الهـيـبــة المـفـقـودة وعـطـش البـطش

الشرطة علم وأساسه التنبؤ المبني على أسس علمية ومعلومات قوية ناتجة عن تحريات نشطة عندما دخلت سيدة فرنسية ترتدي ثوب الشرطة داخل شارع ضيق في الحي اللاتيني بمفردها، رسم لي خيالي المصري المنقوع في مناخ ذكوري صارخ سيناريوهات عجيبة، منها أن هذه الشرطية ستحترم أنوثتها وتحافظ على صورتها اتقاء لشر علقة ساخنة أو شجار مفتعل أو تحرش مدبر، لكن ظنوني وخيالاتي المصرية باءت بالفشل حين دخلت هذه الشرطية - وهي جميلة بالمناسبة - إلى المحل الذي أشتري منه وكان صاحبه تونسي الأصل، دار حوار بينها وبين البائع انتهى بكتابة غرامة فهمت في ما بعد أنها بسبب تجاوز من المحل في عرض الشارع، حتى الاعتراض اللفظي لم يبده أو يحاوله البائع، راقبتها وهي تدخل المحال المجاورة، منتهى الجدية، منتهى المهابة، والمهم منتهى الأدب، كلماتها مختزلة، قامتها ممشوقة، معتزة بنفسها، فخورة بأنها تنتمي إلى جهاز الشرطة، هي في ميزان القوة البدنية خاسرة مقارنة بأصحاب المحال من الرجال، ولكن بميزان الهيبة وسطوة القانون هي الكفة الراجحة.كلمة السر هي هيبة رجال الشرطة المستمدة من قوة القانون التي أتمنى أن تترسخ مبادئها في مصر. للأسف رجل الشرطة عندنا تربى في مناخ قمعي يستخدم البطش كأداة ووسيلة صارت عند البعض بعد ذلك قانوناً بديلاً. الشرطة علم وأساسه التنبؤ المبني على أسس علمية ومعلومات قوية ناتجة عن تحريات نشطة، وفي مجال المباحث بالذات نجد ضباط شرطة كثيرين أذكياء لديهم هذه الحاسة الرادارية التنبؤية، ولكن مع وجود البطش البديل كوسيلة حصول على الاعترافات أصيبت غدة التنبؤ عند البعض بالضمور وتعطل الرادار، فالبديل السهل والحل الجاهز كان النفخ والضرب والكي في الأقسام، وبعدها تخر حنفية الاعترافات المفبركة، ومن يظل من الضباط قابضاً على جمرة العلم الشرطي الذي تعلمه ينظر إليه كمارق وخارج عن الإجماع، ومن هنا قتل الاستسهال في عهد البطش كثيراً من الكفاءات الشرطية.الملابس الشرطية رمز قبل أن تكون غطاء، لابد من استعادة هيبتها واحترامها حتى تشع في داخلنا إحساس الأمان، ليس مطلوباً أن تكون هذه الملابس وسيلة ابتزاز أو تخويف أو ترويع، ولكن مطلوب أن تكون وسيلة تطمين وتأمين وسكينة، لابد أن يتخلص ضابط الشرطة الحالي من إحساس الندم بفقدان أداة القمع والتعطش إلى البطش الذي كان يسهل عليه عمله البوليسي، فالبطش طريق سهل لكن عواقبه وخيمة، وعلم وفن الشرطة طريق صعب لكن نتائجه مضمونة.كلمة أخيرة موجهة إلى وزارة العدل وأجهزة القضاء: لابد من إعادة النظر في مسألة تعيين ضباط الشرطة كوكلاء نيابة وقضاة، فالفصل واجب، والمناخ مختلف ما بين كلية الشرطة وكلية الحقوق، حتى إن درس الطلبة هنا وهناك المناهج نفسها، وهذا التحول من الشرطة إلى سلك النيابة خلق مشاكل كثيرة منها تفحش الواسطة وزرع إحساس الظلم واللامساواة ما بين خريج الحقوق الحاصل على «جيد جداً» ولم يقبل فى النيابة وبين ضابط الشرطة الذى حصل على درجات في جو امتحانات مختلف وبعدها تعامل مع المتهمين أثناء عمله الشرطي بروح مختلفة عن روح النيابة ثم تم تعيينه وكيلاً للنائب العام ثم قاضياً.إعادة هيكلة الشرطة صارت «كليشيه» يتردد كثيرا في وسائل الإعلام، والأهم منه تغيير فلسفة وتفكير الشرطة. خالد منتصر: عن جريدة «المصري اليوم»

الهـيـبــة المـفـقـودة وعـطـش البـطش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مطاردات يومية للمهاجرين الأفارقة بوجدة

السلطة السورية تصمم على الحل الأمني

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات