أسرار الهروب الكبير لشرطي القذافي الأول

السنوسي قطع حدود خمس دول متخفيا وحاول لقاء جنرال بالرباط وإعلان المقاومة من المغرب كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في عددها الأخير، تفاصيل جديدة حول إيقاف عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات الليبية في عهد نظام القذافي، وأسباب سفره إلى المغرب ورفض المصالح الأمنية التدخل في الموضوع. وعددت المجلة الرحلات الطويلة للسنوسي عبر حدود خمس دول إفريقية، إذ قطع أزيد من ألف كيلومتر في صحراء مالي، ونجح في التنقل اعتمادا على علاقاته شخصية، ومنها تواطؤ أفراد من الجيش المالي، قبل أن يقرر التوجه إلى المغرب للقاء عدد من أنصار القذافي بالبيضاء. منذ سقوط نظام القذافي، يوم 21 غشت 2011، نجح الشرطي الأول في النظام في البقاء متخفيا إلى غاية 16 مارس الجاري، إنه رقم قياسي. فما سر نجاح عبد الله السنوني في تفادي الإيقاف منذ فراره من ليبيا؟ استعان السنوسي بشبكة استثنائية، بكل المقاييس، تمتد من القاهرة إلى الرباط، وتتمثل في رؤساء الاستخبارات الليبية في عدد من البلدان، والتي مكنته من تجاوز حدود خمس دول، إلى غاية اعتقاله يوم 16 مارس بمطار نواكشوط.مساء 21 غشت 2011، سيبدأ هروب السنوسي، ففي هذا اليوم، بدأت طرابلس في السقوط، و"الرجل الثاني في النظام"، كما يسميه اليوم نائب الوزير الأول الليبي مصطفى بن شاقور، إذ حدد السنوسي موعدا للصحافيين الأجانب للإدلاء بتصريح صحافي بفندق "ريكسوس" وأشار إلى أن "ليبيا تتعرض إلى الهدم عن طريق عصابات إرهابية"، وبعد ذلك اختفى في الظلام...في اتجاه بني وليد بالجنوب الغربي للعاصمة الليبية، حيث سيحاول رفقة سيف الإسلام القذافي تنظيم المقاومة، بجانب محمد نجيم، الضابط في الجيش الليبي.الهروب الكبيرنهاية غشت الماضي، وبحماية من كومندو من الفيلق 32، سيصل السنوسي إلى سرت وبعدها الجنوب الليبي، وبالضبط عند عشيرته بمغاغة، ومن هناك سيبدأ في إقناع صهره العقيد القذافي بالالتحاق به بالصحراء.سيستقر السنوسي وسط عشيرته وسيبدأ في تجميع أكبر عدد ممكن من الرجال، بمساعدة حقائب الدولار التي يتوفر عليها وسبائك الذهب، استعدادا للهروب الكبير وسط الصحراء الليبة...يوم 20 أكتوبر، يقتل القذافي، إنها إشارة الرحيل، بسيارات رباعية الدفع وعدد من رجال الطوارق، سيتمكن السنوسي من عبور الحدود الليبية النيجرية عبر معبر السالفادور، وهو عبارة عن معبر جبلي خطير، دليله "غيسا" الأخ الأصغر لأحد المتمردين بالنيجر، الذي تعود معرفته به إلى سنة 2004...فخلال 2004، غيسا اتهم بالمشاركة في جريمة قتل واعتقل بنيامي، عاصمة النيجر، ومن أجل إطلاق سراحه، اختطف أخوه أربعة جنود نيجريين، وطالب ببدء المفاوضات، ومن سيقود المفاوضات؟ إنه عبد الله السنوسي، الأخير سيستقبل غيسا بطرابلس ولذلك فغيسا يعيد للسنوسي بعضا من أفضاله.لكن تبقى معرفة كيف نجح السنوسي في قطع 1000 كيلومتر بين ليبيا والنيجر، من دون إيقافه من طرف دوريات جزائرية أو نيجرية، إذ لجأ دليل السنوسي إلى شراء "الطريق"، يؤكد مصدر خبير في مثل هذه الشؤون، لأنه بالدولار يمكن شراء ممر آمن على الحدود".بعد وصول السنوسي إلى مالي، بداية نونبر الماضي، سيتم استقباله من طرف الضابط نجيم، من صفوف الجيش الليبي الذي التقى معه ببني وليد، بل سيمنحه عددا من الجنود من أجل حمايته بمنطقة كيدال، كما أن قائد الطوارق أسس الجبهة الوطنية لتحرير أزواد.التفكير بالمغربقضى السنوسي أربعة أشهر طويلة بين الرمال والصخور، وفي بداية مارس الجاري، سيقرر الانتقال إلى المغرب، ليس فقط من أجل الاستمتاع بجمال المملكة، بل أيضا من أجل لقاء عدد من الضباط المستقرين بالمغرب، مثل الجنرال خويلدي حميدي، إضافة إلى استغلال المغرب من أجل لقاء المناصرين للقذافي بمصر والجزائر، وبما أن المغرب ليست له حدود برية مع ليبيا، فإنه المكان الأنسب والسري من أجل عقد مثل تلك اللقاءات، فهدفه كان يتمثل في إعادة هيكلة بداية المقاومة ضد المجلس الوطني الانتقالي بليبيا.من أجل الذهاب إلى المغرب، اختار السنوسي المرور عبر العاصمة الموريتانية نواكشوط، من كيدار، حيث استقر لأربعة أشهر، إلى نواكشوط. ما يقرب من ألفي كيلومتر، لكن حراسه من الجبهة الوطنية لتحرير أزواد على علاقة جيدة مع النظام الموريتاني، ورغم ذلك فالسنوسي، قرر التنكر وراء لحية، من أجل عدم التعرف عليه، إضافة إلى تسلحه بعدد كبير من جوازات السفر المزورة، من بنيهم جواز سفر مالي، والأهم هو أن النظام الموريتاني سيغمض عينيه عن الصديق القديم الذي طالما قدم خدمات جليلة لهذا النظام خلال الانقلاب الذي شهدته البلاد سنة 2009، وبعد الوصول إلى نواكشوط سيستقل السنوسي الطائرة المتوجهة إلى الدار البيضاء.فرنسا تدخل على الخطبالطبع تعرف الأمن المغربي على "السمكة الكبيرة" التي حملتها الطائرة القادمة من نواكشوط، وعند وصوله ستتم مراقبته بشكل مستمر، لكن دون المساس به، إذ سيتم تركه يتجول في شوارع المدينة، كما أنه سيستقر عند أحد المواطنين الليبيين، لكن المشكل هو أن المخابرات الفرنسية ستدخل على الخط، وستتعرف على السنوسي، بفضل التنصت على المكالمات وتعاون أحد المقربين منه، يؤكد مقرب من التحقيق.تعتبر فرنسا السنوسي الصندوق الأسود لقضايا عديدة، ومنها تحطيم الطائرة في لوكربي سنة 1988، و"دي سي10" سنة 1989...، فبالنسبة إلى باريس السنوسي هو حامي أسرار القذافي، ونيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، يرغب بشدة في تسلمه، خصوصا في عز الحملة الانتخابية الرئاسية، لذلك ستطلب السلطات الفرنسية من نظيرتها المغربية تسليمه إياها، من أجل متابعته من طرف القضاء الفرنسي والمحكمة الجنائية الدولية، لكن ولأسباب تعرفها وحدها لم تلتفت السلطات المغربية لطلب نظيرتها الفرنسية.لم يتبق بالنسبة إلى السنوسي إلا نواكشوط إلى حيث سيقرر الرحيل للمرور إلى جنوب مالي، لكن "الضغوط على موريتانيا كانت كبيرة من طرف الفرنسيين، لأنها لا تملك القدرة على المقاومة مثل المغرب"، يؤكد أحد الديبلوماسيين.ويوم 16 مارس الجاري، عندما استقل السنوسي الطائرة التابعة للخطوط الملكية المغربية من مطار محمد الخامس في اتجاه نواكشوط، كان القرار قد اتخذ، عند نزوله سيجد أحد أفراد عائلته في انتظاره، ليس ابنه كما كتب في وسائل الإعلام، وفي صباح اليوم الموالي سيعلن الرئيس الفرنسي عن إيقاف السنوسي "بفضل المجهودات المشتركة بين السلطات الفرنسية والموريتانية"، بعد أيام قليلة، المجلس الوطن الانتقالي الليبي، سيتقدم بالشكر إلى الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز، من أجل قراره الشجاع بإيقاف السنوسي. تفاصيل رحلة السنوسي إلى المغرب رغم أن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، نفى علم السلطات المغربية بوجود عبد الله السنوسي فوق أراضيها، فإن المصادر المحلية والدولية تكشف أن السنوسي كان تحت المراقبة.طرحت مجلة "جون أفريك" سؤالا محوريا حو سر تغاضي الأجهزة الأمنية في المغرب عن نشاط السنوسي؟ وتجيب المصادر نفسها أنه في أواخر شهر يناير الماضي، حل السنوسي بالمغرب قادما من العاصمة المالية باماكو بجواز سفر مزور، واستقر بفيلا في ملكية أحد أقربائه في حي راق بالدارالبيضاء. وعكس ما نشرته وسائل إعلام عديدة، فإن السنوسي كان تحت مراقبة الأجهزة الأمنية بصفة مستمرة إلى حين مغادرته التراب الوطني.دخل إلى المغرب بجواز سفر مالي مزور يحمل صورة شيخ من الطوارق الماليين، وعمد إلى إخفاء ملامح وجهه بإطلاق لحية وانتحال اسم "عبد الله ولد أحمد"، علما أن السنوسي لم يسبق له إطلاقا زيارة المغرب حتى في عهد نظام القذافي، وأن الأجهزة الأمنية فطنت إلى وجوده في المطار، فقررت تعقبه من أجل تحديد علاقاته داخل المغرب.ما جعل الأمن المغربي لا يتدخل إطلاقا لإيقاف السنوسي توصله بمعلومات أكيدة أنه لم يكن ينوي الاستقرار بالمغرب، بل اعتبر الأخير محطة عبور قبل السفر إلى بلد آخر، وأنه مكث حوالي ثلاثة أشهر يمارس حياته بشكل عاد، ولم يجمعه أي لقاء بأي شخصية أو جهة، حسب ما توصلت إليه كل المصالح الأمنية المكلفة بمراقبته.لم يتدخل المغرب لأن السنوسي لا مشاكل له على الإطلاق مع المغرب، عكس سابقه في جهاز المخابرات الليبية قذاف الدم، مما جعل المصالح الأمنية تتريث قبل اتخاذ أي قرار بشأنه، نافية، في الوقت نفسه، وجود أي اتصالات أمنية بدول أجنبية لتحديد مصيره، فحلوله أحيط بسرية تامة إلى حين مغادرته التراب الوطني في حدود الساعة الثامنة مساء في رحلة على متن الخطوط الجوية الملكية في اتجاه موريتانيا.وظل الرجل الثاني في نظام القذافي، طيلة مقامه بالبيضاء، يزور بعض المحلات التجارية الكبرى والفنادق، ويرتاد كورنيش عين الذئاب، وبعض المقاهي المشهورة، بل إنه تجول في "جوطية درب غلف"، وظل رفقة قريبه، وتفادى إثارة أي مشاكل لاعتقاده أن المصالح الأمنية لم تحدد هويته. إعداد: خالد العطاوي وأحمد نعيم

أسرار الهروب الكبير لشرطي القذافي الأول

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بــورتــريــه: الــســنــوســـي...الــعــلــبــة الــســوداء

الصباح ترد على "تكذيب" الخلفي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات