مدرستي الحلـــــوة: “سور ميريام” بـ “سان دومنيك”

كلما مررت بالمحاذاة من مدرسة "سان دومنيك" الواقعة بحي السيال بالدار البيضاء، تستوقفني ذاكرتي للحظات لأسترجع مشاهد من شريط مليء بالأحداث الطفولية التي تقاسمتها مع عدد من التلاميذ الذين جمعتني بهم صفوف الدراسة منذ سن الثالثة.مازلت أذكر أول يوم التحقت فيه بالمدرسة، فبعد الاستيقاظ باكرا تناولت وجبة الفطور وارتديت ملابس جديدة، اعتقدت أن أمي وأبي اقتنياها لي احتفالا بأحد الأعياد الدينية، اكتشفت في ما بعد أنها ملابس تعلن عن بداية مرحلة جديدة.وضعت أمي قطعا من الحلوى والبسكويت في حقيبة صغيرة منحتني إياها، وبعد ارتداء جلبابها رافقتها. كانت طيلة الطريق تخبرني كلما سألتها عن وجهتنا أنها تصطحبني إلى مكان سألتقي فيه أطفالا في سني وسأتعلم أشياء جديدة.كل الأطفال في سني كانوا مرفوقين بأمهاتهم أو آبائهم، ممسكين بأيديهم وكل واحد منهم يتجه صوب قسم معين، لكن أغلبهم سرعان ما كانت تغيب الدهشة والاستغراب عن ملامحهم من ولوج فضاء جديد، لتعوضها دموع مفاجئة تنهمر دون انقطاع، نابعة من شعورهم برغبة الآباء في التخلص منهم وتركهم بمفردهم في مكان غريب لا يعرفون فيه أحدا.مشاهد كانت تتكرر بالنسبة إلى أغلب الأطفال الذين يلجون المدرسة للمرة الأولى، فكلهم كانوا يتقاسمون الشعور نفسه بمجرد توديع آبائهم لهم وتركهم مع أشخاص غرباء.كانت ملابس امرأة تجاوزت العقد الرابع من عمرها أغرب من مشاهد الأطفال الذين يبكون بالنسبة إلي، فكانت المرة الأولى التي أكتشف فيها امرأة ترتدي لباسا مماثلا، لم أعد أشاهده سوى في أفلام سينمائية، إذ كانت تضع منديلا طويلا باللون الأزرق فوق رأسها يظهر منه جزء من خصلات شعرها الأبيض وكان منسابا وراء ظهرها، فيما مقدمته كانت شبيهة ب "قب" الجلباب التقليدي المغربي الذي تضعه نساء مع "النقاب المغربي".أما باقي القطع التي كانت ترتديها فهي باللونين الأزرق والرمادي وعبارة عن تنورة فضفاضة نوعا ما وطويلة تصل إلى كوعيها، وقميص بأكمام طويلة ونعل جلدي باللون البني وسلسلة تضم قطعة خشبية على شكل صليب. بدأت الدموع تنهمر من عيني بعد مرافقة أمي لي إلى القسم، وشعرت أنها ستتركني بمفردي كما فعل باقي الآباء مع أبنائهم. اتجهت المرأة بلباسها الغريب صوبي قبل أن تتقدم باتجاهها امرأة ترتدي اللباس ذاته لتنادي عليها "سور ميريام".زاد استغرابي وزادت دهشتي من ذلك المشهد، وكان السؤال الوحيد الذي تبادر إلى ذهني حينئذ، لماذا ترتديان اللباس ذاته؟ لأكتشف في ما بعد أن هناك مدرسات أخريات يرتدين اللباس نفسه."بونجور، كومن تي طابيل؟" قالت "سور ميريام"، التي أمسكت بيدي، وبعد توديع والدتي أدخلتني القسم، الذي زينت زواياه بالصور والرسومات ووضع في أحد أركانه عدد كبير من اللعب مختلفة الأشكال والخاصة بالأولاد والبنات، وتحدثت إلي بلطف وجعلتني أقرر في اليوم الموالي العودة للقائها وتناسي الشعور الذي انتابني في المرة الأولى.يوما تلو الآخر استوعبت أنه يتعين علي تعلم لغة جديدة لأتواصل مع الناطقين بها، لكن ذلك كان يتم بالموازاة مع تلقي دروس في مواد أخرى منها العربية والرياضيات. أمينة كندي

مدرستي الحلـــــوة: “سور ميريام” بـ “سان دومنيك”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإضـرابات والعطـل غير المبررة تفسـد التعليم

التعليم... "ماتقيش إضراباتي"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات