غيب الموت، الاثنين الماضي، الفنانة الشعبية زهرة الحامدي، المعروفة ب”الشيخة خربوعة” عن سن ناهز الثامنة والثمانين، بعد صراع مع المرض والتهميش بمسقط رأسها بمنطقة الرماني ضواحي الرباط. وتعد الراحلة خربوعة واحدة من رواد فن العيطة الزعرية وهو نوع من الغناء الشعبي المنتشر في منطقة زعير جهة الرباط سلا زمور زعير إلى جانب أسماء رائدة في هذا النمط الغنائي مثل الشيخ انعينيعة ومحمد الهلالي الشهير ب”العواك” وغيرهما. واعتبر الباحث سالم اكويندي رحيل خربوعة خسارة كبيرة للفن الشعبي المغربي، رغم أن نشاطها الفني توقف منذ سنوات طويلة، لدرجة أن الأجيال الحالية لا تعرف عنها شيئا، إلا أن أجيالا من المغاربة ما زالوا يتذكرون اسمها الذي كان ملء الأسماع زمن الأسطوانات وأشرطة الكاسيت. وأضاف الباحث في مجال العيطة أن كل الشيخات في سن خربوعة يعتبرن أرشيفا وخزانة لفن العيطة وأن الراحلة كانت من حفاظ هذا الفن العريق ومن اللواتي يحتفظن بنصوص المتن الزعري الذي لم يدون ولم يسجل، وكل ما هو متداول منه غني فقط على لسان الشيخات والشيوخ الذين يؤدونه أو يستلهمونه في أغانيهم الأخرى. وسطع نجم زهرة خربوعة في مجال الغناء منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، علما أنها قبل هذه المرحلة نشأت وترعرعت بقبيلة “الكناديز” التابعة لمنطقة زعير، واشتهرت بصوتها الرفيع وحفظها لمتون العيطة الزعرية التي كانت تؤديها وسط أترابها بالدوار، وكان الجميع يتحلق حولها معجبا بأدائها وتمكنها من الغناء في تلك السن المبكرة. وكانت اللحظة التي رفعت اسم “خربوعة” إلى مصاف البطلات الأسطوريات، هي اللحظة التي أدت فيها مقطعا مرتجلا ذاع صيته، بعد نفي الملك الراحل محمد الخامس، قالت فيه “والله ما نحنّي/ ولا تجي ف ايديا/ ع إيلا رجع محمد الخامس/ وجاب الحرية/ الله يرحم الشهدا/ الشهيد الاول/ الزرقطوني لفحل/ اجبد الفردي لكحل/ ف الخاينين تا يقتل/ الشهيد الثاني/ علال بنعبد الله/ اللي خرج ما ولى/ وخلى مراتو تتسنى...”. وتتناقل الذاكرة المحلية حكاية القائد الدرفوفي الذي اعتقل خربوعة بسبب هذا المقطع، ليتم إطلاق سراحها بعد ضغط من السكان المحليين، لتغادر قبيلتها وتستقر بالرماني، وتؤسس بعد ذلك فرقة غنائية بدعم من قائد آخر كان يعشق العيطة ويرعى أهلها هو القائد المكي الزعري، وكان الشيخ صالح مرافقها على آلة الكمان. لم يقتصر نشاط خربوعة فقط على الغناء بل كانت على اتصال بالعديد من المقاومين ورجال الحركة الوطنية وهو ما جلب لها متاعب أخرى، بعد أن اعتقلتها السلطات الفرنسية بسبب مضمون أغانيها اللاذع، والذي كان يعتمد “الحب” (بفتح الحاء) الزعري بجمله القصيرة والمؤثرة، لتطوف مجموعة من السجون بدءا بالرماني وواد زم وخريبكة وابن أحمد ثم سجن اغبيلة بالبيضاء لتغادر السجن بعد عودة محمد الخامس من المنفى. وخلال فترة الاستقلال وخاصة بعد انتشار شركات الأسطوانات تركز حضور الشيخة خربوعة، التي شكلت ثنائيا لامعا مع الشيخ “لعواك”، في المشهد الغنائي الشعبي على مدار أزيد من ثلاثين سنة، قدمت فيه عشرات الأسطوانات التي ما زال يحتفظ بها عشاق صوتها، قبل أن يتوارى اسمها عن الأنظار ويظل حاضرا في ذاكرة الأجيال، وتدخل في دائرة النسيان، قبل أن يتم تفقدها في بعض المناسبات، آخرها التكريم الذي حظيت به قبل سنوات بمسرح محمد الخامس، أو تكريمها في إحدى دورات مهرجان العيطة بآسفي. عزيز المجدوب