العطري: غير المحتفلين أقلية

الباحث في علم الاجتماع قال إن المجتمع المغربي طقوسي ويحتل فيه الرمز مكانة خاصة اعتبر عبد الرحيم العطري، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع أن القول بأن هناك فئة من الناس أو أفرادا من المجتمع، تكونت لديهم قناعة تامة بعدم الاحتفال بعيد الأضحى، فيه نوع من المجازفة العلمية، إذ أن الأمر يقتضي توفر دراسات وإحصائيات مدققة بخصوص الأشخاص الذين لا يحتفلون بهذا العيد، مؤكدا أن غالبية المغاربة تميل إلى احترام هذه الشعيرة، وليس الانقلاب عليها. كيف تقرؤون أو تحللون، بصفتكم أستاذا باحثا في علم الاجتماع، نزعة عدم الاحتفال بعيد الأضحى، عن قناعة، لدى بعض المغاربة؟أولا لابد من الاعتراف بأن المجتمع المغربي مجتمع طقوسي، يحتل فيه الرمز مكانة مهمة لدرجة أن مجموعة من العلاقات والأفعال الاجتماعية تتأسس على الرمز والطقوس، ومن جانب آخر فإن ما يميز المجتمع المغربي أيضا هو ثقل الدين فيه، يعني أن الدين حاضر بقوة والمقدس يبصم الكثير من الفعاليات الاجتماعية. في هذا المستوى يأتي عيد الأضحى بطقوسيته، وبرمزيته، وبثقله الديني أيضا. القول بأن هناك فئة من الناس أو أفرادا من المجتمع، تكونت لديهم قناعة تامة بعدم الاحتفال بعيد الأضحى، فيه نوع من المجازفة العلمية لأنه تعوزنا الدراسات والإحصائيات المدققة بخصوص الأشخاص الذين لا يحتفلون بهذا العيد، ولكن ما يبدو بالمقابل هو أن هناك نسبا هامة من المجتمع المغربي كلها تمارس هذا الطقس الأضحوي وهذه الشعيرة الدينية بهذا المعنى. والدليل على ذلك هو هذا السعار الاجتماعي الذي يبرز كلما أهل العيد، من خلال عمليات الاقتراض والأسواق المنتشرة هنا وهناك، وهو ما يؤكد أن أغلبية المغاربة تميل إلى احترام هذه الشعيرة، وليس الانقلاب عليها. وأعتقد أن من تشكلت لديهم قناعة عدم الاحتفال بها يمثلون أقلية صغيرة، وطبعا لها مبرراتها وتصوراتها للحياة، لأن الأمر ينبني أساسا على التصور الممكن للحياة والدين. وأود أن أشدد على أن الأمر يتعلق بفئة محدودة ولا يمكن أن نقول إنها صارت تشكل نسبة كبيرة داخل مجتمعنا. هناك نزعة أخرى لدى بعض النساء «العصريات» اللائي يرفضن الاحتفال بهذه المناسبة نظرا لما يعتبرنه إرهاقا لهن بسبب كثرة الأشغال التي ترافق هذه المناسبة؟ الذي حدث هو أن المجتمع المغربي يعيش دائما على وقع مجموعة من التحولات، ويمكن أن نسمه بأنه مجتمع في محك التحول في هذا الصدد. تحولات متعددة المبنى والمعنى تحضر هنا وهناك، وهذا ينسحب أيضا على علاقتنا بهذه الأضحية، فأعتقد أن ذلك الفرح الكبير والاستعدادات التي تسبق العيد، والتي قد تمتد لأكثر من شهر، أخذت في التقلص، والسبب مرتبط أساسا بتوترات الحياة. فنحن صرنا ننتمي إلى مجتمعات الخطر واللايقين وإلى مجتمعات لم يعد فيها مجال للتتاعب والتقاط الأنفاس، ولهذا أعتقد أن هذه المناسبات الدينية أصبحت محاصرة اجتماعيا. والغريب في الأمر هو أننا صرنا نتمثلها كممارسات طقوسية أكثر مما هي ممارسات دينية. فعندما نتحدث عن الإرهاق الذي يمكن أن تبديه بعض النساء، فأعتقد بأن الأمر يجعل فلسفة التعييد تخرج من احتفاليتها إلى إرهاقها، وفي هذا الأمر نوع من التغيير الذي مس هذه الممارسة، لهذا ينبغي أن نتحرر من الكلام الذي يُطلَق على عواهنه وأن نعترف بأن هناك حضور وتجذر اجتماعيا قويا لهذه المؤسسة التي أسميها مؤسسة المضحي في المجتمع المغربي. ولا أعتقد بأن الأمر يسير في اتجاه نوع التبرم من العيد، والدليل هو أن ليست هناك امرأة ترفض أن يأتيها زوجها بكبش أقرن أملح، والذي هو أعز ما يطلب ورمز للمباهاة والحضور الاجتماعي، ودليل لتأسيس التفاوت الاجتماعي. فيجب أن نعود إلى القاع الاجتماعي، لا أن ننتبه إلى ما يسري في الصالونات المخملية، ففي قاع المجتمع وهامشه تنكتب حقيقة المجتمع. هناك بعض الأسر المغربية التي صارت تفضل قضاء عطلة عيد الأضحى بالفنادق، ما هي قراءتكم السوسيولوجية لهذه الظاهرة؟ أولا يجب أن نحدد الإطار الذي نشتغل فيه ونتحدث عنه. فبطبيعة الحال المجتمع المغربي مجتمع تقاطبي، أي يضم مجموعة من الفئات منها من يسعى إلى ممارسة نوع من الانتحار الثقافي والطبقي لتعلن الانتماء إلى زمن آخر غير زمنها الأصلي. ولهذا نلاحظ بأن هناك من يصف طقوس عيد الأضحى على أنها ممارسات لا تمت للدين بصلة وأنها تتسم بالعدوانية والدموية، وهذا فيه نوع من الاستدباج القبلي لصياغات أو سجلات ثقافية أخرى بعيدة عنا، ولكن عندما نعود إلى المجتمع المغربي العميق فسوف نجد أنه مازال يتمسك بالعيد وطقوسه، وسنجد أن الاقتصاد الوطني في هذه المناسبة يتوقف بشكل من الأشكال، خصوصا قطاع البناء الذي توقفت كل أوراشه، لماذا؟ لأن كل الأشخاص العاملين في هذا القطاع لا يفرطون في هذه العطلة المركزية وقرروا قضاءها في أحضان عائلاتهم، بمعنى أنه إذا كان البعض يفضل قضاءها في الفنادق، في إطار نوع من الانتحار الطبقي أو في سياق قطع العلاقة أو تصفية الصلة مع الجذور، فالبعض الآخر يجدها مناسبة لتمتين اللحمة والروابط الاجتماعية. ويجب أن نميز بين فئات متعددة، أغلبيتها ترى في العيد مناسبة احتفالية ودينية وفرصة لإعادة تحيين المقدس وتحيين الرابطة الاجتماعية، ولكن كما قلتَ هناك فئة أصبحت تجد في العيد مناسبة للاستجمام والابتعاد عن هذه الطقوس وعن ما تسميه هي (بالدموية)، غير أن هذه الفئة مازالت قليلة، لأن من تتوفر لهم أسباب حجز فندق من صنف خمس نجوم في لحظة العيد هم قليلون، أما الغالبية العظمى فإنها تنتصر لهذه الممارسة الثقافية والدينية وتعتبر أن إيجابياتها أكثر من سلبياتها. نود لو تحدثنا عن الحالة النفسية والشعور لدى الأشخاص الذين لا إمكانية لهم لشراء أضحية عيد الأضحى في محيط غالبية أفراده لهم القدرة على شراء أضحية العيد؟ علينا أن نعرف أن من جملة ما يميز المجتمع المغربي هو التكافل الاجتماعي. وكمثال لتوضيح هذا التكافل هو أن كل مغربي يتوفر على عمل إلا ونجد أنه يُعيل ثلاث عائلات على الأقل، عائلته ووالده وربما أصهاره... إذن هذا التضامن الاجتماعي هو الذي يؤسس لثقافة التكافل ويشكل الواقي من الصدمات تجاه الكثير من البروز الفردي والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع. أكيد أن هناك أناسا لا يجدون إلى الكبش الأقرن والأملح سبيلا، بل لا يجدون إلى كبش عاد جدا سبيلا، ولكن هناك استراتيجيات للمقاومة وفي مقدمتها الصبر، ثم هناك المبادرات التي يُقدم عليها بعض المحسنين، بحيث يسهمون في القيام بعمل خيري، حتى أن فئات محتاجة لا تدري حتى يطرق بابها أحد ليقدم لها أضحية عيد الأضحى دون معرفة. غير أن هناك فئات لا تنكتب لها صدفة لقاء هؤلاء المحسنين، ولهذا فهم إما يلجؤون إلى استراتيجية المقاومة، بحيث يوصدون أبوابهم عليهم وكأنهم لا يوجدون، أو إما أن الأمر يتعلق بنوع من اللجوء الطقوسي إلى جيران أو أشخاص قريبين... المهم هو أن هناك استراتيجيات مضادة دائما تحضر في اشتغال الفرد المغربي، لأن ما يميز الثقافة المغربية هو قدرتها على التكيف والترميق أو (Le Bricolage) وقدرتها على التوليف (Le Montage) أي أن السلوك الاجتماعي المغربي يتأسس على هذه الديناميات بما يجعل أن هذه الفئات التي لا تجد طريقا للحصول على كبش العيد، تؤسس ثقافتها الخاصة لتبرير العملية. أجرى الحوار: محمد أرحمني

العطري: غير المحتفلين أقلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مغاربة محرومون قسرا من العيد

الفقر يحرم أسرا فرحة العيد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات