الانتظار، مسلما أمره لله، بعدما تسرب اليأس إلى القلوب من شدة المعاناة وقلة الحيلة وذات اليد. في انتظار الطبيب رغم حرص الدولة على عدم تهويل الأمر، فإن حالة الهلع والخوف التي يعرفها مستشفى ابن رشد، بسبب وباء الـ"اتش وان ان وان" تبعث على القلق، خاصة مع تحفظ طاقم المستشفى عن المعطيات الخاصة بالحالات المصابة التي وردت عليهم، والتي أفاد أحد الممرضين الرئيسيين بقسم المستعجلات، أنهم شخصوا لحدود الآن (وقت وجود الصباح بالمستعجلات) حالتين تم نقلهما إلى الإنعاش مباشرة، عند ثبوت الإصابة، وعزلهما في انتظار قدوم الطبيب، الذي يقرر الإجراءات المتبعة في حقهما، مشيرا إلى أن مرضى الأنفلونزا يوضعون في الحجر الصحي بعد تشخيصهم من قبل الطبيب بقسم المستعجلات، وهيهات ما عليه حال الـ "مستعجلات". يسرى عويفي (صحافية متدربة )

الأنفلونزا “تعمق” كوارث ابن رشد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دعوة إلى تقنين الهجرة

باستور يعيد تصنيع اللقاحات

مقالات ذات صلة