مؤسسة قاضي التنفيذ بين التأسيس والتحديث (2/2)

المشرع المغربي يجب أن يراعي المتغيرات التي يعرفها المجتمع (2/2) بقلم: محمد القوص * إن فكرة خلق مؤسسة قضاء التنفيذ جهة قضائية يسند لها هذا الاختصاص بشكل يجعلها مستقلة إلى حد ما بمساطرها واختصاصاتها الوظيفية والنوعية، وضعت كل من القانون المصري والفرنسي في خانة التشريعات الحديثة التي بلورت المفاهيم القانونية المرتبطة بهاته المؤسسة إلى جانب الاجتهاد القضائي، الذي كرس في كل التشريعين دور قاضي التنفيذ وتعميقه على مستوى الممارسة خلال مساطر التنفيذ، وما تنتج عنها من اشكالات وصعوبات. فقاضي التنفيذ في التشريع الفرنسي، هو جهة قضائية مستقلة وإن كان هذا الأخير قصد إسناد الاختصاص لرئيس المحكمة، والذي يمكن له أن ينتدب لهاته المهمة أحد القضاة وذلك من خلال مجموعة من النصوص الخاصة والواردة في قانون 09 يوليوز1991 ، فبالإضافة إلى اختصاصات النظر في صعوبات التنفيذ بمختلف أنواعها، أسند له المشرع الحق في النظر والبت في طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن إجراءات التنفيذ وإن كان هذا التوجه في نظرنا مجانبا للصواب، على اعتبار أن طلبات التعويض عن الأضرار يجب أن تخضع للقواعد العامة، ولا يعود فيها الاختصاص لقاضي التنفيذ، وإن كنا في الوقت نفسه نثمن التعديلات الجديدة التي أتى بها المشرع الفرنسي من خلال قانون2010_1609 بتاريخ22 دجنبر2010 ، والتي أعطت لقاضي التنفيذ صلاحيات البت في المنازاعات المتعلقة بعسر المدين_الخواص_، وفي هذا التعديل حمولة اجتماعية، الهدف منها مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمنفذ عليه. المساطر المتبعة امام قاضي التنفيذ وطبيعتها إذا كان الاختصاص النوعي لقاضي التنفيذ، يتحدد أساسا في النظر في صعوبات التنفيذ الموضوعية والوقتية، والتي هي عوارض وموانع قد تطرأ بعد صدور الحكم وتحول دون تنفيذه ودون أن يمس قاضي التنفيذ بحجية الحكم القضائي موضوع التنفيذ، فإن مساطر عرض استشكالات التنفيذ يجب أن تكون شفوية وبسيطة وأن يبت فيها داخل آجال معقولة، حتى لا تتضرر مصالح الأطراف. وبعد توجيه الاستدعاء لهم لأقرب جلسة مع إصدار أمر بإيقاف التنفيذ بناء على مقال الصعوبة وبشكل تلقائي وبقوة القانون، إلى حين البت في الصعوبة بمقتضى حكم يمكن استئناف أمام هيأة جماعية على اعتبارها _قاضي تنفيذ درجة ثانية، وأن تنظر هاته الهيأة القضائية وبصفتها قاضي تنفيذ في الطعن بدوره داخل أجل معقول مع الاحتفاظ بالطبيعة الشفوية للمسطرة تيسيرا على المتقاضين وابتعادا عن تعقيدات المساطر، لما في ذلك من تجسيد لمفهوم الحكامة القضائية وتحقيقا لها، بالإضافة إلى كل ما سبق أن بسطناه، فمن الضروري والمنطقي أن يكون قاضي التنفيذ متفرغا لهاته المهام دون تكليفه بمهام أخرى، التي من شأنها إثقال كاهله، وبالتالي تنعكس سلبا على مردوديته، فتفرغ قاضي التنفيذ هو شرط أساسي وضروري لإنجاح عمل هاته المؤسسة القضائية. تحديث مؤسسة قاضي التنفيذ رهان النجاعة القضائية والأمن القضائي إن القول بالأمن القضائي والنجاعة القضائية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحقق على أرض الواقع، دون تحديث قضاء التنفيذ جزءا هاما في المنظومة القضائية وانفتاحه على باقي مكونات هاته المنظومة، خاصة هيأة المفوضين القضائيين الذين يترجمون ما قضت به الأحكام القضائية على أرضية الواقع، فالعلاقة التي ينبغي أن تجمع بين قضاء التنفيذ والمفوض القضائي، يجب أن تكون علاقة تشاركية وتكاملية، وليست علاقة تبعية بحكم استقلال مهام المفوض القضائي، كما هو الأمر في التجربة الفرنسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وفي إطار تكريس دولة الحق القانون والمساواة يجب خلق مؤسسة قاضي التنفيذ بالمحاكم الادارية، ولقد سبق أن أثير هذا الاشكال في سياق مواكبة الحوار الوطني حول الاصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة الذي نظم بالمحكمة الادارية بفاس بتاريخ 30 نونبر 2012 ، حيث أشير إلى ضرورة إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ بالمحاكم الإدارية، للسهر على تنفيذ أحكام الإدارة بنصوص قانونية واضحة وصريحة، تحدد الاختصاصات والسلطات والتنصيص القانوني على صيغة تنفيذية، خاصة بالأحكام الإدارية موجهة للمفوضين القضائيين المكلفين بالتنفيذ. وهذا لا يمنع من تثمين الإجراءات، التي جاء بها ميثاق إصلاح المنظومة القضائية، في ما يخص تنفيذ الاحكام القضائية في مواجهة الإدارة وأشخاص القانون العام، وإن كانت مازالت إلى حد اليوم لم تجسد على أرض الواقع. وبصفة اجمالية لا يمكن الحديث عن وجود مؤسسة قاضي التنفيذ في التشريع المغربي، مؤسسة قائمة الذات لها اختصاصات محددة، فكل ما يتعلق باشكالات التنفيذ يبقى من اختصاص رئيس المحكمة بصفته هاته، وهذا الاتجاه واضح من خلال النصوص القانونية المتفرقة ومن خلال الاجتهاد والعمل القضائي كما هو الحال بالنسبة للقرار عدد 322_8 المؤرخ بتاريخ 04_06_2013 ملف مدني 3664_1_8_2012 والذي أكد ما جاء في المادة 478 من ق م م، وأعطى كامل الصلاحية لرئيس المحكمة في تغيير التاريخ المحدد للسمسرة، تبعا لمقال الأطراف أو لعون التنفيذ وفي هذه الصلاحيات تدخل اجراءات التنفيذ والمنطق القانوني السليم يفرض إعطاء الاختصاص في تغيير التاريخ المحدد للبيع بالمزاد العلني للمفوض القضائي بحكم أنه الأقرب إلى واقع التنفيذ، وهذا هو التوجه المعتمد، كما أن هناك توجها قضائيا آخر كرس من جهة اختصاص النظر في صعوبات التنفيذ المسندة لرئيس المحكمة، مع التنصيص من ناحية أخرى على أن صعوبات التنفيذ لا تقتصر على الأحكام القضائية بل تمتد لتشمل جميع السندات التنفيذية (القرار عدد 323 المؤرخ في 9_12_2013 ملف عدد 287_13_2 )، فالنصوص المتعلقة بإجراءات التنفيذ متفرقة وغير موحدة في اطار تشريعي واحد، وبين جهة قضائية واحدة ومتخصصة ومتفرغة جهة قائمة الذات، وهذا يفضي إلى القول بعدم وجود مؤسسة قاضي التنفيذ بالمعايير الموجودة في بعض التشريعات المقارنة. لهذا ينبغي على المشرع المغربي أن يراعي المتغيرات التي يعرفها المجتمع، ويسرع في خلق مؤسسة قاضي التنفيذ لضمان الأمن القضائي والحكامة القضائية، لأنه لا يمكن تصور تنفيذ الأحكام القضائية في غياب هاته المؤسسة، تعبيرا واقعيا عن دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون، لهذا ولإعطاء ديناميكية أكثر لدور قاضي التنفيذ، يجب أن تبنى المساطر امامه على النقط التالية: الشفوية والحضورية وعقلنة الآجال وقضاء فردي والتفرغ، بمعنى أن يكون قاضي التنفيذ متفرغا لمهام التنفيذ فقط دون غيرها، في الاستشكالات والصعوبات التي تكتسي طابعا معقدا، إحالة الأمر على قضاء جماعي بصفته قاضي التنفيذ. إن تحديث قضاء التنفيذ تستلزمه متطلبات ومتغييرات المجتمع، وذلك لتحقيق الأمن القضائي، الذي أصبح رهانا يجب كسبه وتحقيقه، فخلق هاته المؤسسة ليس مجرد مطلب عاد، ولكن ضرورة تفرضها حتمية التطور وحتمية إصلاح منظومة العدالة. * مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس

مؤسسة قاضي التنفيذ بين التأسيس والتحديث (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاكمة مختطفي رضيع مراكش

سرقة هاتف خليجي تستنفر الأمن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات