مستشفى الحي المحمدي بالبيضاء… بنيات تتطور وأطر تختفي

قسم الولادة افتتح قبل أسابيع بعد توسيع كلف ملايين الدراهم وأشغال للنهوض بباقي "التخصصات الساخنة" على خلاف الكثير من مستشفيات العاصمة الاقتصادية، يتموقع مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، فوق مساحة تحيط بها الخضرة ولا تطوقها الأبراج الإسمنتية، وفي محور يتسم بحركية سير منخفضة نسبيا، ورغم أن بنايته لا تكاد تعلو عن سطح الأرض إلا ببضعة أمتار، ورغم أن الأتربة والقليل من النفايات تملأ الساحة المقابلة لبوابته الرئيسية... ما أن يدلف المرء إلى ما وراء الباب الحديدي لبناية المستشفى حتى يلاقي عالما آخر. مساحات خضراء تشغل جنبات كبيرة من محيط البناية التي يرجع عمرها إلى عقود. أشجار وورود وأعشاب يسر لونها الأخضر الناظرين. مرضى وزوار لا تتوقف حركتهم جيئة وذهابا. نسوة ورجال. أطفال وشيوخ.. بعضهم بصحة ظاهرة وآخرون يستمسكون بعكاكيز تسند أجسادهم التي أنهكها المرض ونال منها. بعضهم يجلس فوق كراس في حضن الخضرة منتظرا قريبا سيغادر غرف المرض، أو ينتظر دنو موعد زيارة قريب على فراش المرض... في منظر غريب عن المؤسسات الاستشفائية بالمغرب، التي تكتظ عن آخرها بالمرضى وأهاليهم، في غياب فضاءات لاستقبالهم...الحراس الخاصون متمركزون عند كل مداخل المستشفى. «يكابدون» عناء تنظيم توافد المرضى على المستشفى، وتنظيم مرافقيهم أو زوارهم بغرض فرض احترام مواعد الزيارات... وأحيانا قد يضطرون إلى الدخول في مشاحنات وشجارات وتبادل للسباب، والكلام الجارح في أحايين أخرى، لكنهم رغم كل هذا يبدو أنهم متحكمون في سير الأمور. في ردهة الاستقبال يحسب المرء أن عليه إغلاق خياشيمه خشية أن تلتقط ما لا يطيب لها، لكن الواقع خلاف ذلك. أرضية الرضية تلمع من شدة النقاوة. أريج سائل تنظيف طيب الرائحة يفوح من كل مكان. الحركية داخل هذه الردهة تحددها لوحات صغيرة كُتبت عليها اتجاهات أقسام المستشفى، وبها أيضا سبورة للإعلانات النقابية. مليكة مطار، رئيسة ممرضات قسم الولادة، لا تتوقف عن الحركة. الكل يناديها باسمها الشخصي، هي لا تتوقف عن الابتسام في وجه كل المرضى والزوار، محاولة الانتقال بين غرفة عمليات التوليد وغرف رقود النافسات. عبد الرحيم معلاوي، طبيب مولد، يفتخر بالحال الذي صار عليه قسم التوليد. أسرة الغرف والوسائد والستائر وصباغة الجدران بهذا القسم مازالت كلها جديدة. أشغال بناء وإصلاح هذا الجناح انتهت قبل حوالي أسبوع فقط. معلاوي يؤكد أن حالة الجناح تطورت وتحسنت كثيرا، لكنه لا ينفك يتمنى «أن يحافظوا على تجهيزاته ومعدات مرافقه»، وهو يستحضر أن بعض المرضى أو زوارهم يتعاملون مع تجهيزات الغرف بمنطق «كلشي ديال الدولة»، كما كشف أن بعض الوسائد والستائر، التي لم يمض على وجودها أسبوع كامل، تعرضت للسرقة. ثم يقودنا في جولة إلى قاعة العمليات القيصرية، حيث نُصبت الآلات الخاصة بمثل هذه العمليات والتي مازالت مغلفة بقطع بلاستيكية شفافة و»لا تنتظر إلا انتهاء الرتوشات الأخيرة على القاعة قبل افتتاحها في وجه الحوامل»، يضيف أخصائي التوليد، قبل أن تستحثه ممرضة على التوجه إلى إحدى قاعات التوليد حيث توجد حامل تنتظر أن يخلصها من أوجاع المخاض، وهي واحدة من ضمن معدل يومي يصل أحيانا إلى عشرين عملية توليد بهذا القسم الذي كلف تجديده «غلافا ماليا قيمته 300 مليون سنتيم»، والكلام هنا للمدير الجديد للمستشفى، الدكتور عثمان بعيد، الذي تصادفت زيارتنا مع يوم تسلمه مسؤولياته الجديدة.الدكتور أحمد ديبان، رئيس القطب الطبي بالمستشفى، الذي رافقنا في جولة عبر مرافق «الأجنحة الساخنة» كما يسميها (وهي قسم المستعجلات، وقسم الولادة وجناح العمليات الجراحية)، يؤيد موقف المعلاوي في أن عقليات الكثير من المترددين على المستشفى «تحتاج إلى أن تساير التطور الحاصل في البنيات والتجهيزات التي عرفها المستشفى في الفترة الأخيرة». ويفتخر هو أيضا أن «خدمات ومرافق المستشفى صارت تضاهي أو أحسن مما عليه الحال في العيادات الخاصة، لكن يجب أن يتشبع المواطن بثقافة الحفاظ على هذه المصالح ومرافقها»، وبمجرد أن يُنهي هذا التعليق يوجه كلامه بصرامة إلى نسوة اتخذن من سرير إحدى الغرف بجناح العمليات مقعدا، طالبا منهن القيام عنه لتجنب إتلافه. «هم لا يفهمون أن هذه التجهيزات لها مدة استعمال محددة في الزمان يجب احترامها، وعندما يتلفونها فإنهم يبدؤون في التذمر والقول بأن لا شيء صالح في هذه البلاد». جودة خدمات قسم الولادة تعززها أيضا شهادة عبد السلام الدواشي، الذي قدم رفقة والدته من منطقة الهراويين، قائلا «إنه بعد الكثير من التماطل بمستشفى سيدي عثمان والتلكؤ لمعالجة مشكل في الرحم، قصدت اليوم هذا المستشفى حيث استقبلوني وأجروا العملية لوالدتي وهي الآن في فترة نقاهة». مصلحة المستعجلات تعيش نشاطا وحركية لا يتوقفان، وكأنها بذلك تجسد على أرض الواقع إدراجها ضمن خانة القطاعات الساخنة بالمستشفى. «40 درهما هو رسم ولوج المستعجلات، هذا الرسم يغطي مصاريف الدواء والتطبيب» يشرح ديبان، الذي يضيف أن المستشفى «يتوفر على مخزون دوائي يكفي للأربع سنوات المقبلة، ولجميع الحالات». ويؤكد أن تطوير البنيات والخدمات واحدة من نقاط القوة التي تُحسب للمستشفى، الذي حقق خلال السنة الماضية رقما قياسيا في عدد المرضى الذين ترددوا على مختلف مرافقه وأجنحته، إذ أوضج ديبان أن هذا الرقم بلغ 108 آلاف مريض «وهو أكبر رقم بين كل مستشفيات جهة الدار البيضاء الكبرى، ويتوزع بين حوادث السير والاعتداءات والحروقات والتسممات والأمراض المختلفة...». شيء واحد يقض مضجع الدكتور ديبان وعدد من زملائه الذين التقتهم «الصباح». إنه الخصاص «الكبير» في الأطر الطبية بالمستشفى، وعلى وجه التحديد الأطر شبه الطبية، بمن فيهم الممرضون. ويوضح ديبان أن عددا من هؤلاء تقاعدوا على مر السنوات الماضية لكن لم يتم تعويضهم، إضافة إلى إغلاق معهد تكوين الممرضين بالبيضاء لمدة طويلة قبل أن يعاود استئناف عمله. ويقول إن المستشفى دخل عملية تجديد وإعادة هيكلة للكثير من مرافقه، لكنه يشدد على ضرورة أن تساير ذلك عملية تطعيم لموارده البشرية التي تتناقص باستمرار مما يجعل الكثير من الجهود التي تُبذل على مستوى البنيات التحتية والخدمات تتعرض للتبخيس أمام قلة الكوادر الطبية. ورغم هذا النقص في الأطر، فإن ديبان يباهي بكون المستشفى يتوفر على أطباء في كل التخصصات، باستثناء أخصائيي جراحات الدماغ، متمنيا أن يتم، على مستوى الوزارة الوصية، الالتفات إلى هذا الخصاص لسده ومن أجل المساعدة على تعزيز ما تحقق على مستوى البنيات التحتية والخدمات. إشكال الخصاص في الأطر الطبية يؤكده أيضا مدير المستشفى عثمان بعيد، الذي يقول إن هذا الأمر مطروح على الصعيد الوطني، وهو يستند في هذا التصريح إلى تجربته خلال تنقله بين عدة مستشفيات عبر ربوع المملكة، مشيرا إلى أنه خلال اجتماع مع وزير الصحة أكد الأخير أن الوزارة تضع مشكل الخصاص في الأطر الطبية «ضمن أولوياتها».ويقول بعيد إن حدة هذا الخصاص ستتجلى بشكل أساسي مع دخول نظام التغطية الصحية للفئات المعوزة (إجراء يسعى إلى توفير الخدمات الطبية مجانا للطبقات المحرومة وسيشرع في تنفيذه خلال السنة الجارية، بعد أن صدر المرسوم المتعلق بتنفيذه في 29 شتنبر 2008)، إذ أن المؤسسات الاستشفائية العمومية ستعرف تدفقا كبيرا للمرضى يقتضي توفير الأطر الطبية، لكنه مع ذلك يبدي تفاؤلا بكون مصالح مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي ستجد سبيلا للتأقلم مع النظام الجديد، خاصة أنه أشرف على تفعيله بمدينة بني ملال منذ حوالي سنتين، إذ كان هذا أول إقليم يطبق به نظام التغطية الصحية للمعوزين. محمد أرحمني

مستشفى الحي المحمدي بالبيضاء… بنيات تتطور وأطر تختفي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التقييم الأولي للبرنامج الاستعجالي يبرز نجاحه

"طاجيني" يثير الاهتمام في معرض الخليج للأغذية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات