المؤامرة على الثورة المصرية مستمرة

القوى الإصلاحية فرحت حين رأت "أنياب الذئب بارزة" من الملاحظ في التجمعات والتشكيلات التي نبتت في مصر في الآونة الأخيرة أنها تتضمن ثلاث شرائح: شريحة أهل العقل والحكمة والرشد وشريحة المتعصبين للفكرة أو للتشكيل أو لهما معا، وشريحة أصحاب المنافع والارتزاق.. وتتفاوت الأوزان النسبية لكل من هذه الشرائح ما بين تشكيل وآخر، بل إنها ربما تتفاوت أيضاً في التشكيل الواحد بين فترة وأخرى، وذلك حسب السياق والظرف والمناخ العام..لكن غالباً ما تسود وتتغلب الشريحة الثالثة على كلتا الشريحتين الأخريين في فترات التوتر والسخونة والاحتقان.. من الملاحظ أيضاً أن التشكيلات والتجمعات التي تعمل في الفضاء المفتوح ولا تملك تنظيماً قوياً، من السهل على الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، محلية وإقليمية ودولية، اختراقها وزرع عملاء داخلها، خاصة في الشريحتين الثانية والثالثة.. هؤلاء العملاء عادة ما يكونون على درجة معقولة من الذكاء والدهاء، علاوة على أنهم مدربون ومؤهلون للعمل داخل تلك التجمعات والاندماج فيها والامتزاج مع أفرادها، بل يمكنهم أن يجدوا لأنفسهم مواقع متميزة بها في فترة وجيزة من الزمان، ومن تم يصبح من السهل عليهم التأثير فيمن حولهم والسيطرة عليهم.. فقط عليهم أن يكونوا أعلى صوتاً وهتافاً وصراخاً، وأكثر حماساً ولهيباً واشتعالاً من الباقين.أما فيما يتعلق بالتجمعات المؤطرة تنظيمياً، حيث توجد الهياكل الإدارية واللجان الفنية والنوعية الواضحة والمحددة، والأفراد يعرف بعضهم بعضا، فعادة ما تكون مهمة الأجهزة الاستخباراتية والأمنية صعبة وليست سهلة، خاصة إذا كانت تلك التجمعات لها خبرتها وتجربتها الضاربة في عمق التاريخ.فى النوع الأول من التجمعات، يسهل استدراج التجمع إلى الشرك المنصوب، يساعد فى ذلك العملاء المزروعون داخله.. لاحظنا ذلك في أحداث مسرح البالون، العباسية، محاولة اقتحام العمارة التي تقطنها سفارة الصهاينة، مذبحة ماسبيرو، محمد محمود، ومجلس الوزراء، وأخيراً في العباسية مرة ثانية.. وعادة ما يكون السيناريو واحدا.. لأن المخطط والمدبر واحد.. صحيح قد يكون لكل حالة ظروفها وطبيعتها التي تميزها عن الحالات الأخرى، الأمر الذي يتطلب قدراً من المرونة في بعض الخطوات، لكن يبقى الخط العام ظاهراً وجلياً وهو الوصول إلى النتائج نفسها، وهى الصدام وسقوط القتلى والجرحى، فضلاً عن محاولة تلويث القوى الثورية.. إنها اللعبة الذكية والجهنمية التي تتقنها أجهزة الاستخبارات والأمن.. البداية تكون في مشكلة أو صناعة مشكلة، لكن حبذا لو كانت جوهرية، حتى تكون أدعى للاستجابة الفورية، فتتعالى الأصوات والهتافات ويزداد الحماس اشتعالاً ولهيباً وبسالة وإقداماً.. ومهما حاولت شريحة أهل الحكمة والعقل والرشد أن تمارس دوراً في التهدئة أو التريث حتى تستبين الأمور ويتضح ما وراء الأكمة، إلا أن صوتها في ظل هذه الأجواء المستعرة عادة ما يذهب أدراج الرياح.. يحدث الاستدراج إذن إلى الشرك المنصوب.. في نفس الوقت يتم الدفع بتنظيم البلطجية التابع لجهاز مباحث أمن الدولة والحزب الوطني المنحل، طبقا للخطة المرسومة والتعليمات الصادرة، ويقع الصدام بين المتظاهرين أو المعتصمين وقوات الأمن أو الشرطة العسكرية أو هما معا، أو مع البلطجية المزودين بكل أنواع السلاح.. وفى الحالة الأخيرة تقف القوات الرسمية تراقب عن كثب ما يصنعه البلطجية بالمتظاهرين أو المعتصمين، أو حتى بالأهالي، تسعيراً للموقف وإثارة للغضب والحنق من الثورة والثوار.في كل مرة يسقط شهداء وجرحى ومصابون، بالعشرات أو المئات أو الآلاف.. ومعهم آهات ودموع وأوجاع وشحنات غضب تملأ الصدور.. ومن قبل ذلك وبعده ثأر مبيت لا يفارق القلوب.. تذهب القضية إلى النائب العام.. وينتظر أهالي الشهداء والمصابين والرأي العام نتائج التحقيقات.. ويطول الانتظار، لكن دون جدوى.. ويتم الانتقال من قضية إلى أخرى، على نفس النمط الذي يجرى داخل مجلس الشعب حين يحدث الانتقال إلى جدول الأعمال، وعلى أمل أن ينسى الرأي العام ما كان.. فذاكرة الشعب المصري ضعيفة، فضلاً عن عدم قدرته على المتابعة التي تحتاج إلى مثابرة ودأب وعزم وإصرار.. ويتم دفن القضايا بكل ما تحمله من كوارث ومصائب ورزايا تحت ما يستجد من قضايا أخرى.هكذا، يضيع جزء مهم من تاريخ مصر، الشعب والوطن.. هكذا يقوم خصوم الثورة بمحاولة طمس معالمها وتبديد ما حملته من آمال وأحلام، ومحاولة الإبقاء على النظام العفن القديم الذي ملأ الأرض استبداداً وفساداً، وتخلفاً وضياعاً.. لقد تصورت القوى الإصلاحية في مرحلة ما أنها بمنأى عن كل ما لحق بالثوار.. اعتقدت أن الثورة قد حققت أهدافها في الإطاحة برأس النظام، وبقى أن تحصل على نصيبها من الغنائم.. ونسيت أن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، وأنها في أمس الحاجة لاستكمال مسيرتها.. انفصلت عن القوى الثورية مبكرا، وتركتها لقمة سائغة وفريسة سهلة في أيدي الطغاة والظالمين.. للأسف، فرحت القوى الإصلاحية حين رأت أنياب الذئب بارزة، وتصورت أنه يبتسم لها.. غير أن الذئب كان يبيت شيئا آخر مختلفا، وها هي تتبين ذلك.. لكن بعد أن فات وقت طويل استنزف الكثير من الشهداء والدماء. بقلم: د. محمد حبيب, عن المصري اليوم

المؤامرة على الثورة المصرية مستمرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

معارضة الداخل السوري تشكل برلمانا مؤقتا

معاناة أسر الأطفال المعاقين ذهنيا متواصلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات