النظافة بالبيضاء… المهمة المستحيلة

ملتقى جديد بعد اليوم الدراسي لـ 2014 يعيد طرح الإشكالات نفسها ويبحث عن وصفة تبدو مستعصية تنظم الجماعة الحضرية للبيضاء بتنسيق مع جامعة الحسن الثاني وشركة البيضاء للخدمات، اليوم (الجمعة)، الملتقى الأول للنظافة تحت شعار "كلنا معنيون"، الذي سيتميز بمداخلات سيلقيها الوزير المنتدب في الداخلية وكاتبة الدولة في التنمية المستدامة ورئيس الجهة ورئيس مجلس المدينة ورئيس الجامعة. ويشتغل الملتقى الأول، طيلة اليوم، على عدد من الورشات والمحاور، منها مكانة تدبير النفايات في الميثاق الوطني للبيئة، ودفاتر تحملات نظافة المدن من أجل خدمات من جودة عالية، والتحسيس والتواصل في مجال تدبير النفايات وتثمينها، كما سينتهي باقتراح عدد من التوصيات لتعزيز مشروع دفتر التحملات الجديد قيد الإنجاز. إعداد: يوسف الساكت تنكر منظمو الملتقى الأول للنظافة بالبيضاء لخلاصات وتوصيات الملتقى السابق (يونيو 2014) الذي اشتغل على الموضوع نفسه خلال المرحلة الانتقالية التي سبقت دخول عقد التدبير الجديد (2014-2021) حيز التنفيذ، وحضره ممثل عن وزارة الداخلية والوزيرة المنتدبة السابقة في البيئة ووالي الجهة والعمدة السابقين، ومسؤولي الشركتين اللذين رسا عليهما طلب العروض الدولي، وممثلي المجتمع المدني. وضع اليوم الدراسي "الأول" حول النظافة المرحلة الانتقالية السابقة تحت مجهر الفحص ومعرفة مواطن الضعف ونقاط القوة، قبل الخوض في التجربة التي تزامن انطلاقها مع الاستعدادات للانتخابات الجماعية 2015 التي أفضت إلى تغيير الفريق المسير بالمدينة، وما نتج عن ذلك من قرارات ومقاربات جديدة، انتهت بفسخ العقد مع شركة من الشركتين الدوليتين، وتكليف شركة البيضاء للخدمات (عبر شركة فرنسية وأخرى مغربية) لتدبير مرحلة انتقالية جديدة بالمنطقتين 1و3 وإعداد دفتر تحملات جديد. توصيات مع وقف التنفيذ انتهى اليوم الدراسي بإصدار عدد التوصيات الصادرة عن ورشات عمل، وأكدت على ضرورة اعتماد تدبير عقلاني ثلاثي الأقطاب يبدأ من الحكامة والشراكة، ويمر عبر آلية التتبع والمراقبة المؤسساتية، ويتكرس بالتواصل والتحسيس، ثم العمل على ترسيخ شراكة مثمرة مع المصالح الخارجية بعمالات الجهة، وعقد لقاءات منتظمة مع الشركاء لتقييم برنامج العمل المشترك، وإبرام اتفاقيات شراكة للعمل المشترك مع المؤسسات المتدخلة في قطاع النظافة، وتجميع الجمعيات العاملة في القطاع عبر خلق تنسيقيات ودعم التكتل الجمعوي لتوحيد الجهود والأهداف. وفي ما يتعلق بالتتبع والمراقبة، أوصى المشاركون بإشراك المقاطعات والعمالات في عملية تتبع تدبير قطاع النظافة، وتحسين جودة التتبع من قبل الجماعة الحضرية باعتماد خريطة للتتبع تهم كل مقاطعة، وترسيخ مفهوم المراقبة الداخلية لدى الشركات، وحث الشركات على تعيين مخاطبين محددين في المهام والاختصاصات للتنسيق مع المتدخلين المحليين، وحسن تدبير التجهيزات الحديثة المعتمدة في التتبع والمراقبة، مع ضرورة توضيح اختصاصات هيأة المراقبة في تدخلاتها مع شركة التنمية المحلية. ولا يستقيم قطب الحكامة وقطب المراقبة، حسب اليوم الدراسي، إلا باعتماد إستراتيجية تشاركية في التواصل بين المنتخبين والمجتمع المدني والمصالح الخارجية في إعداد الإستراتيجية التواصلية، والاستناد إلى مخططات تواصلية محلية خاصة بالمقاطعات. وأشار عدد من المتدخلين إلى ضرورة وضع مفاتيح وخطط حديثة للتواصل مع المواطنين والشركاء تصب في إعادة بناء جسور الثقة المهدمة بين السكان المعنيين بالتحسيس والتواصل وبين السياسات العمومية المتعلقة بالمجالات البيئية وضمنها النظافة وجمع النفايات. واقترحوا من أجل الوصول إلى ذلك، توظيف آليات التواصل العلمية والحديثة في التواصل مع المستهدفين، خصوصا الشباب من أجل إيصال الرسالة البيئية وتحقيق غاياتها التواصلية والتحسيسية، وخلق نماذج واقعية لبيئة نظيفة وتحويلها إلى قدوة لدى المعنيين برسالة التواصل، مع العمل على تعميم هذه التجربة تدريجيا على باقي المناطق والعمالات الأخرى، مع دعم إعلام بيئي متخصص يواكب المجهودات المبذولة في قطاع النظافة، وإيجاد طرق لإشراك الآباء والأمهات والأسرة بصفة عامة في عملية التواصل والتحسيس. البداية من الصفر لكن بعد مرور أربع سنوات على اليوم الدراسي الأول، تعود الجماعة الحضرية، بتنسيق مع جامعة الحسن الثاني وشركة "البيضاء للخدمات" لتنظيم ملتقى ثان، يعيد "تدوير" الأسئلة والإشكالات نفسها بطريقة جديدة ويقترح لها "تعليبا" مختلفا، في وقت يجمع الجميع أن المشكل الأكبر للقطاع، هو مشكل حكامة وتدبير يتحمل مسؤولو المدينة نصيب الأسد فيه. ولم يعد قطاع النظافة هاجسا للشركتين والمواطنين فقط، بل للسلطات المنتخبة، وأساسا مجلس المدينة، الذي يدفع 40 في المائة تقريبا من ميزانيته السنوية، دون أن يشعر بوجود نتائج حقيقية على الأرض، خصوصا في ظل تصاعد احتجاجات السكان وتذمرهم من تراكم الأزبال و"المطارح" الصغيرة بالشوارع وقرب التجمعات التجارية السكنية. في برنامج إذاعي، اعترف عبد العزيز عماري، عمدة البيضاء، أن استمرار الأزبال والنفايات في عدد من المناطق والشوارع والأزقة التي زارها، يؤلم القلب، مؤكدا على ضرورة مضاعفة مجهودات جميع الفاعلين والمكلفين بالقطاع والمواطنين، عبر هيآت المجتمع المدني، لرفع التحدي الكبير لتحويل البيضاء مدينة نظيفة دون استثناء، أو تمييز بين أي مقاطعة. وقال عمدة البيضاء "إن هناك خللا في المراقبة والتتبع ينبغي أن نتجاوزه"، مؤكدا في هذا الإطار على قرار مجلس المدينة بتقوية دور المقاطعات في مجال تتبع التدبير المفوض في مجال النظافة. وتلتقي انتقادات، التي ما فتئ يوجهها مسؤولو المدينة إلى التجربة الحالية التي وقع عليها محمد ساجد، العمدة السابق، مع الملاحظات القاسية التي وجهها معدو مشروع دفتر التحملات الجديد إلى بنود عقد التدبير الحالي. واعتبرت الشركة أن أكبر خطأ وقعت فيه التجربة السابقة، التوزيع الجغرافي المختل، والاقتصار على شركتين فقط، بل فسح المجال إلى عدد كبير من الشركات، تحقيقا للنجاعة والفعالية. ولم تكتف الشركة بذلك، بل اعتبرت أيضا أن دفتر التحملات السابق افتقد إلى ما أسمته "الدقة التعاقدية"، أي تركيزها فقط على وسائل العمل (شاحنات أورو 5 وآليات من الجيل الجديد وحاويات "باف" وأنظمة معلوماتية للمراقبة والتتبع..)، ولم يركز على الالتزامات المترتبة عن النتيجة بالخدمة، خاصة في ما يتعلق بجمع النفايات. وعاب معدو المرحلة الجديدة بقطاع النظافة على دفتر التحملات الحالي اعتماده نظام التسعيرة لجمع النفايات بـ"الطن"، في ظل ضوابط ومعايير لفرز الأزبال المسموح جمعها في العقد، وبين الأزبال الأخرى، مثل النفايات الهامدة (مخلفات الأوراش..) والأتربة. ومن بين الانتقادات أيضا، أن المجلس السابق أطلق طلب العروض الدولي، دون تحديد دقيق للعناصر الأساسية، مثل معرفة نقاط تجميع الأزبال والتراخيص اللازمة للبناء وعدم التوفر على خرائط الشبكات الجوفية لتحديد مواقع الحاويات المدفونة. ولاحظت نتائج الدراسات التي قامت بها شركة البيضاء للخدمات لدفتر التحملات السابق أن المفوض قام باقتراح حلول لجمع الأزبال دون دراسة مسبقة، ودون تكوين وتواصل. وأعطت مثالا على ذلك بحاويات "باف"، أو الحاويات المحمولة برافعات، كما استنتجت أيضا أن النظام المالي غير خاضع للرقابة، أي عدم وجود ما يبرهن على كلفة الاستثمارات الحقيقية، وشروط تحديث العرض المالي بعد المناقصة وآليات لتحديد النفقات واقتسام الأرباح. أكثر من ذلك، تبين أن تركيبة الأسعار في العرض الحالي لا تسمح بخصم حصة الخدمات غير المنجزة، لعدم وجود شرط تعاقدي يظهر بشكل جلي الاستثمار والاستغلال والنفقات العمومية، ناهيك عن عدم وجود آلية لإدارة الموارد البشرية لدى المفوض له. عقدة في منشار هو الوصف المناسب لمطرح مديونة الذي تكسرت أمام صخوره جميع الحلول والمقترحات وتحول إلى قنبلة بيئية تهدد الزرع والضرع والإنسان. ففي 23 فبراير 2008، وقعت الجماعة الحضرية للبيضاء على اتفاقية للتدبير المفوض لإعادة تأهيل مطرح مديونة اقترب، ساعتها، من مرحلة الملء الكلي، كما تضمنت الاتفاقية، التي حدد تاريخ انتهائها في 17 نونبر 2016، بندا يتعلق بإنجاز واستغلال مطرح عمومي مراقب. نحن الآن في منتصف يناير 2018، ورغم ذلك، لم تنجز لا مهمة تأهيل المطرح القديم، ولا إنجاز واستغلال المطرح الجديد، والأفظع منهما استمرار عشرات الشاحنات التابعة لثلاث شركات في إلقاء ما حمولته 20 ألفا و800 حاوية أزبال، أي ما يعادل أربعة آلاف طن يوميا من الأزبال في المطرح القديم الذي من المفروض، حسب مضمون الاتفاقية، إغلاقه في 17 نونبر 2010. فالمطرح الذي يقع على مساحة 80 هكتارا وينتصب "شامخا" بعلو الجبال فوق إقليم مديونة، يستقبل عشرات الأطنان، يوميا، من الأزبال المنزلية القادمة من الجماعات القروية والدواوير المجاورة، مُضافة إليها مخلفات أوراش البناء والأتربة والنفايات الطبية القادمة من بعض المستشفيات، ناهيك عن حمولات وشاحنات شركات "خاصة" تصل بشكل منتظم إلى المكان نفسه، وترمي ما في جوفها ثم ترحل، دون حسيب أو رقيب. وسط هذه الفوضى، يمكن تخيل أي شيء، كل شيء تقريبا، عدا مطرح منظم بحدود واضحة وتجهيزات وبنيات تحتية منصوص عليها في عقد التدبير المفوض، ويعرف مسيروه ما يجري في "أروقته" ويتحكمون في مداخله ومخارجه. فباستثناء "بوابة الميزان" التي تمر منها الشاحنات الحاملة للعلامات التجارية لشركات النظافة التي تتعاقد معها الجماعة الحضرية بشكل مباشر، أو عبر شركة "البيضاء للخدمات"، لا يتوفر المطرح، تقريبا، على أي تجهيزات أخرى، وأقلها سور بعلو محترم يمنع دخول "أي كان" إلى مرفق عمومي، ليفعل فيه ما يشاء على امتداد ساعات النهار وفي الليل أيضا، إلى حد أن البعض تجرأ وبنى مساكن وعششا ومقاهي ومطاعم عشوائية وسط جبال الأزبال تقدم أطباق السردين المقلي والبيصارة وكؤوس الشاي "المنعنع". 160 مليارا سنويا! إحصائيا، تنتج البيضاء، سنويا، حوالي 1.5 مليون طن من الأزبال المنزلية، دون احتساب الأزبال الخضراء والنفايات الهامدة (مخلفات أوراش البناء والأتربة). وحققت 2016 رقما قياسيا في إنتاج الأزبال وصل إلى 1.8 مليون طن، أي أكثر من 5 آلاف طن يوميا (3984 طنا يوميا حاليا). ويكلف جمع الأزبال وخدمات المطرح العمومي غلافا مهما يصل إلى 160 مليارا (998 درهما لكل بيضاوي سنويا). وتقطع حوالي 300 شاحنة يوميا أكثر من 26 كيلومترا لتفريغ 12 ألف حاوية، كما تقوم بـ237 جولة يشرف عليها 4700 مستخدم يشتغلون في الميدان. ورغم هذا الجهد اللوجيستيكي والميزانيات الضخمة والعدد الكبير من العمال، فإن النتائج تظل دون المستوى المطلوب، باستثناءات قليلة، في وجود عقلية تسيير داخل الجماعة تنظر إلى القطاع بقرة يجب الاستمرار في حلبها إلى ما لا نهاية.

النظافة بالبيضاء… المهمة المستحيلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شقق مندمجة بطنجة

3 آلاف تذكرة لديربي تادلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات