الدفالي: وثيقة 11 يناير نالت دعم السلطان

المؤرخ أكد أن أزمة الأرشيف وطغيان الرؤية السياسية يعمقان صعوبة كتابة التاريخ أكد معروف الدفالي، أستاذ التاريخ في جامعة الحسن الثاني بالبيضاء, أن وثيقة 11 يناير لم تنل الاهتمام والشهرة إلا بعد 1956، في الوقت الذي ظلت مجرد وثيقة عادية دون صدى قبل الاستقلال. وأوضح المؤرخ أن كتابة تاريخ المغرب تواجه صعوبات بسبب الأرشيف وهيمنة الرؤية الحزبية على كتابات السياسيين. < ما هو السياق السياسي الوطني والدولي الذي سبق طرح وثيقة 11 يناير؟ < يتعلق الحديث هنا بسياقات متعددة بعضها داخلي، وبعضها دولي، فعلى المستوى الداخلي، يمكن القول إن حدث وثيقة الاستقلال كان مفاجئا، ولم يكن أحد يتكهن أن تصدر وثيقة بمطلب في مستوى الاستقلال، لأن 1937 كانت نقطة فاصلة، بسبب انتقام الحماية الفرنسية من الوطنيين، باعتقال الكثير من القيادات، وإيقاف العمل الوطني، اعتمادا على قوانين الحرب. ويمكن القول إنه ابتداء من 1937 لم يبق من الحركة الوطنية سوى الاسم، بعد توقيف الصحافة وحل التنظيمات الوطنية، ما ترك فراغا في العمل الوطني امتد إلى 1942. وحين ظهرت وثيقة الاستقلال اعتبرت حدثا مفاجئا خاصة بالمنطقة الفرنسية، في الوقت الذي كانت المنطقة الخليفية التابعة للنفوذ الاسباني تعرف وضعا مغايرا، من خلال مطالبة حزبي الإصلاح الوطني والوحدة المغربية بالاستقلال.. ولا يجب هنا إغفال أن المنطقة الإسبانية عرفت أول وثيقة تطالب بالاستقلال في 1942. < يرى بعض المحللين أن السياق الدولي كان إلى جانب حركة المطالبة بالاستقلال. أين يتجلى هذا الدور؟ < صحيح أن السياق الدولي كان له إسهام إلى جانب السياق الداخلي، من خلال مشاركة المغرب إلى جانب القوات الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، وهي مشاركة لم تكن بدون مقابل، إذ قدمت له وعود بالاستفادة، في فترة ما بعد الحرب، وبالطبع كان المطلب هو الاستقلال. ولا ننسى هنا مؤتمر أنفا الذي عرف مشاركة الدول الكبرى، مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى جانب السلطان محمد بن يوسف والأمير الحسن. وأبرز الأمريكيون للمغرب بأن مساهمته في الحرب إلى جانب الحلفاء لا بد أن يكون لها جزاء، حيث شجع الرئيس الأمريكي السلطان على مطلب الاستقلال، لأن أمريكا المتشبعة بثقافة الحرية كانت تسعى إلى تمكين جميع الأمم منها. وما يجب الـتأكيد عليه في هذا الصدد هو الدور القوي الذي لعبه السلطان في تلك الفترة، أمام غياب الحركة الوطنية. وفي الوقت الذي تمت الدعوة إلى تأسيس حزب سياسي جديد، هو حزب الاستقلال، أعلن عن إطلاق مبادرة وثيقة 11 يناير، أكيد أن القصر لعب دورا كبيرا في هذه المرحلة، إلى جانب كبار رجال المخزن الذين ناصروا الوثيقة، وهو ما أعطى لها زخما سياسيا قويا. < يرى البعض أن ما عجل بالاستقلال ليس هو الوثيقة، رغم أهميتها، بل انتفاضات الشارع في 29 و30 يناير، كيف تنظر إلى تفاعل العمل المسلح مع العمل السياسي؟ < صحيح، لا يمكن الحديث عن وثيقة الاستقلال خارج السياق الميداني، حيث أن قمع القوات الفرنسية زاد من حقد الوطنيين على الاستعمار. ويمكن القول إن أغلب المحطات التي جعلت المغاربة يعون سلبية الاستعمار، هي التي مورس خلالها عنف شديد، ساهم في انفجار الأحداث في 1930 و37 و40 و44 و52 و53، بل إن العنف الفرنسي ولد المقاومة المسلحة، من خلال شباب لم يعودوا يؤمنون بجدوى العمل السياسي مع المستعمر. وقد أجبرت المقاومة المسلحة فرنسا على الجلوس لمائدة الحوار حول الاستقلال. < أثارت وثيقة 11 يناير الكثير من الجدل حول هيمنة الاستقلال على توقيعها، وتهميش وثائق أخرى مماثلة. ما هي الأسباب التي تحكمت في الوضع؟ < المسألة في الجوهر سياسية، لأن الأمر يتعلق بالحزب السياسي الذي قدم وثيقة الاستقلال، فمنذ البداية انحاز الحزب إلى المقربين منه وأفراد عشيرته، وأبعدها عن غيرهم من الأطراف السياسية الأخرى، وطبيعي ألا يكون الحزب ديمقراطيا في هذا الصدد. وتقول مليكة الفاسي الموقعة على وثيقة 11 يناير إن شقيقها كان على أهبة السفر، حين كان الحزب يعد الوثيقة، وطلب منه تأجيل السفر، إلا أنه فضل التوقيع على بياض، والسفر إلى انجلترا. وهناك أشخاص من عائلة الفاسي أمضوا على الوثيقة، دون الاطلاع عليها. وكما جاء على لسان عبد الهادي بوطالب، فإن عددا من الوطنيين كانوا يرغبون في التوقيع على الوثيقة، إلا أنهم أبعدوا منها بمبرر أنها انتقلت إلى مدن أخرى من أجل التوقيع. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن وثيقة 11 يناير لم تنل الاهتمام والشهرة إلا بعد 1956، في الوقت الذي ظلت تعتبر مجرد وثيقة عادية دون صدى قبل الاستقلال. وقد تجدد الحديث عنها من قبل الاستقلاليين، لأن الجميع كان يبحث عن المشروعية، والوثيقة جزء منها. وحين كان المؤرخ أو الصحافي يتساءل عن سبب إلحاق عدد من الإمضاءات بعد الاستقلال، كانت الإجابات المقدمة غير مقنعة، لتظل بذلك وثيقة حزبية في ملك الاستقلال، وهو أمر مشروع بالنظر إلى أنه صاحب المبادرة. < تطرح كتابة تاريخ المغرب تحديات على المؤرخين في ظل التعتيم والانحياز الذي يمارسه السياسيون. ما هي الصعوبات التي تعترض عمل المؤرخ الأكاديمي؟ < هناك صعوبات متعددة أبرزها أن عدد المؤرخين في المغرب قليل. وحين نتحدث عن المؤرخ، نعني بذلك الأكاديمي ذا التكوين المتخصص، بالإضافة إلى أن تاريخ المغرب اليوم يكتبه المؤرخ والسياسي والسوسيولوجي والصحافيون كذلك، وحبذا لو تجمع هؤلاء في مجموعات عمل مختلطة، عوض الاشتغال بشكل فردي. وأخيرا يمكن القول إن كتابة التاريخ ظلت تقليدية، ولم تنفتح على المدارس الحديثة، والتي لم يعرفها المغرب إلا أخيرا. مشكل آخر يواجه الباحث والمؤرخ هو مشكل الأرشيف، شبه المنعدم، فالمؤسسات الحزبية لا تتوفر على أرشيف منظم والدولة كذلك، كما أن فرنسا حملت معها كل الوثائق، وإذا طلب المؤرخ الاطلاع عليها، سيجد أن هناك ملفات غير مسموح الاطلاع عليها. كتابة التاريخ بطيئة كل هذه العوامل تجعل كتابة تاريخ المغرب بطئية جدا، ناهيك عن أن كل ما يروج من شهادات وكتابات يطغى عليها المنظور الحزبي، ما يضاعف من عمل المؤرخ. وأخلص هنا إلى دعوة الجميع إلى التخلص من الفردانيات في التعامل مع الوثائق المتعددة، فكلها مفيدة في جوانب معينة، فوثيقة حزبي الإصلاح والوحدة المغربية أول وثيقة لحزبين يطالبان بالاستقلال. ووثيقة 11 يناير ساندها السلطان بقوة وبدت الأكثر شهرة، كما أن وثيقة 13 يناير التي قدمها بلحسن الوزاني، فيها إشارة إلى الديمقراطية، من خلال مطلب الشورى والديمقراطية. فيما أكدت وثيقة الحزب الشيوعي على حق الأمم في تقرير المصير، وضمنها المغرب. إن جميع الوثائق متكاملة، بمعزل عن هوية وعدد الموقعين عليها، لأنها تؤكد حالة الإجماع على المطالبة بالاستقلال، وهو ما سحب البساط من تحت الحماية الفرنسية، التي كانت تتذرع في البداية بأن المطلب لا يمثل جميع مكونات المشهد السياسي الوطني. أجرى الحوار: برحو بوزياني

الدفالي: وثيقة 11 يناير نالت دعم السلطان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاستقلال ... أنا وحدي مضوي لبلاد

الرجاء يتعادل خارج ميدانه مع افريقيا ستارز

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات