كاتبة وطبيب أسنان في المحكمة

محكمة الاستئناف بالبيضاء جزيرة معزولة تحاصرها الأشغال من كل الجهات في سابقة من نوعها «أدينت» محكمة الاستئناف بالبيضاء بالحصار، فهي مثل جزيرة معزولة تحاصرها الأشغال من كل الجهات، في حين يختنق المنفذ الوحيد المؤدي إليها بالشاحنات والسيارات حتى يفكر الزائر إليها ألف مرة قبل اتخاذ قرار التوجه إليها.. إنها ضريبة وجود محكمة في قلب العاصمة الاقتصادية. وقفت حشود المنتظرين أمام بوابة محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء تنتظر فتح الأبواب، واحتمى الشباب ونساء بظلال الأشجار التي علتها أتربة الأشغال «ترامواي»، فيما فضل الميسورين الجلوس في المقاهي في انتظار فتح الأبواب تجنبا لشمس حارقة ويوم طويل داخل المحكمة. انزوت بعض النسوة تحت ظلال الأشجار شاردات، في حين وقف آخرون ينتظرون فتح الباب، منهمكين في أحاديث جانبية تلخص سبب قدومهم إلى المحكمة، ثم فجأة بدأت قوافل النساء تفد على المحكمة، بعضهن اصطحبن أقرباءهن، بل بدت الألفة بينهن من كثرة ترددهن على المحكمة. فُتح باب المحكمة وبدأ رجال الأمن والموظفون استقبال الزوار، حتى أنهم يتحولون إلى مكتب للإرشادات ويقدمون العون للجميع ويرشدون التائهين إلى وجهتهم، بل منهم من يستقبل الزوار بابتسامة تزيح عنهم همومهم، فخصوصية المحكمة تجعل دور الأمن يتجاوز حفظ النظام إلى مساعدة المتقاضين.ساحة المحكمة كبيرة وعلى جنباتها موقف للسيارات، وداخل بهوها مكاتب متعددة تهم المحامين وكتاب الضبط والقاضي الوسيط إلى جانب مكاتب للإرشاد، وكراس يستلقي عليها المتقاضون في انتظار حلول دورهم، فيما لا يتوقف المحامون عن السير، فتراهم ينتقلون من مكتب إلى آخر حاملين ملفاتهم، وأحيانا يصطحبون موكليهم إلى وجهة ما.جهزت المحكمة بوسائل الراحة، إلا من بعض الآلات الإلكترونية المعطلة لأسباب غامضة، في حين جهز مدخل القاعات بشاشات كبيرة عطلت بدورها واضطر الأعوان إلى تلفيفها بثوب أبيض، في انتظار إصلاحها.وفي حدود الساعة التاسعة والربع صباحا، فتح الأعوان القاعات الرئيسية، فهرول إليها الحاضرون، في حين بدأ رجل أمن يحث المتاقضين على مغادرة البهو والدخول إلى القاعات، والمحامون على الكراسي في انتظار بداية الجلسات.توجد القاعات على امتداد بهو المحكمة، ورغم شساعة أغلبها، مقارنة مع محاكم أخرى، فإنها تصبح ضيقة بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من النساء والأطفال والرجال الذين يحضرون لتتبع قضاياهم وملفاتهم. داخل إحدى القاعات الفارغة ظل رئيس الهيأة ومستشاروه يستمعون بتفصيل ممل إلى أحد المتهمين، في حين ظلت النسوة يسترقن السمع، فرغم أن القاعة مجهزة بمكبرات الصوت إلا أن الكلمات بالكاد تُسمع حروفها.. إنها المحاكمات في المغرب، يقول شيخ وهو يستمع إلى المتهم الذي أحاط به أربعة أشخاص ومحامون في قضية تتعلق بسرقة محتويات إحدى الشركات، إذ ظل المتهم يشرح مكان وجود المخازن وكاميرات المراقبة وطريقة دخول وخروج البضائع.في قاعة مجاورة بدا المشهد أكثر إثارة، خاصة حين بدأ قاض يحث أحد المحامين إنهاء مرافعته، فأمامه ملفات عديدة، يقول القاضي الذي أشار إلى أكوام من ملفات، والمحامي حريص على إتمام مرافعته إلى نهايتها قبل تقديم الملتمسات.وأخيرا انفجرت القاعة ضحكا، فمنذ أن أعلن القاضي عن قضية يتهم فيها أحد أطباء الأسنان كاتبته بالسب والقذف والتهديد، حتى اشرأبت أعناق الموجودين داخل القاعة، حينها تقدمت فتاة إلى قفص الاتهام ونفت أن تكون ارتكبت جرما، فشكاية الطبيب مجرد وسيلة للانتقام منها بعد أن لمست أنه طيلة سنوات ظل يقتطع مبالغ مالية من مرتبها، دون أن يودعها صندوق الضمان الاجتماعي، في حين تشبث الطبيب بأنها هددت بإحراق العيادة وأن الزبائن سمعوا كل أنواع السب والشتم، مما أثر على سمعة العيادة.ظل كلا الطرفين متشبتا بأقواله، فمنذ سنوات، يقول الطبيب، وأنا أصبر على تعاملها السئ، في حين وجد محامي الكاتب الفرصة ليوجه إليه سؤالا حول أسباب عدم تقديم الشكاية قبل قضية «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، حينها أشار الطبيب إلى أن صبره نفد أخيرا.لجأت المحكمة إلى استدعاء الشاهد، الذي كان يمشي مبتسما، ثم صاح قائلا: «والله حتى نقول غير الحق.. راه أسيدي جيت باش نصاوب سناني لقيتهم تيتعايرو .. مشيت عندها وقلتليها آبنتي إلى بيناتكم شي حاجا ما تقوليهاش قدام الناس».غادر الشاهد المنصة، دون أن يلتزم بالصمت إذ ظل يصيح أنا ما لي مع الشهادة.. والله ما نبقى نعاودا.. وا مصيبة هاذي» ، ثم انفجرت القاعة بالضحك. خالد العطاوي

كاتبة وطبيب أسنان في المحكمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السجن لسارقي الأسلاك النحاسية بالجديدة

تحريات لكشف مزوري أوراق نقدية بخريبكة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات