18 وزيـرا تعاقبـوا على أم الـوزارات منذ الاسـتقـلال

أغلبهم تقنوقراط ومقربون من دوائر القرار ويدينون بالولاء إلى القصر تعاقبت 18 شخصية على أم الوزارات، أغلبهم من التقنوقراط، وتحكمت عوامل القرب من دوائر القرار والمعطى القبلي والانتماء الجهوي في معايير انتقائهم. سنخصص هذه الورقة للتطرق للسياقات العامة التي تم فيها تعيين هؤلاء الوزراء ومساراتهم المهنية والشخصية، فضلا عما طبع علاقتهم بالأحزاب السياسية والأحداث التي عاشها المغرب منذ الاستقلال إلى الآن، والتي كانت سببا في ذهاب هذا الوزير وتعيين آخر خلفا له، كما يكون لزاما الكشف عن بصمات هؤلاء الوزراء التي تركوها داخل أم الوزارات وانعكاساتها على تدبيرها. الحسن اليوسي: دجنبر 1955 - ماي 1956 تولى حقيبة الداخلية في أول حكومة تم تشكيلها في المغرب، وكان لحسن اليوسي، قائدا عسكريا، وكان الملك الراحل محمد الخامس يسعى إلى تعيين وزير للداخلية قادرا على ضمان الاستقرار بما يحفظ أمن المملكة في سياق سياسي متوتر شهد اضطرابات وأحداث عنف، كان حزب الاستقلال بطلها بامتياز. لم يكن الحسن اليوسي رجل ملفات بقدر ما كان تعيينه وزيرا للداخلية راجعا إلى ولائه للعرش، مثلما كان عليه الحال بالنسبة إلى رئيس الحكومة امبارك البكاي، وكذلك إلى العلاقة التي كانت تربطه برجال المقاومة، خاصة الذين رفضوا تسليم أسلحتهم. إدريس المحمدي : دجنبر 1956 - ماي 1960 كان حزب الاستقلال من خلال مليشياته المسلحة الموازية يقوم بالمهام الحقيقية المفروض أن تقوم بها وزارة الداخلية، من قبيل تحقيق الاستقرار واحتواء رجال المقاومة والقضاء على جيوب التمرد والحد من تأثير حزب الشورى بزعامة محمد بلحسن الوزاني، لذلك تم تعيين إدريس المحمدي على رأس وزارة الداخلية خلال الفترة المتراوحة ما بين دجنبر 1956 وماي 1958، وكذلك خلال الفترة المتراوحة ما بين دجنبر 1958 وماي 1960. كانت المهمة الرئيسية لوزير الداخلية الجديد آنذاك هي احتواء حزب الشورى. مسعود الشيكر: ماي 1958 - دجنبر 1958 عين مسعود الشيكر الذي يتحدر من منطقة سيدي قاسم وزيرا للداخلية في سياق وضعية الاضطرابات السياسية المتعددة بسبب الصراع الناجم عن النزوعات الهيمنية لحزب الاستقلال الذي كان ممثلا في الحكومة، وما عرفته الفترة من انتفاضات شملت منطقة الريف وجبال الأطلس المتوسط ، أبرزها انتفاضة عدي أوبيهي، المدعوم في البداية من القصر، والمحجوبي أحرضان، قبل أن يؤدي تمرده إلى إعدامه. كان مسعود الشيكر شخصية مستقلة، غير مرتبط بأي حزب سياسي، وكان يدين بالولاء فقط للملك محمد الخامس، وهو ما كان يعكس الرغبة الملكية في تحييد وزارة الداخلية بالنظر للرهانات السياسية للمرحلة . امبارك البكاي: ماي 1960 - أبريل 1961 كان امبارك البكاي، الضابط السابق في الجيش الفرنسي ، أول رئيس حكومة في المغرب المستقل، وكان يدين بالولاء للملك محمد الخامس. تولى مبارك البكاي لفترة قصيرة تسيير وزارة الداخلية انتهت بوفاته في سنة 1961، غير أن الفترة التي شغل فيها البكاي حقيبة الداخلية شهدت عدة تحولات سياسية من قبيل الانشقاق الذي شهده حزب الاستقلال الذي خرج من رحمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فيما بدأت بصمات ولي العهد المولى الحسن تظهر على الهيكلة الجديدة لوزارة الداخلية التي أصبحت تتولى المهام الإدارية بعد إنشاء جهاز» الكاب1» والإدارة العامة للأمن الوطني. أحمد رضا اگديرة: أبريل 1961 ـ يونيو 1963 شهدت هذه الفترة صراعا قويا بين القصر والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، غير أنها تميزت كذلك بالدور الأمني الذي أصبح يقوم به الجينرال محمد أوفقير في الإدارة العامة للأمن الوطني إلى جانب وزير الداخلية أحمد رضا اكديرة الذي كان من قام بتشكيل حزب سياسي من أجل الحد من تأثير وقوة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. كان اكديرة وراء تشكيل جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي استقطبت شخصيات من حزبي الاستقلال والشورى، وكان إعداد « الطبخة» السياسية لولاية 1963 التي انتهت إلى إعلان حالة الاستثناء سنة 1965. أحمد الحمياني: يونيو 1963 - نونبر 1963 يمكن أن تكون الأحداث التي شهدها المغرب بعد انتخابات 1963 هي التي سرعت بخروج أحمد رضا اكديرة من وزارة الداخلية وتعيين أحمد الحمياني خلفا له . شغل الحمياني لفترة انتقالية قصيرة حقيبة الداخلية في انتظار اتضاح الرؤية، وكان من بين الشخصيات المنتمية إلى فاس التي تولت تسيير هذه الوزارة السيادية . عبد الرحمان الخطيب: نونبر 1963 - غشت 1964 تولى عبد الرحمان الخطيب، شقيق عبد الكريم الخطيب القيادي آنذاك في حزب الحركة الشعبية وأول رئيس للبرلمان في المغرب، حقيبة الداخلية خلال فترة قصيرة، تميزت بأوضاع مضطربة سياسيا، استمرت من نونبر 1963 إلى غشت1964. محمد أوفقير: غشت 1964 - غشت 1971 شغل الجنرال محمد أفقير حقيبة الداخلية خلال سبع سنوات، كان الهاجس الأمني حاضرا فيها بقوة، وكانت تصفية شيخ العرب فرصة مواتية لمحمد أوفقير لكي ينقض على حقيبة وزارة الداخلية، ولأول مرة أصبحت صفة وزير الداخلية تمثل صورة الرجل الذي يسيطر على كل شيء من إدار ة الأمن الوطني إلى جهاز الكاب1، بل وضع يده على الحكومة. أصبح جهاز الكاب1 ينفذ عمليات الاختطاف تحت غطاء الشرطة القضائية، وكان أوفقير وزير الداخلية يملي قوانينه على وزارة العدل، وهي الصيغة التي اعتمدها فيما بعد إدريس البصري إلى حين عزله سنة 1999. تزامن كل ذلك مع مرحلة تميزت بالمحاكمات السياسية التي أكدت عدم استقلالية القضاء، غير أن قضية اختطاف المهدي بن بركة أدت إلى حل جهاز الكاب1 وإعادة هيكلة جهاز المخابرات. في سنة 1970 بدأت مرحلة سقوط أوفقير بعد أن سحبت منه الإدارة العامة للأمن الوطني لفائدة خصمه أحمد الدليمي، ثم في 1971 سحب الملك الراحل الحسن الثاني بساط الداخلية من تحت أوفقير لحسابات لدواعي مجهولة وكلفه بحقيبة الدفاع وعين أحمد بنبوشتة وزيرا للداخلية لفترة قصيرة . أحمد بنبوشتة: غشت 1971 - أبريل 1972 أصبح العامل السابق على إقليم فاس أحمد بنبوشتة وزيرا للداخلية خلفا للجنرال أحمد أوفقير، غير أن الأمر كان يتعلق بتعيين مؤقت بعد أن أصبحت اختصاصات وزارة الداخلية غامضة، وأصبح هناك نوع من التداخل في الصلاحيات بين وزارتي الداخلية والدفاع . غير أن المحاولة الانقلابية الثانية التي استهدفت الطائرة الملكية أدت إلى إلغاء وزارة الدفاع وإعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات وإعادة تحديد اختصاصات وزارة الداخلية التي أصبحت إدارية أكثر وأمنية أقل، إلا من بعض الاستثناءات المرتبطة بفترات معينة من تاريخ مغرب السبعينات . محمد بنهيمة: أبريل 1972 - 1975 / أكتوبر 1977 - مارس 1979 سلمت مفاتيح وزارة الداخلية لمحمد بنهيمة، طبيب ينحدر من إقليم آسفي، شغل منصب وزير للداخلية مرتين، فيما كان كل من حدو الشيكر وإدريس البصري بمثابة مساعدين له يشتغلان في الظل، وإذا كان محمد بنهيمة يتولى تدبير الجانب الإداري في اختصاصات وزارة الداخلية فإن إدريس البصري كان يتولى الإشراف على الجانب الاستخباراتي، خاصة الاستعلامات العامة، قبل أن يمتد نفوذه إلى جهاز مراقبة التراب الوطني ليصبح البصري في سنة 1974 كاتبا للدولة في الداخلية. حدو الشيكر: 1975 - أكتوبر 1977 يتحدر من قبائل زمور، لا تجمعه أي علاقة أسرية بوزير الداخلية السابق مسعود الشيكر الذي يتحدر من إقليم سيدي قاسم تولى في البداية منصب كاتب الدولة في الداخلية قبل أن يصبح وزيرا للداخلية . أحمد الميداوي: نونبر 1999 - شتنبر 2001 مدير عام سابق للأمن الوطني، اشتغل طويلا في الإدارة الترابية وتدرج فيها. يتحدر من إقليم تاونات، حيث انخرط في سلك الإدارة الترابية لأول مرة في سنة 1987، عندما عينه الملك الحسن الثاني عاملا على عمالة المحمدية، ثم عاملا على مدينة طنجة في سنة 1992 قبل أن يعينه مديرا عاما للأمن الوطني في سنة .خلافاته مع إدريس البصري ساهمت في إبعاده عن الأضواء، قبل أن يعينه الملك وزيرا للداخلية بموازاة مع تعيين فؤاد عالي الهمة كاتبا للدولة في الداخلية . إدريس جطو: شتنبر 2001 - شتنبر 2002 تولى إدريس جطو، رجل الأعمال المعروف، منصب وزير للداخلية وأشرف على تنظيم أول انتخابات تشريعية يشهدها العهد الجديد . خرج جطو، الذي يتحدر من مدينة الجديدة، من ديوان بوفتاس قبل أن يدخل الحكومة من بوابة وزارة التجارة ويظهر كفاءة عالية في مجال التدبير إلى درجة تكليفه بإعادة هيكلة « أونا». عكس البصري، أقام جطو جسرا للحوار مع الفاعلين السياسيين وكانت فترة تدبيره لقطاع الداخلية فرصة مواتية لظهور أحزاب جديدة ليجعل نعت الداخلية بأم الوزارات من تركة الماضي. مصطفى الساهل: أكتوبر 2002 - فبراير 2006 اختار الملك محمد السادس في سنة 2002 وزيرا جديدا للداخلية، ويتعلق الأمر بمصطفى الساهل المراقب المالي الذي قضى جزءا كبيرا من حياته المهنية بوزارة المالية قبل أن يتولى منصب وزارة الصيد البحري. غير أن تعيين الساهل وزيرا للداخلية في وزارة برأسين، إذ يقوم كاتب الدولة في الداخلية مثلما كان عليه الحال في نهاية الخمسينات بالإشراف على الصلاحيات الأساسية، جعل هذا الأخير يحاول أن يقوم بأدوار تتجاوز بوابة وزارة الداخلية عندما دخل في حروب كلامية مع الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، محاولا رسم خطوط حمراء لتصريحات رئيسي الكونفدرالية. شكيب بنموسى: 15 فبراير 2006 ـ 2007 عين شكيب بنموسى، في فبراير 2006 وزيرا للداخلية خلفا لمصطفى الساهل، وحاول الرجل التقنقراطي التقرب من الأحزاب السياسية، إلا أن مهمته لم تكن سهلة، خاصة في ما يتعلق بتدبير ملف تفكيك شبكات الإرهاب و ملف الانتخابات. تخرج بنموسى مهندسا من مدرسة البولتيكنيك بباريس ثم مهندسا من المدرسة الوطنية للقناطر والطرقات بباريس، وهو حاصل على شهادة الماسترز في العلوم من جامعة كابريدج الأمريكية وعلى دبلوم في تدبير المشاريع من معهد إدارة المقاولات. شغل عدة مسؤوليات بوزارة التجهيز قبل أن يتولى منصب الكاتب العام للوزارة الأولى ثم رئيسا منتدبا لشركة صوناصيد ورئيسا للمنطقة الحرة بطنجة، منذ سنة 2000 أصبح بنموسى عضوا في اللجنة التنفيذية لمجموعة «أونا»، ليشغل منذ دجنبر 2002 منصب والي كاتب عام وزارة الداخلية، قبل أن يصبح في شهر فبراير من سنة 2006 وزيرا للداخلية وإذا كان تعيين تقنقراطي من خارج وزارة الداخلية على رأس هذه الوزارة بمثابة إعادة الأمور إلى وضعها العادي، سيما أن شكيب بنموسى كان يدير هذه الوزارة تحت إشراف الوزير المنتدب فؤاد عالي الهمة. الطيب الشرقاوي 2007 ـ 2011 تولى ابن أبي الجعد حقيبة الداخلية خلفا لشكيب بنموسى في حكومة عباس الفاسي، وأشرف على تدبير ملف الانتخابات ومرحلة التصويت على الدستور الجديد، وكان من محاوري الأحزاب السياسية خلال فترة اتسمت بحراك الشارع المغربي وبكثرة الاحتجاجات والمسيرات، ما جعل مهمته صعبة على رأس أم الوزارات. مقربون منه اعتبروا أن الرجل تحمل خلال هذه المرحلة الحاسمة مهام صعبة خرجت منها الدولة بسلام على أمنيا وسياسيا. شغل الشرقاوي العديد من المناصب في سلك القضاء، كما تولى الشرقاوي منصب مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، الذي كان قد عين به سنة 1997 . شارك الشرقاوي في العديد من المؤتمرات الدولية، كما ساهم في تأطير العديد من الندوات والأيام الدراسية سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الدولي. وكان الطيب الشرقاوي يشغل منذ سنة 2007 منصب الوكيل العام للمك لدى المجلس الأعلى، قبل أن يعينه الملك محمد السادس سنة 2008 رئيسا أول للمجلس الأعلى، وهو المنصب الذي ظل يشغله الى أن عينه الملك محمد السادس وزيرا للداخلية، ونجح في مهمة الإشراف على انتخابات نونبر 2011 . امحند العنصر آخر الملتحقين يتولى امحند العنصر حقيبة الداخلية في حكومة بنكيران إلى جانب التقنقراطي الأمني الشرقي اضريس الذي عين كاتب للدولة في الداخلية. تعيين حزبي على رأس أم الوزارات، قرأه متتبعون بأنه إعلان عن خروجها من عباءة وزارة السيادة، وإشارة قوية إلى «تبعيتها» لسلطة رئيس الحكومة بموجب الدستور الجديد، إلا أن ذلك لم يحل دون تأكيد تقسيم الأدوار في وزارة برأسين، بين الشرقي اضريس الذي سيتولى الملفات الأمنية، والعنصر الذي سيشرف على ملفات الانتخابات ومحاورة الأحزاب السياسية. رشيد باحة

18 وزيـرا تعاقبـوا على أم الـوزارات منذ الاسـتقـلال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البصري... 25 سنة "داخلية"

الداخلية مازالت وزارة "سيادة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات