مغاربة ليبيريا بين الأنترنت والطبخ والأمم المتحدة

عددهم خمسة في بلد يمنع التدخين في الشارع وبدون إشارات مرور ولا قناة تلفزيونية عند وصولنا إلى مطار مونروفيا، الذي لا يشبه باقي مطارات العالم، لم نكن نعتقد أن هذه المدينة التي فقدت أكثر من 300 ألف مواطن خلال الحرب الأهلية الأخيرة، تضم بين ظهرانيها مواطنين مغاربة يساهمون في إعمارها كل من موقعه. كل أفراد البعثة التي وصلت يوم الأربعاء الماضي إلى ليبيريا، كانوا متأكيدن غياب أي مغاربة عن هذا البلد، بسبب الصور التي تناقلتها قنوات العالم حول التقتيل الذي شهدته الحرب الأهلية التي ضيعت على هذا البلد عشر سنوات من التنمية. لكنهم موجودون، وعددهم خمسة، مغربيتان تملكان مطعما أطلقتا عليه اسم «كازابلانكا سندريلا» ومغربيان يعتبران ملكي الأنترنت في ليبيريا، إضافة إلى مغربية أخرى تشتغل ناطقة رسمية للأمم المتحدة في هذا البلد. ليبيريا هي واحدة من اثنتين فقط من البلدان الحديثة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من دون جذور في النزاع الأوروبي على إفريقيا. ابتداء من عام 1820، استعمر المنطقة العبيد المحررون من الولايات المتحدة بمساعدة من جمعية الاستعمار الأمريكية وهي منظمة خاصة اعتقدت بأن العبيد السابقين سيحصلون على المزيد من الحرية والمساواة في إفريقيا. وهو أصل تسمية البلاد بليبيريا المستمدة من كلمة ليبرتي والتي تعني الحرية.كثيرون يجهلون أن ليبيريا أول دولة إفريقيا منعت التدخين ليس فقط في الأماكن العامة بل حتى في شوارعها، إذ في حالة ضبطك من طرف رجل أمن يتم تغريمك مبلغ خمسة دولارات.وكثيرون أيضا يجهلون أن ليبيريا دولة بدون إشارات مرور، إذ تكتفى السلطات بلوحات التشوير صفراء اللون، دون الحاجة إلى الإشارات، والسبب، ليس قرارا من السلطات، بل إنه بعد نهاية الحرب الأهلية وجدت السلطات أنه لا يمكن الاعتماد على الإشارات المرورية في ظل غياب الكهرباء عن الشوارع وتخريب كل المولدات الكهربائية خصوصا بالعاصمة مونروفيا.وكثيرون أيضا لا يعلمون أن ليبيريا تفتقر إلى قناة تلفزيونية وطنية، فبعد الحرب الأهلية توقفت القناة الرسمية التي كان يتحكم فيها الرئيس السابق تشارلز تايلور.منافسة لبنانية مغربيةحكاية ثريا ونجاة، غريبة وعجيبة في الآن نفسه، فقد وجدتا نفسيهما، خصوصا ثريا المشهورة باسم بشرى، سفيرتين للمغرب في ليبيريا دون أن تعينا من طرف وزارة الخارجية المغربية، لأن كل مغربي يحضر في مهمة إلى ليبيريا عليه أن يمر على هذا المطعم القريب من فندق فخم كان العقيد معمر القذافي يملكه يسمى «أنتير كونتينونتال مونروفيا» ومن السفارة الأمريكية في ليبيريا.فأي سائق سيارة أجرة، يدلك على المطعم مباشرة بعد أن يعلم أنك مغربي، حتى من دون تسأله، وبالفعل فهما سفيرتان حقيقيتان، بل في أحايين كثيرة تقومان بدور كبير لصالح كل المغاربة، فلدى بشرى كل المعلومات حول ليبيريا وأماكن التوتر والأحياء التي لا يجب زيارتها...إنها تملك كل مفاتيح المدينة.تروي حكايات غريبة عن كل المغاربة الذي مروا من ليبيريا لأنها الأقدم بل هي العميدة لأنها قضت أكثر من 13 سنة في هذا البلد، بل إنها رفضت فكرة الابتعاد عنه حتى في عز الحرب الأهلية التي قضت على 300 ألف ليبيري.ناضلت ابنة بني ملال، كثيرا من أجل أن تعود سفارة المغرب إلى مونروفيا لكن دون جدوى، فقد استولت نيجيريا على مقرها السابق، وبالتالي على المغاربة البحث عن مكان جديد لكرائه، لأن القانون الليبيري يمنع شراء الأراضي.الأنترنت لعبة المغاربةأما حكاية كمال وداوود، فأغرب قليلا، لأن وجودهما بمونروفيا كان بالصدفة، بالنظر إلى أنهما يشتغلان مع شركة إيطالية مختصة في الاتصالات السلكية واللاسلكية، وطلب منهما الالتحاق لفترة قصيرة بهذا البلد، قبل أن يتحول الأمر إلى سنوات طوال، أصبحا بعدها المتحكمين في عالم الأنترنت، بل إن شركة الاتصالات المحلية أغلقت أبوابها بعد سنتين فقط من تكلف المغربيين بهذه الصفقة.يحكي كمال وداوود أنهما لم يكن يدور في خلدهما يوما أن يصلا إلى هذا البلد الإفريقي، ويندمجا فيه بشكل كبير، إلى درجة أن كل السفارات والقنصليات المعتمدة في مونروفيا لا تعتمد في اتصالاتها ورسائلها إلا على المغربيين، يقول اللبناني رامي، أحد أغنياء هذا البلد «وجدت فيهما الثقة الكاملة والقدرة على حل كل المشاكل، إنني أفضلهما على مواطني بلدي لأنهما خبيران حقيقيان».خلال جولتنا رفقة داوود في شوارع مونروفيا، تأكد لنا مدى الحظوة التي لديه لدى الليبرييين سواء من رجال الأمن أو أفراد الأمم المتحدة أو رجال السلطة، «إنهم يقدرون العمل الذي نقوم به، تصور أنه يتصل بك في الثالثة صباحا لتصليح الأنترنت وهو يعلم جيدا أنك ستحضر لأنه يثق فيك، ويخبرك في الأخير أنه كان بإمكانه الاتصال بأي ليبيري لكنه كان يعلم مسبقا أنه يأتي إلا في صباح اليوم الموالي»، يقول داوود. «بعد سنتين من الاشتغال قررت الاستقرار في المغرب، لكن اتصالا هاتفيا من إيطاليا أعادني إلى مونروفيا، على الجانب الآخر من الهاتف كان الرئيس المدير العام للشركة الإيطالية الذي هددني مازحا بربطي وإعادتي معصوب العينين إلى ليبيريا، خصوصا مع العلاقات الكبيرة والمهمة التي كونتها هنا»أما بالنسبة لكمال الصلعي، الذي قضى أكثر من 25 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تكلفه الشركة الإيطالية «ويست أفريكا» بالأنترنت في خمس دول، فإن الأمر كان مجرد مزحة قبل أن يتحول إلى حقيقة يعيشها يوميا، مع عقلية إفريقية لم يعهدها من قبل.تستحوذ شركة «ويست أفريكا» الآن على أكثر من ثمانين في المائة من سوق الأنترنت، وتعتزم الآن دخول عالم الهاتف المحمول، والآمال كلها معلقة على كمال وداوود.الأمم المتحدة بيد مغربيةالحكاية الثالثة، كانت مفاجأة البعثة، وجود مغربية على رأس الأمم المتحدة بليبيريا، في مهمة الناطقة الرسمية. إنها ياسمينة بوزيان، ابنة الرباط ذات الأصول الشمالية، التي عاشت أكثر حروب إفريقيا ضراوة، بداية من رواندا والكونغوا وانتها بليبيريا، حيث تشتغل الآن منذ أكثر من ثلاث سنوات.دخولها الأمم المتحدة كان صدفة، فبعد أن تقدمت من أجل إعداد فيلم وثائقي عن الحروب في إفريقيا، بعد أن أكملت دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية رفقة أختها أنيسة، وجدت نفسها في قلب الحروب والمجازر، بعدها سيعرض على ابنة كولونيل متقاعد الانضمام إلى هذه الهيأة الأممية.تقول ياسمينة «أجد متعتي في هذا العمل، لقد شاهدت الكثير من الويلات خاصة في الكونغو حيث وجدت نفسي يوما أمام جنرال متمرد يرفض استقبالي في المدينة التي يحتلها لإنجاز فيلم وثائقي عن معاملة النساء خلال الحروب، لقد كانت لحظة أحسست فيها بالخوف لأول مرة في حياتي، ورغم ذلك ما زلت أحب هذا العمل، وأقدم المساعدة قدر المستطاع. إنني أحب هذه القارة، وشعبها يستحق هذا الحب».ياسمينة حاصلة على شهادة عالية في العلوم السياسية من هامشير ودراسة معمقة في التصوير من رود إيسلند سكول، وشهادة أخرى في الدراسة السينمائية من المدرسة الوطنية في هارليم.خلال فترة وجودنا بمونروفيا، حاولت ياسمينة بكل ما استطاعت أن تجعل مقامنا مريحا، بل إنها حضرت المباراة التي جمعت الوداد بأنفنسيبل الليبيري، وطلبت من مسؤولي البث الإذاعي لدى مفوضية الأمم المتحدة بمونروفيا إرسال موفدين لتغطية المباراة، وظلت ترحب بكل أفراد البعثة، وعند تسجيل الهدف الأول للفريق المغربي، طلبت من الجميع الهدوء مخافة حدوث شغب من طرف جماهير الفريق الليبيري.ياسمينة، النموذج المشرف للمرأة المغربية، خلفت أثرا عميقا رفقة كل من ثريا ونجاة، لدى كل أفراد البعثة المغربية إلى مونروفيا. الليبيريون لا يعرفون من المغاربة إلا بودربالة وحجي لا يعرف الليبيريون من سكان المغرب، الذين يتجاوز عددهم الثلاثين مليون نسمة، إلا اسمين فقط هما مصطفى حجي وعزيز بودربالة.خلال وجودنا بملعب أنتوانيت توبمان، بالعاصمة مونروفيا، اقترب منا الكثير من الشباب، للسؤال عن اسم حجي وأخباره وعن عدم تدريبه المنتخب الوطني، وعندما سألناهم عن سبب هذه الأسئلة أخبرنا أنهم يحبونه كثيرا خصوصا بعد الهدف الذي سجله في مرمى نادر السيد حارس مرمى المنتخب المصري خلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1998.أما بالنسبة إلى بودربالة فيحكي كامارا كيكي، الذراع اليمنى للنجم الليبيري جورج ويا، أن بداية الثمانينات شهدت مباراة قوية بين منتخبي المغرب وليبيريا بملعب أنتوانيت توبمان، فبعد نهاية مباراة الذهاب بالمغرب بفوز الأسود بثلاثة أهداف لهدف، قرر الاتحاد الليبيري التهييء بشكل جيد لمباراة الإياب، لكن مفاجأة الأسود كانت كبيرة، بالفوز بخمسة أهداف لصفر.يقول كامارا، الذي كان صحافيا حينها "انطلقت المباراة بشكل قوي لصالح الليبيريين، لكن بعد ذلك لم نعد نشاهد إلا لاعبي المنتخب المغربي، لتنتهي المباراة بخمسة أهداف لصفر، ولم تنته الأمورهنا، إذ قرر رئيس البلاد تحويل كل اللاعبين إلى إحدى الثكنات العسكرية، بعدها علمنا أن المغاربة وفي غفلة من الجميع أقاموا معسكرا إعداديا بغينيا، استعدادا لمباراة الإياب خصوصا أن المناخ يتشابه بين البلدين، إنها مباراة لا تنسى، خصوصا هدف عزيز بودربالة من وسط الميدان في الدقيقة العاشرة من الشوط الأول". إلين جونسون...تكتب تاريخا جديدا لليبيريا اصبحت السيدة الليبيرية إلين جونسون سيرليف أول رئيسة جمهورية منتخبة في تاريخ القارة الإفريقية، عندما أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات تفوقها بالحصول على ‏59 في المائة‏ من الأصوات مقابل‏40.8 في المائة‏ لمنافسها، أسطورة كرة القدم الإفريقية جورج ويا.إلين جونسون سيرليف، التي يلقبونها بالمرأة الحديدية أو والدة الأمة‏، كما لقبها مؤيدوها خلال الحملة الانتخابية الشرسة التي تمكنت في الجولة الثانية منها من تحقيق نصر كبير والتغلب علي التاريخ والتقاليد والإعلام العالمي والفوز علي أقوى منافسيها لاعب كرة القدم العالمي الشهير جورج وياه، لتكون أول امرأة في تاريخ القارة تتولي منصب رئيس الجمهورية المنتخب‏.‏وكانت سيرليف قد ولدت في ليبيريا سنة 1939 ‏وأجدادها من العبيد السود الأفارقة الذين تم تحريرهم في امريكا وترحيلهم في عام‏1847‏ للعيش إلى جانب بعض القبائل المحلية في ارض جديدة بغرب القارة الإفريقية، التي تحولت الي دولة ليبيريا الحالية‏.‏درست سيرليف بالولايات المتحدة وتخرجت في جامعة هارفارد قبل عودتها إلى البلاد حيث ركزت في بادئ الأمر على عملها‏، مصرفية في سيتي بنك الي جانب رئاستها عدة مؤسسات تنموية ومصرفية في البلاد وهو ما أهلها لنيل احترام الرئيس صامويل دو فتم اختيارها وزيرة للمالية سنة 1980، ولكن سرعان ما بدأت سيرليف نضالها السياسي عندما طالبت برحيل الرئيس دو وهو ما أدى إلى اعتقالها مرتين وفي احدي المرات تم إيداعها زنزانة بها ‏10‏ نساء معارضات لنظام الحكم في ذلك الوقت وقد اعدمن جميعا إلا سيرليف التي نجت لتكتسب المزيد من الشعبية والخبرة بين صفوف المعارضة‏.‏ وخلال الأعوام التالية اتجهت سيرليف إلى العمل في البنك الدولي وأقسامه ومكاتبه المختلفة وفي برنامج الأمم المتحدة للتنمية، حتي عام‏1997‏ عندما قررت العودة من جديد لتمارس السياسة في بلدها الذي دمرته الحرب الأهلية‏.‏تزعمت سيرليف حزب الوحدة ودخلت الانتخابات الرئاسية في عام‏1997‏ الا أنها احتلت المركز الثاني بعد الرئيس السابق تشارلز تايلور‏.‏ ولكن الهزيمة لم تثنها عن هدفها وعادت الحرب الأهلية من جديد الي البلاد واضطرت للاختلاف مع تايلور بعد ان كان هناك تعاون بينهما‏.‏وعند انتهاء الحرب الأهلية رسميا في‏2003‏ بعد‏14‏ عاما من الدمار ونفي تايلور وتسليم البلاد لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة برزت سيرليف كأحد ابرز الرموز السياسية القادرة علي إنقاذ البلاد وإعادة تأهيلها من الدمار الذي لحق بها خلال الحرب الأهلية‏.‏وكان لفوز سيرليف وقع كبير داخل ليبيريا والقارة السمراء‏، فقد بدا واضحا أنها بدأت تكتب تاريخا جديدا لهذا البلد الذي لم يذق يوما طعم الاستعمار، لكن في المقابل عاش سنين طويلة تحت رحمة ميليشيات الحرب الأهلية. ويا...قدوة الشباب الليبيري«جورج ويا نموذج رائع يجب أن يقتدى به ليس فقط في الرياضة ولكن في كل مناحي الحياة، لأنه لا يلهث وراء المناصب والمال»، بهذه الكلمات قدم الصحافي الليبيري كيكي كامارا، اللاعب الأسطوري إلى لاعبي الوداد خلال الاستقبال الذي خصص له بفندق غولدن غيت بالعاصمة مونروفيا.وبالفعل فويا هو قدوة حقيقية لشباب ليبيريا، يرون فيه الشاب الذي استطاع أن يصل إلى العالمية بعد أن ذاق مرارة الفقر والحرمان في شوارع مونروفيا حيث لعب الكرة لأول مرة.بدأ ويا لعب الكرة حين كان في السابعة من عمره في أحياء مونروفيا، وهي المدينة التي حصل فيها على أكبر نسبة من الأصوات حين أراد أن يصبح رئيسا للبلاد. وحتى بعد انتقاله من فريقه أنفنسيبل إلى تونير ياووندي الكامرون وبعده موناكو الفرنسي، وباريس سان جيرمان، ظل قريبا من نبض الشارع الليبيري، ورغم أنها المرة الأولى التي يذوق فيها طعم العنصرية، إلا أنه ظل محبا لبلده ولقارته. في أسي ميلانو ستفتح أبواب الشهرة والمجد أمامه، وعندما حصل على الكرة الذهبية، أحسن لاعب في العالم، أهداها الى الزعيم الإفريقي التاريخي نيلسون مانديلا الذي قضى ثلاثين سنة من عمره يكافح الميز العنصري في بلده جنوب إفريقيا.من بين الأمور الغريبة التي يحكيها أبناء بلده عنه، أنه كان أول من أدخل «البارابول» إلى مونروفيا، وفتح باب بيته إلى الجميع من أجل مشاهدة برامج قنوات خارجية. لكن ما يجعل الجميع يفتخر بهذا النجم الأسطوري، هو أنه عندما احتل الرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية قرر الانسحاب والسبب حسب ما كشفه خلال لقائه ببعثة الوداد إلى ليبيريا «لقد خشيت على بلادي من حرب أهلية بعد أن عاد الهدوء إليها، لقد تحملت المسؤولية وقررت الانسحاب خوفا من الكثير من الأمور. الآن الأمور مستقرة لكنها لم تكن لتكون كذلك لو قررت الاستمرار في الانتخابات». أحمد نعيم (موفد الصباح إلى ليبيريا)

مغاربة ليبيريا بين الأنترنت والطبخ والأمم المتحدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حـضـور الإعـلام فـي الدستـور المغـربـي

مشروع قانون الإضراب يقسم الحكومة والنقابات

مقالات ذات صلة