سؤال تأهيل الأحزاب في أفق 25 نونبر

بعد المصادقة على سادس دستور عرفته المملكة المغربية في يوليوز 2011، يلج المغرب الراهن مرحلة إجراء استحقاقات تشريعية مبكرة، ستشكل المحك الحقيقي لمعرفة مدى أجرأة مقتضيات الدستور الجديد أو عدم أجرأته، فهي استحقاقات استثنائية ليس فقط بحكم تداعيات حركة 20 فبراير، بل أيضا بحكم إجرائها في ظل دستور جديد ومتجدد على أكثر من صعيد. لكن كيف سيتم تدبير هذه الاستحقاقات في ظل حراك سياسي واجتماعي متميز، وفي إطار مقتضيات دستورية جد متطورة عنوانها الرئيسي ربط المسؤولية الانتخابية بالمحاسبة ؟يبدو اليوم أن درجة التعاطي مع هذه المتغيرات السياسية تختلف بين الدولة والأحزاب، فالخطاب الإصلاحي للدولة غدا جد متقدم مقارنة مع حالة الانتظار القاتلة التي ارتكنت إليها الأحزاب السياسية، وهو أمر لا ينسجم مع إكراهات المرحلة الحالية، ذلك أن هناك علاقة جدلية بين ضرورة وجود أحزاب سياسية فاعلة ونظام سياسي قوي، فليس هناك من خطر على النظام السياسي قدر وجود أحزاب ضعيفة، حيث دلت التجربتان التونسية في عهد زين العابدين بن علي والمصرية في عهد حسنى مبارك على أن ضعف دور الأحزاب يفضي إلى إضعاف النظام السياسي ككل .من هذا المنطلق يطرح سؤال مركزي، ألا وهو كيف يمكن تأهيل الأحزاب المغربية ؟إن إشكالية تأهيل المشهد الحزبي ستفرض نفسها بإلحاح شديد من خلال ضرورة إعادة نمذجة الخريطة الحزبية وضبط مآلاتها ؛ إذ تحولت العديد من الأحزاب إلى مجرد "بازارات" ليس إلا، فعقد تحالفات حزبية في أفق إدماج الأحزاب الصغيرة في أقطاب كبرى مسألة مهمة من شأنها الحد من ظاهرة التشرذم الحزبي لكنها تبقى خطوة غير كافية، ما لم يتم وضع إستراتيجية شمولية تحقق تأهيلا ذاتيا هادئا وهادفا للأحزاب يستهدف إعادة هيكلة بنية وطريقة اشتغالها.إن هناك إدراكا عميقا لصعوبة تأهيل ذاتي في ظرف زمني جد قصير، بحكم وجود عوائق ذاتية وموضوعية تتمثل في هيمنة النزعة النيوباترمولية وغياب الديمقراطية الحزبية وهيمنة ظاهرة التماثل الإيديولوجي على مستوى طرح البرامج الحزبية وانحسار الحراك السياسي بتغييب الشباب والنساء داخل مراكز القرار الحزبي، وضعف التواصل السياسي بين الأحزاب والمواطنين.إن استحضار كل هذه العوائق تفسر أن جانبا كبيرا من الطبقة الحزبية مازال لم يترجم في سلوكه السياسي إحساسا بأهمية هذه المتغيرات والاستحقاقات السياسية التي تندرج في إطار رؤية استباقية لطلبات النظام السياسي الذي ما فتئ يطالب في مختلف خطاباته منذ سنة 1999 بضرورة تغيير منطق العرض والطلب السياسي بما يمكن من فتح المجال للكفاءات والشباب والنساء عوض أن تظل الأحزاب مجرد نواد مغلقة، إذ مازال قياديوها يرتكنون إلى انتظارية قاتلة، وإلى استبعاد المطالب السياسية التي يطالب بها المواطن، وترجم هذا السلوك السياسوي بوضوح أثناء مناقشة مختلف مشاريع القوانين المؤطرة للاستحقاقات القادمة من خلال نهج برغماتية ضيقة، وسعي ممنهج إلى إغراق الحقل السياسي في نقاشات انتخابية تقنية كالإسهاب في الحديث عن التقطيع الانتخابي وتجديد اللوائح الانتخابية، فيما غيبت التساؤلات الأساسية المتجلية في ضرورة دمقرطة الحقل الحزبي وتنقية المشهد السياسي من الممارسات السياسوية التي تعتريه أو إشكالية تجديد النخب السياسية التي غدت مطلبا شعبيا ملحا ، فلحد الآن لم يصدر أي حزب بلاغا يخبر فيه الرأي العام عن نوعية النخب التي سيقدمها للاستحقاقات القادمة، كما غاب الحديث عن التدابير التي ستقدم عليها الأحزاب لاستقطاب الشباب داخل مؤسساتها الحزبية والوسائط التي ستوظفها هذه الأحزاب لاستقطاب هذه الفئة الحيوية، فالفيسبوك ينخرط فيه اليوم أزيد من ثلاثة ملايين مغربي في الوقت الذي عجزت فيه الأحزاب عن خلق آليات للتواصل السياسي الحديث؛ ذلك أنه من أصل 35 حزبا نجد فقط سبعة أحزاب تتوفر على مواقع الكترونية تفاعلية من شأنها رفع المشاركة السياسية الاعتيادية عوض تركهم للانزلاق نحو المشاركة السياسية للاعتيادية.في مقابل هذه العوائق، عملت الدولة على تأطير استحقاقات 25 نونبر بترسانة قانونية جديدة كإقرار قانون الملاحظة المستقلة وسن قانونين تنظيميين لمجلسي النواب والمستشارين وقانون لتجديد اللوائح الانتخابية، وتطلبت المصادقة على هذه القوانين عقد أزيد من 20 لقاء ماراثوني بين وزارة الداخلية ومختلف الأحزاب السياسية، وهي قوانين استهدفت تجاوز الثغرات والاختلالات التي اعترت الممارسات الانتخابية السابقة كمنع الترحال السياسي، وبلورة ميثاق شرف صاغته الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة مستهدفا ضمان نزاهة وشفافية الاستحقاقات القادمة.بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا بإلحاح شديد هل تكفي هذه الترسانة القانونية لإعادة الثقة للمواطن المغربي في مسلسله الانتخابي؟ أم أن الأمر يتجاوز هذه الأحزاب إلى ضرورة معالجة الاختلالات البنيوية؟مهما كانت جودة هذه الترسانة القانونية، فإنها لن تحول دون استمرار ظاهرة الإفساد الانتخابي الذي تحول إلى حالة بنيوية تتطلب التأهيل الشمولي للأحزاب، باعتبارها القناة الأساسية التي ترشح بعض مفسدي الانتخابات، مثلما يتطلب الأمر وضع إستراتيجية شمولية لا تنبثق فيها القوانين الانتخابية من أجل تأطير اللحظة الانتخابية فقط، بل تؤطر الحياة السياسية وفق مبادئ الحكامة الانتخابية، كما يتطلب الأمر تطبيق القانون بصرامة ولا شيء آخر غير القانون، فعقب استحقاقات 1993 وقعت الأحزاب السياسية مع وزارة الداخلية ميثاقا للشرف، لكن في اليوم الموالي خرقته. مجمل القول إنه ينبغي للأحزاب أن تنصت بعمق إلى نبض الشارع المغربي الذي يتطلع اليوم إلى ممارسة السياسة بأسلوب آخر غير أسلوب إدريس البصري، أسلوب يرتكز على تجديد النخب الحزبية ودمقرطة بنيتها التنظيمية وبلورة برامج حزبية واقعية قابلة للتطبيق، وتستجيب لمطالب الشعب المغربي. الدكتور محمد زين الدين

سؤال تأهيل الأحزاب في أفق 25 نونبر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتصار نعومة المعلومة على أزيز الرصاص في الثورات العربية

الملك يلتزم بعدم التدخل في برنامج الحكومة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات