حديث الصباح: “20 فبراير”… عبقرية، براءة، جرأة

الحركة لم تسلم من المناورات لوقف شعلتها وتعكير سمعتها ومسخ صورتها وتكفير لغتها أَلِفنا منذ سنة سماع أنشودة «الربيع» أغنية تونسية الأصل، ولونا تاريخيا يوحي للعالم بالثورة الهادئة، ولحنا سلميا ومدنيا للتغيير، وعقلا يفيض ذكاءً تسلح بأربعة حروف جمعتها كلمة «ارْحل» سرعان ما انتصرت برحيل بن علي ومبارك والقذافي إلى دار البقاء، والبقية تأتي... لقد فطنت القارة العجوز والغرب عامة إلى أن قاموسها السياسي والعسكري والحربي الذي يجمع كل شيء، لا يعرف أبدا جذوة الربيع العربي، واعترفت بأن الربيع العربي ربيع إنساني لم يستعمل لا قنابل عنقودية، ولا متفجرات نترونية، ولا طائرات القصف ولا غواصات الغزو، كما فعل ربيع «التحالف الغربي الهمجي»، الذي انحنى خجلا لجرائمه لما قرر شعب مصيره وأبدع ربيعا عربيا تونسي المولد، صمم فتح كل جوارحه ليعيش الكرامة والعدالة والمساواة والمواطنة التي تعطش لها عبر سنوات عجاف من حكم زنادقة قصر قرطاج الهاربين من غصب شوارع تونس الزيتونة، وليقول لثروات عالمية سابقات فرنسية كانت اوصينية أوروسية أو شبيهات لها، «هاكُم نموذجا من ثورات قرن الأنترنيت وفيسبوك وتويتر» هاكم الثورة التي ضحى فيها المواطن البوعزيزي بروحه وبجسده ليعيش البوعزيزيون من بعده انتصارهم الأخضر انطلاقا من فبراير قبل سنة.وفي لمحة بصر، حل الربيع العربي بيننا بهذا الوطن المطل على المتوسط والأطلسي، مغرب البحرين، واستقبلنا ثورة أحفاد الشابي ورفاق منصف المرزوقي، ووجدنا أنفسنا عبر شبكات التواصل المغربية الجماعية والمجتمعية مع التونسيين في قلب عاصمتهم بشارع محمد الخامس وشارع بورقيبة نهتف معهم «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر».ولما كان التاريخ ليس أحداثا مهداة أو مستوردة، بل مجالا للفعل البشري الصانع لصفحاته في الزمان والمكان، فقد امتلأ الشارع المغربي بالشباب في لحظة غير مسبوقة في حلتها وطبيعتها، وبكل جرأة وقناعة خرج شباب العشرين من فبراير قبل سنة إلى وسط «باب الحد بالرباط» وفي «ساحات تحرير» مغربية بعدد من المدن، حيث رفعت اللافتات السياسية والاجتماعية لفضح الفساد والمفسدين والتسلط والمتسلطين والاستبداد والمستبدين، وتعالت الأصوات مطالبة بالتغيير لتدوي تحت أعين كاميرات الدنيا كلها، وتحت مطر السماء الذي قرر أن يسقي السائرين المحتجين بكل نعومة تضامنا مع دعوتهم السلمية في أول خروج احتجاجي مغربي، بدون مساحيق ولا ألوان، مسيرات أكدت للجميع أنها «نحن كلنا» بشرائحنا وثقافاتنا وحساسياتنا وأطيافنا.... لم تكن تعتقد الدولة والسلطة ومعها المشككون، أنه بعبقرية حركة «20 فبراير» ستؤسس للمجتمع مرحلة تاريخية جديدة، تجسدها الأرضية التأسيسية بوضوح الرؤية وبتحديد المطالب، وستنطلق بمستوى مسؤولية ووعي جيل أغضبه النفاق السياسي، وأثاره زيف المؤسسات، وأرقه استمرار احتقار كرامته، والمناورة على مستقبله ومواطنته، ومن هنا ومنذ 20 فبراير قبل سنة قدمت الحركة للعالم ثورتها الخاصة، نسجت فلسفتها وأفكارها وشعاراتها ومحطاتها، سواعد وقامات شاباتها وشبابنا قبل سنة، وأصبح شباب الحركة، وأصبح عشرون فبراير يوما مغربيا ربيعيا في أهدافه، شبابيا في روحه، شيخا في نضجه ووعيه، ثابتا بنفسه الواسع. لم تسلم حركة عشرين فبراير من المناورات لوقف شعلتها، سواء على مستوى تعكير سمعتها أو مسخ صورتها او تكفير لغتها، فقد تأسست لمحاصرتها فياليق من المرائين تحت بصر وحماية السلطة، تسلحوا لإضعافها والشماتة بمبادئها وإعلان العداوة ضد شاباتها والاعتداء على شبابها، واندست «الشبيحة» ضمن صفوفها، لإفساد مسيرات الحركة وتفجير وحدتها وقوتها وتجييش الجمهور عليها، وتجنيد مرتزقة السلطة باسم الدفاع عن الملكية وعن السلطة لإفتعال مواجهات وحلق ملفات قضائية... إنهم يمكرون، وما أعنف مكر التاريخ.حركة 20 فبراير بريئة مما يصنعون، بريئة من تهم التخريب والإتلاف والاعتداء على الممتلكات الخاصة أو العامة، حركة عشرين فبراير انطلقت وهي قوية بتعدد مكوناتها، مستقلة رغم تعدد مكوناتها، ولما قرروا أن يرموها بنعوت الاحتواء والتبعية والراديكالية والأصولية ليفككوا قوة حلقاتها، ولما اتهموها بكل سخافات الجرائم، فإنهم يقللون من نسبة نجاح مخططهم ويضعفون مصداقية مواقفهم، إنهم بكل بساطة يريدون أن يبرروا إطلاق النار في الحطب ليحترق الشارع وتقذف مسيرات الشباب...عشرون فبراير هي في ذاتها عبقرية سياسية وذكاء مجتمعي، فعلى شباب الحركة أن يحذروا من البلطجية والمندسين وأن يتبرؤوا من اشباه «الهوليغانز» الإنجليز ومن أشباه «بَرَا برَافَا» اللاتينيين الذين لا يهنؤون في عقولهم إلا بتحطيم وتكسير كل ما هو قائم أمامهم. وأنتم أيها الحاكمون، ارحموا الوطن وتجنبوا إحراق الوطن، على الدولة والسلطة والأمن أن يرحموا المغرب ويجنبوه مِحن المشرق، وعليهم أن يحترموا المغاربة ويجنبوا أبناءهم مآسي الفتن، عليكم أن تتركوا فورة شباب حركة عشرين فبراير تنظم مسيراتها وتزيد مطالبها، فهي قوة ضامنة لتطور المجتمع وتعميق إصلاحات الدولة والمؤسسات، ومسح وجه البلد من الإهانات، وتحقيق التغيير الذي تفرضه حتمية التاريخ، ليس وحدها، بل إلى جانب ومع قوى الوطن القادرة على تحقيق التغيير، لأنكم تعترفون دون شك بأن تاريخ المغرب يكتبه المغاربة كلهم وأن الدولة لا تملك هذا الحق وحدها مطلقا.لقد قال الكاتب والمفكر الفرنسي ألكسي دوتوكفيل «إن التاريخ معرض للوحات، قليل منها أصيل وكثير منها صور غير حقيقية».فلتظل حركة عشرين فبراير بارقة الأمل، شمعة المستقبل، لوحة أصيلة لا تتغير على ضفاف المحيط الغربي المغربي للربيع العربي. بقلم: النقيب عبد الرحيم الجامعي

حديث الصباح: “20 فبراير”… عبقرية، براءة، جرأة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

20 فبراير... الشعب يريد

اعتقال مغربي حاول تفجير الكونغرس الأمريكي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات